3

:: خيرات المزراب في كتاب "المزراب" لأسعد مخول ::

   
 

التاريخ : 03/09/2006

الكاتب : جوزف أبي ضاهر   عدد القراءات : 1623

 


  
 

خيرات المزراب - في كتاب "المزراب" لأسعد مخول*

(خلّي إيْدَيك مفتوحين، مِتْل ما المِزْراب فاتح إيدَيْه،

والخير اللِّي بْينزَل مْن السَّما، ما تاخْدو إلَكْ وحْدَكْ،

اعْطيه للأرض).

باسِتُو بـ جْبينُو، وفَتْحِتْلو الباب ع الحياة. هيي كانت بـْ آخِر العمْر وهوّي أوّلو. وكلّ الضَّيعا عرْفتْ شو قالت. لمّن خبَّروني، رجعْت بـْ غفْلة عَين لـَ طفولتي. (المِزْراب) كنتْ إسْمعو عم يْغنِّي، وَلا مرَّة اتطلّعت بـ إيديه كيف فاتِحُنْ، وْلِمِّن صِرْت أكبر شْوَيّ، شِفْت الميّ اللِّي نازلي مِنّو حبِر أخضر عم يكتب شِعر فوق التّراب، ومرّات بيفوت عَ البيوت. من أيام قليلي، والشِّتي عَ آخر، وشفْت (المزراب) كْتاب عَ إيديِّي المفتوحين. عَمْ يسْكُب فيني حكي وخْبار فيَّا ريحِة التّراب بعد أول شتْوي، وشفْت صُوَر عم تِرسُم حالا قِدّام عَيني وتاخِدْني مِن قلبي عَ المْطارح اللِّي بْحبّا، ولعند ناس يمكن ما بقي مِنُن إلا الأسامي، وخْيالاتْ بـ البال.

* * *

فْتحت الكتاب عَ مهْل، ما بَدّي نَقِّز الكِلْمات بـ حقل الورق، يِمْكن يْصيرو عْصافير، يْطيرو، وما بيعود فِيِّي إلحَقُن. بْأول صفحة، المِزراب مَيّتو بْتنْشِرِبْ .. صافيي متل دمْع العين، ومش مالْحا، وعَ دْواير المَيّ فَرَّخ العِشْب، وفَرَّخ النّهار. اتْطََّّّلَّعِتْ (العَمِّي) بـْ حَيْط البَيت، شافِتْ الشَّمْس مْعَلّْقا ساعا عَ الحْجار عِرْفِت الوقت. فاتِتْ لجُوَّا وْسَكَّرت الباب. الشمس ما بتحمل ساعا، متل ما بيقولو الزّغار، والوقت بْتِكتْبو عَ الحيطان، عَ السَّجر، عَ شْبابيك البْيوت ... كيف بْتعرف الوقت؟ ما تْعذّبُو حالْكُنْ وتْفَكّرو كْتير، يمْكِنْ هِيِّي ما بْتعرِفْ كيف، وَلا بَدَّا تعرف، بسّ العَمِّي الخِتْيارا بْتعرف متل ما كان الشاعر أسعد السبعلي يعرف ويْقول لْمَرْتو حَنِّي: (لَمَّا تُوصال الشمس عَ حَيط القَبُو بيْكون صار الضِّهر وَدِّيلي غدا) الختيارا فَلِّت بـْ ساعا ما قِدْرِت تْحَدِّدا وْما تَرْكِتْ ساعا وِرْتي بَعْد مِنّا.

هَيْك بـ الضِّيَع، الحَقيقا هِيِّي الحياة اللِّي بْتِنْعاش ... وبيخَبِّرنا الكتاب عن ختيارا تانِيِّي عِمْلِت مْنِ الأرض اللِّي بْتِمْلِكا جِمْهوريِّي، وحَدَّد المأمور، مِن دون استشارة لِجْني دَوليِّي لـِ حْدود: بـِ مْراح، ومَعْبور، وعَفْصا، وصخْرا ووِكْر الْحَيِّي البَرْشا اللِّي ضَلِّتْ بَرَّا، وما فاتِتْ عَ الجِمْهوريِّي وزرْعِت الحِقْد والذِّلّ والخَوف بِقْلوب أهْلا الطَّيّبين.

... وبيكمِّل الِكتاب يِحْكي خْبار، وشو حَكْيو حُلو، عن ناس، وعن إشيا صارتْ مِن زمان وبَعْدا عَمْ تْزَهِّّر بـ القلم اللِّي زرعْها - بـْ حَقْل الورق، وْعارِف إنُّو مْواسِما بْتِخْتلِف عن كلِّ الِمْواسم.
الكاتب ما بِقي بـ الضَّيْعا، قَطَع المسافي بينها وْبين المَديني عَ حْصان القَلَق، وضلّ شادِدْ الضَّيعا عَ صَدْرو مثل الزّغير اللِّي كان بـْ ضَيعْتو يِتْكَمَّّش بـْ عَروس الزَّعْتر والزَّيت، ويْشِدّ عْلَيَّا، خايف تُوَقع عَ الأرض ويْبُوسا الشيطان، ما بِيْعودْ يِقْدُر ياكِلا، وبِيضَلّ جوعان. وْهَيك الكاتب ما بَدّو تُوقاع صُوَر ضَيعْتو عَ الأرض وِيْبُوسْها الشيطان اللابِس قَبُّوع أسود، وخَوَّفونا مِنُّو وقْت اللِّي كِنَّا زْغار. يَوما يمْكن ما كان مَوجود حَدّنا قَدّ اليَوم.

