3

:: فيروز.. صوت يهدهد أحلامنا ::

   
 

التاريخ : 09/07/2009

الكاتب : هشام عودة   عدد القراءات : 5765

 


  

فيروز.. صوت يهدهد أحلامنا

هشام عودة -  الدستور

 

غادرت عباءة اسمها الأول نهاد حداد، ليتمّ تتويجها بالإجماع فيروزةً للشرق ووهجاً لمسيرتها التي لا تغيب، وهي التي تربعت على قمة الغناء العربي، في وقت كانت الساحة الفنية العربية مليئة بأولئك الكبار، وفي مقدمتهم أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وغيرهم، وأكدت فيروز من خلال حضورها اللافت في تلك المرحلة إن بيروت قادرة على صناعة النجوم وتصديرهم مثل القاهرة تماماً، وقدّمت نفسها بثوب فني جديد حين احتفظت بلهجتها وأسلوبها وهدوئها الرزين وجديتها المفرطة.

ظاهرة فنية عربية قد لا تتكرر على المدى المنظور، كما يقول المهتمون بتاريخ الفن العربي، الذين يؤكدون أيضا ان الفنانة التي أضاعت "شادي" ذات شتاء بيروتي بعيد، استطاعت الفوز بحب العرب جميعاً، وصار صوتها رفيقاً لفناجين قهوة الصباح في معظم البيوت العربية.

من قدم الآخر، فيروز أم الرحابنة، ومن له فضل السبق في ترميم قلوب العشاق المتعبة، سؤال تبدو الإجابة عليه جزءاً من العبث الذي لا يليق بسيرة الكبار، فمن الصعب إجراء عملية فصل قسرية بين صوت فيروز وكلمات الأخوين رحباني وألحانهما، حتى تحوّل عاصي ومنصور وفيروز، في مرحلة عربية متحركة، إلى ثلاثي ذهبي، لا يمكن قسمة أضلاعه أو تجزئتها.

رحل عاصي الزوج، فبرز زياد الابن، الذي يسجَّل له اكتشاف مساحات إضافية في صوت والدته الفنانة التي تعدت شهرتها حدود الشرق، وصارت عواصم الغرب مثل لندن وباريس وغيرهما تفتح لها أبواب قاعاتها الكبرى لتقدم فناً عربياً حافظ على أصالته في زمن شاع فيه مصطلح الهبوط.

غنت للعواصم العربية، بكلمات استنطقت التاريخ بزهوه العربي الخالد، لكنها حافظت على مسافة بعيدة عن المؤسسة الرسمية، فظلت أغنياتها لمكّة والقدس وعمان وبغداد ودمشق وعواصم أخرى تمثل مرجعاً أخلاقياً لوحدة الهمّ العربي، في وقت قدّمت فيه المسرحيات الغنائية التي منحت للأغنية العربية نوافذ جديدة تقدم للناس هواءً نقياً.

لم تغادر القمة التي اعتلتها منذ أكثر من نصف قرن، وعندما اندلعت الحرب الأهلية منتصف السبعينيات في لبنان، وكادت ان تحرق الأخضر واليابس، كان صوت فيروز يوحِّد شطري العاصمة التي قسمتها البنادق والمصالح، ولم يكن غريبا أن يختلف المثقفون والسياسيون على أشياء كثيرة، ليتفقوا حول ريادة فيروز ومكانتها اللائقة في الوجدان العربي ودورها في إعادة بناء الذائقة الفنية لجيل تربى داخل أسوار المدرسة الرحبانية.
من عائلة فنية قدمت للمشهد العربي أسماء كبيرة، زوجها وشقيقه وابنها وشقيقتها هدى، لكن فيروز المولودة عام 1935 ظلت تجلس في المقعد الأمامي، ليس في صالون العائلة فقط، بل في صالون الفن العربي على اتساعه، واستطاعت بوعي رسالتها الفنية اقتحام الأبواب المغلقة حين كانت القاهرة وحدها من يصنع النجوم في المنطقة.

"صوت ملائكي دافئ"، هكذا وصف نقاد الفن أغنيات فيروز التي أحاطت بتفاصيل حياتنا الصغيرة، وأعادت الاعتبار لرومنسية العشاق وجمهور السهارى.

ليست بيروت وحدها من صنعت نجومية الفنانة فيروز واحتضنتها، فللعواصم العربية حصة واسعة في هذا المجد الذي حصدته "أم زياد" على مدى العقود الستة الماضية، وهي تقدم نفسها فنانة لكل العرب، ويتعامل معها البسطاء والمثقفون على أنها حارسة لوجدانهم في مواجهة القسوة الجارحة.

أيقونة تحيط بها الهيبة ويجللها الاحترام من كل اتجاه، وشمعة أضاءت زوايا العتمة في نفوس أهلها المتعبين، وظلَّ الفرقاء جميعاً يبايعون فيروز سيدة لوعيهم المهدد بالاستلاب، والمسكون بهاجس التصدي للانهيار الذي بات يستهدف كل مقومات الجمال في حياتنا، ويمكن التعامل معها على انها اسم حركي للبهجة ومفتاح سحري لمقاومة العتمة الكامنة في النفوس، ويظل صوتها قادراً على تجميع شتات الروح المبعثرة في دوامة الهموم القاسية، ولنا أن نقول أننا ننام على رنين صوتها الملائكي الدافئ ونصحو على هدهداته الناعمة، في وقت بدأ فيه الزعيق يطرق أبوابنا ونوافذنا من الاتجاهات كلها.

حفرت أغنياتها على "الحور العتيق" في حين ذهب الطارئون إلى حفر تداعياتهم على "رمل الطريق" الذي بدّدته رياح المحبة، وبين الحالتين بقيت فيروز منتصبة القامة بملامحها الجدية مثل نخلة شامخة في حديقة عابقة بالفرح، قادرة باستمرار على توجيه رياح المسرّة في الاتجاه الذي تريد، متمثلة قول المتنبي الكبير "أنام ملء جفوني" ليظلّ عشاقها الكثيرون ساهرين بجوار القمر.

 

 
   
 

التعليقات : 1

.

14-04-2013 10:3

yasmine

raw3a !!! wasel


 

   
 

.