3

:: حين الموسيقى علامة الاحتفال ::

   
 

التاريخ : 05/11/2006

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 1674

 


  

الْحلقة 547 (الأحد 5 تشرين الثاني 2006)

 

 

من علامات الشعوب أساليبُ احتفالها بمناسباتها الخاصة والعامة. ويمكن الحكْم على شعبٍ أو فئةٍ منه أو أفراد، وفق ما به يحتفلون بعيدٍ أو مناسبةٍ أو ذكرى.

كان لافتاً مساءَ الأربعاء الماضي احتفالُ قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية بمرور عشر سنواتٍ على تأسيسها، ونقلُها لهذه المناسبة أمسيةً موسيقيةً من ميلانو أحيتها أوركسترا فيلارمونية من مئتي عازفٍ ومنشد بقيادة السويسري كارل مارتان، أدَّت أعمالاً لمرسيل خليفة على مسرح "بيا سانزا" التاريخي.

هذه الظاهرة الحضارية كنا شهدنا سابقةً لبنانية لها على مستوى أوسع في احتفال إذاعة "صوت لبنان" بمرور ثلاثين عاماً على تأسيسها، حين دعت أصدقاءَها ومستمعيها – لا الى حفلة كوكتيل لقطع قالب الحلوى، ولا الى مأدبة عشاء عامرة يتنافس على كاميرات مصوريها السياسيون، ولا الى مهرجان خطابي تتنافس فيه العنتريات المدائحية- بل الى أمسيتين حضاريتين أُولاهما من الموسيقى الكلاسيكية مع الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية، والأُخرى من الموسيقى اللبنانية والشرقية مع الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية، وكلتاهما بقيادة مؤسسهما رئيسِ الكونسرفاتوار الدكتور وليد غلمية.

ولم يعُد حدثاً تقديمُ الأمسية اللبنانية مساء 12 تموز وإلغاءُ الأمسية الكلاسيكية مساء 13 تموز، بسبب انفجار الحرب يومها. فالنوايا كانت هناك، والاستعدادُ كان هناك، والمستوى المنشودُ كان هناك.

وقبلها بسنواتٍ دعا رجلُ دولةٍ لبنانيٌّ كبيرٌ الى عرس ابنته في قصره الخاص، فلاحظ المدعوّون في ركنٍ من حديقة القصر أوركسترا متوسطةَ العدد تؤدِّي طوال ليلة العرس مقطوعاتٍ هادئةً من الموسيقى الكلاسيكية الراقية.

وإذا ما قارنّا هذا العرس الحضاري بما نشهده من صفاقة إزعاجٍ في أعراس تمتدُّ حتى منتصف الليل بزعيق صيصان المطاعم ومطربي القهاوي ولا يحلو لحضرة العريس إعطاء أوامره بإطلاق الأسهم النارية المتفجرة إلاّ بعد منتصف الليل، وإذا قارنّا احتفال إذاعة "صوت لبنان" الحضاري في أمسيتين موسيقيتين بما نشهده من احتفالات تمتدّ من أقصى الولائم العجقوية المسبوكة الى أقصى المهرجانات الخطابية المعلوكة، نجد الفرق في المستوى الحضاري الذي تتميز به فئة من الشعب عن أخرى، وتكون هذه هي العلامةَ الدامغةَ لعنوان الرقيّ لدى الشعب، بينما فئة أخرى تحتفل بتهريجية سطحية سخيفة.

من علامات الشعوب أساليبُ احتفالها بمناسباتها الخاصة والعامة. فلنعرفْ إذاً ماذا نختار للاحتفال بمناسباتنا، وكيف نختار، ومن نختار، لنكون شعباً لا يمجّ بعضُه بعضَه الآخَر من فارق المستوى، ولا يخجل به أبناؤه الذين في الخارج يراقبون من بعيدٍ ما يجري عندنا، ويقارنونه بما يجري حيث هم من مستوياتٍ راقيةٍ أحدُ عناوينِها الكبرى: الموسيقى الكلاسيكية.

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.