3

:: علامة الدولة: أن تستعيد أبناءها ::

   
 

التاريخ : 24/09/2006

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 1548

 


 

علامةُ الدولة: أن تستعيد أبناءها _ الحلقة 535

(الأحد 24 أيلول 2006)

يتحدثون عن بناء الدولة. جميعهم يتحدَّثون عن ضرورة إعادة بناء الدولة. ومعظمهم ساهم، عن جهل أو قصد أو تواطؤٍ أو اصطفاف، في هدم أوصال تلك الدولة التي كانت لنا وراحت، بسبب معظمهم، تتفتَّت دويلاتٍ وميليشياتٍ وقِطَعَ جبنة تقاسمها أولياءُ العشيرة ورؤساءُ القبائل ومتعهّدو المزارع.

وها هم اليوم عادوا: يَزدادون ويَزيدون ويَتزايدون وُيزايدون في مطالبتهم ببناء الدولة، ويشدّدون على هذه المطالبة.

نريد أن نكون ساذجين، أو طيّبين، أو طوباويين، فنصدّق أنهم صدِّيقون صادقون مصداقيون. ولكن، من ضمن سذاجتنا نتساءل ونسائلُهم: أيةَ دولةٍ يريدون أن يبنوا؟ أدولةً لهم ولأبنائهم من بعدهم، أم دولةً لنا ولأبنائنا من بعدنا؟

ما هي صورة الدولة التي يفكّرون بها ليَبنوها معاً، وهم بعدُ عاجزون عن اجتماعهم معاً ليتّفقوا على بناء هذه الدولة؟

إن كانت دولةَ الأمن والأمان، فهذه معادلةٌ ثبُتَت هشاشتُها في الحروب الأخيرة التي تتالت على لبنان، وثبُتَ أن خطاباً من هنا أو موقفاً من هناك، يعود فيُشعلُ مظاهراتٍ من هنا ويافطاتٍ من هناك وحشوداً تملأ الساحات من هنالك.

وإن كانت دولةَ استعادة الثقة جذباً للاستثمارات، فهذه معادلةٌ ماكيافيلية غيرُ وثقى لأن الاستثمارات مصلحجيةٌ تبني لِذَاتها لا للدولة اللبنانية المرتجاة سقفاً لنا ولأبنائنا من بعدنا.

وإن كانت دولةَ الاستقرار المالي والمصرفي، فالجائزة التي قطفها رياض سلامة في سنغابور كأفضل حاكم مصرف مركزي في العالم، نالها عن جهده وحسن إدارته وتدبيره الحكيم ولا علاقة له بأحد ولا فضل فيه لأي سياسي شكَّل الاستقرار.

ما المعيارُ إذاً لهذه الدولة؟ عن آخر الإحصاءات أن شبابنا الذين هاجروا أو هَجَروا أو هُجِّروا الى الخارج بلغوا مئات الآلاف، وتالياً: هذه الدولة المزعومُ بناؤُها فرِغَتْ من طاقات شبابية خلاّقةٍ مبدعةٍ ذات أدمغةٍ بنّاءةٍ طارت كالسنونو الى بلدان العالم تبني أو تُسهم في بناء دول العالم وخسِرَتْها دولةُ لبنان التي يتزاحم اليوم سياسيوها على المطالبة بإعادة بنائها.

استعادةُ ثقة رؤوس الأموال والاستثمارات عمليةٌ حسابية يزِنُها أصحابُها بالأرقام فيُقْبلون أو يُدْبرون، أما استعادة ثقة أبناء لبنان في الخارج بدولتهم كي يعودوا إليها والى الوطن، فهذه علامةُ الدولة التي يجب أن يركّز على بنائها السياسيون، إذا كانوا يشعرون أنها بحاجة الى طاقات لبنان الهاجرة أو المهاجرة أو المهجَّرة الى بلدان العالم.

أما إذا كانوا يعتبرون أنهم سيُعيدون بناء دولةٍ قوية بما تيسّر من عندِنا ومَن تيَسَّر من عندهم، فعبثاً ينادي المنادون وعبثاً يحلم الحالمون وعبثاً سيبني البناؤون، لأن البناءَ سيكون كرتونياً عشائرياً مزرعجياً قبائلياً لن يلبث أن ينهار عند أول هبة ريح.

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.