3

:: هم يتاجرون وشبابنا يهاجرون ::

   
 

التاريخ : 05/11/2006

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 1509

 


  

الْحلقة 546 (الأبعاء 1 تشرين الثاني 2006)

 

 

        الذين لم يَعُدْ رادعٌ يردَعُهُم عن إطلاق مواقفهم الحادّة من وراء متاريسهم السياسية هل يتنبّهون الى شبابنا ماذا يفعلون؟

        الذين يتصايحون كلٌّ من موقعه من دون احتساب ردود الفعل في الموقع المقابل، هل يتنبّهون الى شبابنا ماذا يفعلون؟

        الذين يمارسون الفردانية والشخصانية والأنانية والمصالح الموصلة الى رغباتهم، هل يتنبّهون الى شبابنا ماذا يفعلون؟

        الذين يملأون الصحف والإذاعات والتلفزيونات وبرامج الـ"توك شو" بتصاريحهم، هل يتنبّهون الى شبابنا ماذا يفعلون؟

        الذين يمارسون الاستفزاز يومياً غير مدركين أن الوطن يفرغ من أنضر أبنائه، هل يتنبّهون الى شبابنا ماذا يفعلون؟

        شبابُنا... شبابُنا اليائسون، المصدومون، الغاضبون، الهاجّون الى أبواب السفارات وعلى مداخل الدول بعدما فقدوا في دولتهم الأمان وشعروا أن وطنهم جعله بعض سياسييه شحَّاداً على أبواب الدول يلمُّون المساعدات كي يرسلوها إليه.

        شبابُنا الذين جعلهم السياسيون عندنا أربعة أقسام: قسم أول حطبٌ في مواقد السياسيين وحبوب في سبحات السياسيين وقطعان في مهرجانات السياسيين، وقسم ثانٍ غاضب حياديٌّ لا يريد أن يكون قطيعاً وراء أحد وينتظر تأشيرة السفر كي يهاجر، أو انه مغلوب على أمره ولا يستطيع أن يهاجر، وقسم ثالث خارج لبنان ينظر الى لبنان بأسى وأسف وينتظر أن يهدأ الجو ويعودَ الأمان كي يعودَ الى لبنان، وقسم رابع خارج لبنان ينظر الى لبنان بِحزن وغضب ولا يريد أن يعود الى لبنان ولا يريد أن يبحث بأمر الرجوع الى لبنان.

        أربعة أقسامٍ شبابُنا، وكل قسم منهم موجعٌ أكثر من الآخر. ومع ذلك يواصل السياسيون القصف السياسي والتصاريحي والمواقفي من دون التنبُّه الى أنَّ الوطن يفرَغ من شبابه ولم يعُد قادراً على وقف تسرّب النّزف الشبابي كالزئبق ليس من يوقف تسرُّبَه من بين الأصابع.

        هي هذه فاجعة لبنان اليوم مع شباب لبنان.

        السياسيون يتاجرون، وشبابُنا يهاجرون.

        السياسيون يتاجرون بمصير الوطن، وشبابنا يهاجرون من الوطن.

        السياسيون يتمهْرَجون وشبابنا يتجمهرون.

        السياسيون يتمهرجون في الساحات متكلين على شبابهم الأزلام والمحاسيب، وشبابنا يتجمهرون على أبواب السفارات أو على مدخل المطار منتظرين موعد إقلاع طائرتهم غير آسفين ولا ملتفتين حتى الى أُمٍّ تودّعهم بدموع قهر حارقة.

        الذين يتشدّقون بإصرارهم على بناء دولة قوية، أيةَ دولةٍ يريدون أن يبْنوا ولن يعود في الدولة دمُ الشباب الذي، إذا غاب عن الشرايين، لن يعود في الشرايين إلا الدّمُ الفاسد، وأيُّ جسم سيعيش إن كان في شرايينه دم فاسد؟

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.