تحية لك د. ظافر ولجميع المتابعين
أعتذر عن التأخر بالرد لانشغالي.
سأحاول من خلال ردي هذا أن أطرح وجهة نظري وخلال ذلك سأجيب على بعض النقاط التي طرحت للنقاش حتى الآن.
فإذا عدنا إلى تدوين الشعر باللغة المحكية لوجدنا أنه لم يبدأ فعلياً إلا مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين. رغم وصول بعض القصائد القليلة من القرون السابقة. حيث يذكر البعض قصائد شعر بالمحكية للمطران القلاعي (من لحفد في لبنان). ولكن، مقارنة بشعر الفصحى، فما وصل إلينا يكاد لايذكر. وقد يكون السبب هو سطوة دعاة اللغة العربية الفصيحة وتدوين فقط ما كتب بها وإهمال ماكتب بغيرها.
إضافة لذلك فإن ماكتب باللغة المحكية وهي اللغة السرامية (السريانية الآرامية) قد يكون دوّن باللغة السرامية وليس بالعربية ولذلك لم يصل إلينا. وهذا الاحتمال واردٌ جداً إذ ليس من المعقول ألا يكون قد كتب الشعب السرامي (السرياني الآرامي) شعراً أبداً. وقد حدثنا تاريخ الكنيسة أن ماإفرام السرياني قد كتب مئات الأناشيد والبعض يسميها زجلاً.
إذن ما وصل لنا من شعر نستطيع أن نسميه شعراً باللغة المحكية يعود إلى مئة أومئتي سنة خلت فقط.
وظهرت انطلاقته مع بداية القرن الماضي بالتحديد وهو الزجل.
كان الزجل شعراً عفوياً تلقائياً وغالباً ما كان شعر مناسبات كأفراح وأحزان واحتفالات. وكانت نكهته بارتجاله وبغنائيته ومن هنا أتت شعبيته على ما أظن. والزجل شعر عمودي موزون.
ومع تطور شعر الفصحى وظهور شعر التفعيلة ثم الشعر النثر، ظهر شعر التفعيلة بالمحكية (مثال قصيدة مارون كرم دق باب البيت عالسكيت) وشعر النثر بالمحكية (مثال أغنية "شادي" لفيروز وهي من تأليف الأخوين رحباني). شعر الزجل أيضاً دخل الغناء بكثرة لأنه غنائي بالأساس (مثال "طلّ الصباح وتكتك العصفور" وهي من كلمات السبعلي وغناء وديع الصافي).
ولابد من التنويه أن أوزان الزجل وشعر المحكية وإن كانت تتشابه مع أوزان الخليل أحياناً وأحياناً تظهر بشكل مستقل بعض الشيء، فإن هذه الأوزان هي في ضمير الشعب الأدبي قبل أن يبوّبها الخليل وبالتالي فمن يكتب على هذه الأوزان لا يكتب طبقاً لتقسيمات وتفصيلات وجوازات الخليل بقدر ما يتبع الأوزان التي سكنت قلبه وفكره وروحه وورثها مع حليب الصباح وسهرات المساء.
وأما الموشّح في اللغة الفصحى فهو يختلف عن موشح اللغة المحكية. وتشابه الاسم لا ينطبق على المضمون.
وتفسيري الشخصي لظهور الموشحات والتزيينات التي ميزت شعر الأندلس هو أن عرب الأندلس كانوا في منأى عن سلطة اللغة العربية المركزية وغلاتها وبالتالي طوروا في الأوزان وابتدعوا أنماطاً غنائية خاصة وأن الجو العام كان مليئاً بالترف والبذخ.
بالإمكان ملاحظة نفس الشيء مع شعراء المهجر أي مع نعيمة وندرة حداد وعبدالمسيح حداد ونسيب عريضة إذ بدلوا ليس فقط في جوهر الشعر بل في شكله أيضاً ولنفس السبب الذي أسلفته عن الأندلسيين.
ورد في بعض المراجع أن الزجل وموشحات الشعر المحكي قدمت إلى الشرق من الأندلس. وأنا أضع علامة استفهام كبيرة على هذا الادعاء لأنني أستغرب أن تقفز إضافات الأندلسيين من إسبانيا إلى بلاد الشام متجاوزة المغرب العربي ووادي النيل.
برأيي أن الفكر المتحرر الذي طور في الأندلس وفي أمريكا مع شعراء المهجر هو نفسه الذي طور شعر اللغة المحكية /السرامية فمزج الألوان وخلطها وأتى بعصارة شعب تمسك ببعض صفاته الخاصة لغوياً عن طريق تطويره لشعر المحكية /باللغة السرامية. وكما نعلم فإن الشعب السرامي بدأ ينحسر من المدن تدريجياً وسكن الوديان والجبال. وبانتقال موجة كبيرة منه من وادي العاصي إلى جبال زغرتا ومن ثم إلى جبل لبنان، دافع هذا الشعب عن خصوصيته وعمل على تطوير لغته الشعرية فكانت جبال لبنان وسوريا وفلسطين مناطق نمو وتكاثر شعر اللغة المحكية منذ القدم وإلى الآن. ونادرا ما تجد شاعراً يكتب باللغة المحكية من أبناء المدن وحتى الساحلية منها (اللاذقية، بيروت أوحيفا).
لا أستطيع إذن الجزم بأن شعر اللغة المحكية تطرق لمواضيع فلسفية وفكرية إلا فيما ندر لأننا نتحدث هنا عن شعر إرتجالي غنائي. ولكن مع ظهور شعراء الكتابة والقلم ظهرت نزعة عميقة للفلسفة وأخذت تتطور في السنين القليلة الماضية لأن الجمهور قد تغير ولأن شعراء المحكية أصبحوا من أصحاب العلم والثقافة والاختصاص.
محبتي للجميع وأ رجو تقبل وجهات نظري برحابة صدر وبموضوعية.
وشكراً لجماليا وللدكتور مقداد وأهلاً بكل من يرغب بالحوار المفيد والبناء.
|