ألإيمـان
إلى جماعة "الدّير الخفيّ"
إيلي مارون خليل
ألإيمان هو " التَّصْديقُ مُطْلَقًا. نقيضُ الكُفْر . فضيلةٌ فائقةُ الطَّبيعةِ بها نؤمن إيمانًا ثابتًا بكلِّ ما أوحاهُ الّله ."
ولكن.. ولكن.. أهذا هو الإيمانُ الحقيقيُّ ، الثّابتُ ، الأكيد ؟ أهذا هو الإيمانُ الأصيلُ، الرّاسِخُ ، النِّهائيُّ ؟ أهذا هو الإيمانُ البهيُّ ؟ الهنيُّ ، المُشِعُّ ؟ أهذا هو الإيمانُ الّذي أراده الّلهُ، ويُريدُهُ ؟
"ألتَّصْديقُ بالمُطْلَق" ؟ وكيف يكون ؟ أهو موجودٌ ؟ وهل هذا ما يُريدُه الّلهُ ، حَقًّا ؟ أيُعقَلُ أن يُريدَ الّلهُ إيمانًا مثلَ هذا "الإيمان"؟ ألم يخلُقِ الّلهُ العقلَ ؟ الشّكَّ ؟ "البَلْبَلَةَ" الفكريَّة ؟ وهي "بَلْبَلَةٌ" سعيدةٌ مُسْعِدةٌ في كلِّ حال !
كيف يَحدُثُ أن يكون الإيمانُ عامًّا ، لا استثناءَ فيه ؟ وبالتّالي : ما فضلُ مؤمنٍ مثل هذا "الإيمان ؟ وهذا "الإيمانُ"، أهو نِعمةٌ ؟ لِمَن تكون ؟ كيف يُختار مُستَحِقّوها ؟ بمَ يكونون مُتّصِفين ؟ لِمَ يُحْرَمُ غيرُهم من هذا الاستحقاق ؟ ومَن يُحْرَمُ منها ، أيكونُ محبوبًا من "مانِحِها"!؟
نقيضُ الكُفر ؟ كثيرون ليسوا بكافرين ! ولكن ، هل هم مؤمنون ؟
والإيمانُ " فضيلةٌ فائقةُ الطّبيعةِ"؟ لِمَ يُخْتَصُّ بها ناسٌ من دون غيرِهم ؟ أمن العدلِ أن توهَبَ هذه النِّعْمَةُ ، هذه الفضيلةُ ، لفئةٍ دون سِواها ؟ هذه "الفئةُ" نفسُها ، أتقبل مثلَ هذه النِّعمةِ، الفضيلةِ ، من دون مناقشة ؟ من دون أن تلتفتَ إلى الفئات الأخرى ، حائرةً ، مُتسائلةً، مُبَلْبَلَةَ الفِكْر ؟ ألا يَنشأ ، في نفوس هذه الفئة ، صِراعٌ يُعَكِّرُ ، عليها ، هناءةَ هذا "الإيمانِ"، وصفاءه ؟ و..نِهائيَّتَه ؟
"بِكلِّ ما أوحى إليه الّلهُ"!كيف نُدركُ ما أوحى به الّله ؟ مَن يُحَدِّد هذا "الوحيَ" ؟ و"الوحْيُ" نفسُه ، ما هو ؟ ما يكون ؟ لِمَ ؟ ثمَّ .. أين يكون ؟ وكيف ؟ أهو نهائيٌّ؟ ثابتٌ أم مُتَحَوِّل ؟ كاملٌ هو، أم يتطوّر ويكتمل إلى ما لا نهايةَ له ؟
*******
و"المؤمنُ" هو المُصَدِّقُ ، الواثقُ ، الآمِن .
المُصَدِّقُ مُسالِم . الواثِقُ قويّ . الآمِنُ سعيد .
ألمُسالِمُ مُرتاح . ألقويُّ فَرِح . ألآمِنُ مُطْمَئنّ .