فاتْ ع المْديني وبعدو فاتح صِدْرو للشمس، صِدْرو الأُوضا اللِّي بِتْنام فِيَّا الشمس، وما بِتْسَكِّر بابا متل بْواب المَديني. الخَطَيِّي بْتِقْعُد خلْف البْواب الِمْسَكَّرا تِنْسُج حْكايات، ومثل شي ساحْرا بْتِسْرُق كِلِّ الِمْكانِس، وْما بْتِتْرُك وَلا مِكِنْسي تـَ تْكَنِّسْ فيها الأرض بعد ما تْفِلّ.


* * *


بـِ الِمْديني المِزْراب كان عالي عن الأرض. صارِت المَيِّ تـْ طَّرْطِش المارقين. الصُّوَر تْغَيَّرِتْ، النَّاس مْغيَّرين، الحياة مْغَيَّرا، وِاللِّي خَبَّرو عن المَديني المِزْراب كان مْغَيَّر عن اللِّي خَبَّرو عن الضِّيَع.
قَلّهُنْ بـ المديني نَدْهُو تَ يكْتِشِفْ كيف الناس بْتِحكي مِن قاطِع لـْ قاطِع، مِن دون ما يْشوفو بعضُن. عِلْبِي زْغيري بْتِنْقُل الحَكي، وْبِتْلبّكَكْ بـ الضيف اللِّي وِصِلْ عَ بَغْتي.

وْمِن سطح بيت، لـَ سطح بيت بيصير حكي المِزْراب غَير شِكلْ. شو بيحِبُّو الناس، وشو ما بيحبُّو، حتى عَصَبيّتُن بتِنْقِلْها المَيّ صُوَر واضْحا وْبِتْحِسّ بـ الْحَسْرا عم تِتْنَهَّد، لْوَيْن بَدّنا نوصل؟

والصعب أكتَر إذا بَلَّشِت المْديني تِطْلَع عَ الضِّيَع وْتِفْرُض عْلَيا تْياب غَير تْيابا .. اللَّهْفي بِتْصير مْسَطَّحا ورْغيف الخبز الِمْقَمَّر، ما بيعود مْقَمَّر وْبيْصير يِنْباع بـ العَدَد، المَعْجَن بْيِفْضا، والخَميرِي ما بيعود فينا نِسْتعِيرا من عند الجيران، إاذا عَفَّنِتْ.

وبْينِْتِصِب الميزان. كلّ واحد بياخُد حَقُّو، بسّ، يا هل ترى، هـَ الميزان هُوِّي ذاتو اللِّي رَح يوزُن خَطايانا وأعمالنا بعدما نِقطَع الجسر؟ ومعقول يِنْبِدْلُو العْيارات بْتِفاح. التِفَّاحَه مِن أوَّل العمر لآخْرو، مْنِشْتهيْها، بيْحَذّرونا: أوعا .. تِفَّاحه وَحْدي بِتْسَكِّر بْواب الجَنِّي ...

ولو !!! وْتِتْسَكَّرْ .. كِلّ كَدْشِي مِنَّا جَنِّي.

العدالي ميزان، يِمْكِنْ، وْيِمْكِن لأ، شي بْيِشْبَها اللِّي مْنعرفو.

... وبِتْوَصِّل مَيّةِ المِزْراب عَ التّياب الْكانُو ناشْفين فوق الجسم الْبَلَّش يِهْجُرُن. أو هِنِّي بَلَّشو يهجْرُو، ما بْتِفْرق ... الصُّوَر مْغَبّشي، الناس عم يْضَيّعو وْجوهُن، عم يِقتْلُو الِمْرايِي إذا ما خَبَّرْتُن إنُّو القْماش صار أزْغَرْ مِن ورْقِة التُّوت. ما عاد الشِّتي يْغار مْنِ الصيف، كِلِّ الِفْصول صارو بَرَّات الرُّوزْناما. والمَيّ طافِتْ لَبَرَّات المِزْراب.

* * *


... وْعَ مَهْلُو، وْعَ السَّكْت رِجِع الكاتب مِن مطْرح ما إجا، إيدو عَ قلبو، عَ اللون الأخضر بـ (كلّ تراب)، وْكَمَّل خْبار (المِزْراب) الـْ فيها نَكْها مَقْسُومِي بين الحب والنقد. العين بْتِقشَع، القلب بْيِقْشَع، والعقل بْيِقْشَع. وإذا كلن اجتمعوا، بتصير الصورا أوضح، وأوسع، ومداها أبعد مْنِ حْدود كلِّ الضِّيَع، وبيصير كل واحد قادر ياخُد حِصّتو من الغيم، ويسكب الضو بـ كفّو، وبيصير وِسْع قلبو مَوج، ووِسْع جسمو في.

بـِ مَسْقط راس سجر العفص بـْ جمهورية الناس الطيبين، بعدو المزراب عم يِسْكُب خيرات السَّما عَ الأرض. فْتَحت ايديي شِفْتْ مَلوا ديِّي تْراب وْزْهر وِحْقول، وْكَلام أعمق من (أساطير) الضيع وزعامة الجسم اللِّي ممكن يوقع مع أول نسمة هوا.

أسعد مخول، بشكرك لانك سمحتلّي إعمل إيدَيِّي (مِزْراب) لـْ صفْحات كْتابَك اللِّي رغم كِلّ ضَجيج المَيّ النَّازل مِن قلبو، قادر يْكون مخدة أحلامنا بعْد ما نْسينا كيف بيحلمو بـ الجمال، والعَفْويي ونُبْل الكِلْمي المَكْتوبي بـ ابتسامة العينين.

  • ألقيت في ندوة حول كتاب (المزراب) للعميد الأديب أسعد مخول

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.