3

:: ألجسد نعمة ::

   
 

التاريخ : 07/03/2009

الكاتب : إيلي مارون خليل   عدد القراءات : 1365

 


 

ألجسد نعمة

إيلي مارون خليل

 

 

أعجوبة الخَلْقِ هو، إيقاعُ الرّوحِ، وبُلوغُ النَشْوة ذروتَها.

بالجسد أتمَّ الّله خَلْقَه. فقد خلق الأرض والسّماء، الماء والهواء، النّور والظّلام، الطّيور والبهائم... "فإذا كلُ شيْ حسن"!

 

لكنّ الّله يريد الأحسن، الأجمل، الأبهى، الأخصب... وإذ استراح، فكّر وتأمّل، حلُم وتخيّل.. فكان الجسد!

 

لا! لم تكن الرّوح! ألرّوح قائمة أصلاً. تهوِّم فوق الغمر، فوق الرّيح، فوق كلّ شيء... لكأنّ الرّوح كانت ومن دون تفكير أو تأمُل، من دون حلم أو تَخَيُّل. ألأصعب هو أن تُبدع ما ليس موجوداً، أن تخلق من عدم.

 

ألعبقريّةُ هنا! ألعبقريّةُ، كلُّها، هنا! كيف؟ بل متى؟ ولماذا؟

 

لا كيف! لا يكون الخَلق على مِثال، ولا الإبداع. هكذا، فالخالق حرٌ، مستقلٌ، سَيِّدُ ذاتِه الحرَة، المستقلَة، الحيَة والمتحرِّكة. لا يحصره نموذج، لا يقيِِّده مثال، لا تسيطر عليه صورة. يواجه، هو، قدرتَه على إخصاب نفسه!

 

ولا متى! ليس من زمان. لا ينكمش الخالق، شرنقةً، في إطارَي زمان أو مكان. لا يؤطَّر الخالق المبدع. لا يهمُّه ال"أين" ولا ال"متى". لا مدار له. لا إطار. هنا، أيضا، تكمن الحرِّيَّة المطلَقة، التّامّة، الكلِيَة. ألأهمِيَة المطلَقة، التّامّة، الكلِّيَّة.

 

فهل، بعد، لماذا؟ ألخالق يخلُق، يُبدع، يوجِد.. ونحن نخترع ال"لماذا"؟ ليست هذه ال"لماذا" موجودةً في ذهن الخالق، المبدع. ولا في خياله. ولماذا تقوم، طالما أنَه لا يبرِّر خَلقَه. كلُّ تبريرٍ يحتمل ردّا، مواجهة، محاججة. في هذا كلِّه، شيْ من رَكاكة التّكوين.

 

*******

       

والجسدُ إيقاعُ الرّوح!

 

ألكون موسيقى. ألرّوح إيقاعُه. ألفضاء موسيقى. ألرّوح إيقاعُه. ألطّبيعة موسيقى. ألرّوح إيقاعُها.

 

ولكن.. ولكن.. أليس لهذه الرّوح إيقاعها؟

 

إنّه الجسد! ألجسد الجميل، الشّفيف، النّقيّ، الخصيب..

 

ألجمال انسجامٌ محسوسٌ معنويٌّ معاً. إنسجامُ الألوانِ، الأنغام، الأفكار، الصّور، الظِّلال، الأبعاد.. انسجامُ كلِّ شيء، وإلاّ فالتّفكُكُ، فالاضمحلال الّذي هو الزّوال.

 

ألشُفوفيَةُ انخطافُ الكثافة الظَلاميَة، الجداريَة، الحاجبة، المانعة؛ والانفتاحُ هو الأبيض الخلاّق، الرّائي، الموحي، المثير.. فقدان الشُفوفيَة يُفقد الكونَ والفضاء والرّوح والطّبيعة ذلك الانسجامَ الأعجوبيَّ الواجبَ الوجوب، الواجبَ الوجود.. فهي إلزامُ البقاء. إلتزام الكائنات الوجود. وإلاّ، فالتَفكُك، فالاضمحلال الّذي هو الزَوال.

 

ألنَقاء التزام الموجود البياضَ، البياضَ الرّوحيّ. وهو، أيضاً، التزامُ الموجود الصَفاءَ، الصَفاءَ البهيَّ. وهو، كذلك، التزام الموجود النّورانيَةَ، النّورانيَةَ الرّائية. لا نقاء؟ لا انسجام ولا شفوفيَة. فلا قيمة لبقاء مثل هذا. أصْلا، أهو بقاء؟ بقاء حقيقيّ؟

 

والخِصْبُ اغتناءٌ فإغناء. إغتناءٌ بالآخر وإغناؤه في الوقت عينِه. أنت خِصْبُ الآخر مثلُ كونِك خِصْبَ ذاتك. والآخرُ خِصْبُكَ مثلُ كونِه خِصْبَ ذاتِه.  هذا "التَخاصبُ" الخلاّق، المبدع، إستمرارٌ للموجود. وإلاّ، فالتَفكُك، فالاضمحلال الّذي هو الزَوال.

 

وهكذا، فالرّوح أينما كان. لكنَما الجسدُ هيكلُها. هيكلُها المستحَبّ. إيقاعُها. إيقاعُها الجاعلُها على الانسجام الأتمّ، الأكمل. الانسجام المطلق.

 

*******

 

أوليس هكذا تبلغ النَشْوة ذروتَها؟

 

فالرّوحُ جسدٌ شفيف. والجسدُ روحٌ منسجم. تَناغُمُ الرّوح والجسد، معا، ائتلافُ السَعادة الدّائمةِ الوجود، التّامّةِ الكينونة. بلوغ ذروة الانتشاء!

 

الرّوح حياةُ المحسوس. والجسد محلُّ سُكْنى الرّوح. بالرّوح تأتلق الحواسُّ، تتآلف. فالعين تُبْصِر وتلمس وتسمع وتذوق وتشمّ . وهكذا اليد والّلسان والأذن والأنف. أوليس هكذا تبلغ الرّوحُ نشْوتَها؟ وكذلك الجسد؟ أوليست هذه غاية غايات الوجود؟ غاية الغايات الأكمل، الأجمل، الأنقى..!؟

 

ألجسدُ! الجسدُ!.. كيف لا نستطيعُ أن نُحَوِّلَه مُتَألِّقًا، نورانيًّا، شفيفًا؟ أليس الجسدُ نِعمةَ النِّعَم؟ فكيف، إذاً، تجسَّدَ يسوع؟!

 

ألجسدُ مِعْبَرُ الرّوح إلى الضَرورة، جسرُها إلى الوجود.  ترتيلةُ بقائها.

 

        ألجسدُ نعمةُ الرّوح!

 

11/أيلول/2008 

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.