وهذه من صفات المؤمن . أمِن مؤمِنٍ ، حقًّا ، يتَّصِفُ بهذه الصِّفات ؟
هؤلاء "المؤمنون" المُتدافِعون ، المُتهالِكون ، المُنْهالون .. على "بيوت" الّله ، أمُسالِمونَ همُ ، أقوياءُ ، سُعَداءُ ؟ مُرتاحون ، فَرِحون ، مُطْمَئنّون ؟ مُسالِمون بـ"المُطْلَق"؟ أقوياءُ ، سُعَداءُ ، مُرتاحون ، فَرِحون ، مُطْمَئنّون ب"المُطْلَق" ؟ هل هم كذلك ، الآن ، وأبدًا ، وفي كلِّ حال ؟ ألا يَتَحاسدون ، يَتَحاقدون ، يَتَظَلَّمُ بعضُهم من بعض ؟ ألا يتراشقون بالتَّفاهات ، بالسَّخافات ، بالأباطيل ؟ ألا يُصَوِّبُ بعضُهم على بعضِهِم ؟ ألا يُضمِرون لِبعضهم بعضَ ما لا يُضْمِرونه لأنفسِهِم ؟
فهل هم "مؤمِنون" ، حقًّا ، وبالمُطْلَق ، من دون أن يَتَحابّوا؟ وهذا الإيمانُ ، "التّصديقُ بالمُطْلَق" ، أيكون كذلك من دون المحبّة ؟ فما تكون قيمتُه ، إذًا ؟ ألمحبّةُ تُغَلِّفُ كلَّ شيء ، تَغفِرُ كلَّ شيء . ألمحبّةُ تُرَقّي ، تُزيل "غبارَ" النّفوسِ ، فتتصالحُ ، تتصافى ، تَهْنَأ ، تَطْفو في النّورِ، وفوقه . ألمحبَّةُ صافيةٌ تُصَفّي . سامِيَةٌ تُسْمي . نورانيّةٌ تُنير . أإيمانٌ من دونها ؟
*******
وهذا الإيمانُ الْعَلَيْهِ أتكلّم ، ليس بالّلهِ وحده . إنّه الإيمانُ بالإنسان . بالمجتمع . إنّه الإيمانُ بالآخر . بضرورة الآخر . لا يَحْيا الإنسانُ ، الآخرُ ، وحيدًا . وحيدًا ييبس الإنسان ، ينطفىء .
أنتَ تؤمنُ بأخيك ؟إسْعَ إليه! حاورْه ! أحِبَّه !
ألسّعْيُ إلى الآخر ، يُسْعِدُكَ ويُسْعِدُه . يرى، كلٌّ منكما، أنّ الآخرَ حاضرٌ، حيٌّ. في حياتِكَ حياةٌ للآخر . وفي حياتِهِ حياتُك .
ألحِوارُ مع الآخرِ ، اعترافٌ مُحِبٌّ بكَينونتِه . وحوار الآخر معك ، اعترافٌ مُحِبٌّ بكَينونتِك . يجدُ ، كلٌّ منكما ، أنّ للآخرِ شخصيَّتَه المُتَمَيِّزة . وهي لا تذوبُ ، بل تُغْني !
أنتَ تُحِبُّ أخاك ؟ فأنتَ، به ، تؤمنُ ! يَعرِفُ ، هو ، أنّك تُحِبُّه ، فيُبادلُك، بعفَويّةٍ وبساطة . معًا تكتشفان ، أنّ المَحَبَّةَ زهرةُ الحياة . أنّ المَحَبَّةَ أصْلُ الإيمانِ ، جوهرُه .
ألإيمانُ المُحِبُّ ضَميرُ البشريّةِ . ألإيمانُ المُحِبُّ خَلاصُها . من دون الضّميرِ ، لا إيمان . من دون الضّميرِ، لا محبّة . من دون الإيمان والضّمير، لا مستقبل للإنسان . فهل هذه غايةُ الخالِق ؟ غايةُ الإنسان ؟ فهل هذه هي غايةُ الوجود ؟
إنّ الإيمانَ "التّصْديقَ بالمُطْلَق" ، بعيدُ المَنالِ ، غيرُ مُسْتحيلٍ . يَتَحَقّقُ ، فِعلا وحقًّا ، حين يفهم الإنسانُ جوهرَ وجودِه ، وغايةَ هذا الوجود .
و.. لهذا كلامٌ آخر ..
23/9/2008
|