في غفلة العمر
جوزف أبي ضاهر
في غفلة العمر أحارب الريح. أحفر في الغيم دربًا الى أبعد من فوق، وأفتح جيب قميصي للعصافير، لتأكل منه حروف قصيدة وقعت من يدي وأنا أسحب القصيدة على عجل، لأقرأ فيها ملامح وجه امرأة زنّرتها الدهشة، ولم تسمح لي أن آخذ كل الوجه، لأتكامل به شعرًا تتناقله الأيام بعدنا، من شفة الى شفة، ولو ارتسم الحلم أفقًا بين الشفتين.
***
في غفلة من العمر أنظر الى الثلج، وأُمرر أصابيعي على شعري. في المرآة تظهر شعيرات سود تودّ أن تقول لي كلامًا ما تعوّدت أن أسمعه. أصم أذني، وأخرج من النظر والمرآة الى رحابة لم تعرف، بعد، الوقت والروزنامة... والعمر.
***
في غفلة من العمر وقفت في حضرة شجرة ختيارة، وتأملت جسدها الموشوم بالأيام والنجوم والشمس والهواء والمطر، وشهادات العشّاق، وقلوبهم التي رسموها ونسوها، مع الكلام والدمع والوعود...
عرّتني نسيمات أحاطت بالمكان، خجلت حاولت أن أستر جسدي وايقاعاته ونجومه والقلوب الموشومة عليه والعيون والأيدي، والماء وكلام الغزل...
أنقذتني الشجرة ورمت ورقة من وريقاتها، غطتني وخرجت محني الرأس لا ثمرة في يدي، ولا طعم رغبة على شفتي.
***
في غفلة من العمر، بحثت في ذاكرتي عن يوم مضى، ركضت الى طفولتي أستحلفها أن تتذكرني، فأنا ما زلت أقف في مكاني على حافة نهر يرافق الأيام والوقت، وما زال هو هو، كما رأيته للمرّة الأولى.
أدارت طفولتي وجهها حولي، تأملتني، بحثت في ثنايا جسدي عن رائحة غسلتني بها يوم كنت شقيًا لأهدأ، ومغرورًا لأتواضع، وجاهلاً لأعرف أن الآتي سيغيّرني، وأن هذه الرغبة ستضيع منّي في غبار الدروب التي سأسكلها، ولن يبقى غير الاسم والملامح... ويكفيان لوضعي داخل صورة من دون إطار.
***
في غفلة من العمر، جمعت أوراقي، كل أوراقي، ونثرتها فوق جسد البحر، فاخترقت مسامه.
بعد صحوة البال لمحتها. أصبحت رذاذًا، وتبخّرت، لتتحوّل غيومًا، فمطرًا روى أرضًا انبتت زهرًا، قرأت فيه شعرًا، لم أتذكّر انني كتبته.
|