3

:: أيضاً وأيضاً عن أبنائنا في المهجر ::

   
 

التاريخ : 23/09/2006

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 1563

 


 

534: أيضاً وأيضاً: عن أبنائنا في المهجر

(الأربعاء 20 أيلول 2006)

مؤثِّرةً ومُحزنةً في آن، كانت ردّةُ الفعل التي أثارتها الحلقة الماضية من "نقطة على الحرف"، الأحد الماضي، عما نجيب به أبناءَنا في المهجر هناك، لو سألونا عن حقيقة ما يَجري هنا، ومتى وكيف ينتهي الذي يَجري هنا.

أحد الآباء اتصل بي شبه مُجهش، مؤكّداً على الموقف نفسه الذي واجهه هو، وهو يسأل ابنه في كندا عن حظ عودته الى هنا، فكان ردُّ الابن حاداً: "حين أشعر أن باتت عندنا دولة تحميني وتحمي أُسرتي الصغيرة ومستقبل أولادي".

والدٌ آخر أخبرني أنّ ابنه في نيويورك لن يأتي في نهاية رمضان كي يعيّد الفطر ككل عام مع والديه، وكان وَعَدَ بأن يعود ليدرسَ إمكان رجوعه النهائي الى الوطن وتأسيسِ عمل فيه، لأنه غير مطمئنٍّ الى ما سيكون عليه مصيرُ الوطن.

وكان مؤثّراً كذلك كلامُ أمٍّ لولدين قالت لي بعد الحلقة إنها كانت حزينةً لأن أحد ولديها يعيش في ساو باولو، وبعد حرب تموز استدعى شقيقه الى هناك، فذهب هذا الأخير آسفاً على فراق أمه غير آسف على فراق الوطن.

هؤلاء الذين يديرون الحياة السياسية في البلاد، ويتصايَحون من وراء متاريسهم السياسية، هل يعرفون كيف يهرب أبناؤنا من الوطن كما يهرب الزئبق من بين الأصابع؟ هل يفكرون بأبنائنا الذين يفرغ منهم الوطن ولن يعودوا لأنهم يئسوا أو لأنهم فقدوا الإيمان أو لأنهم امتلأُوا قرفاً من هذا الفساد وهذا الاهتراء السياسي وهذا العقم القيادي؟

أبناؤُنا الذين في الخليج أو في أي بلد من الشرق، أو حتى في أوروبا، ليست هجرتهم هجرة طويلة بل استرزاقٌ لفترة ولو لفترة طويلة، ولو لديمومة، لكن عودتَهم سهلةٌ وعملية، وزياراتِهم سهلةٌ وعملية، لقرب المسافة وتوافر مَجيئهم مراراً في العام الواحد، رغم ما توفره لهم أعمالهم هناك من رفاهٍ ورغدٍ وبَحبوحةٍ لا تقارَن بما قد يَحصدونه هنا.

أما أبناؤنا الذين في أفريقيا، وخصوصاً في أميركا الشمالية والجنوبية وأستراليا، فمن الصعب جداً عليهم أن يعودوا، لا لبعد المسافة فقط، فالمسافات اليوم لم تعُد تقاس بمسافات الأمس، وإنما لاستقرارِهم هناك وتركُّزِهم في وطنٍ أخذوا جنسيته أو على طريق أن يأخذوها، وأمّنوا استقرارهم المهني والعائلي، وأمّنوا أو يؤمّنون مستقبل أولادهم، مطمئنّين الى حصانة هناك تَحفظهم من القلق المعيشي أو الأمني أو المستقبلي.

هؤلاء الذين يديرون الحياة السياسية في البلاد اليوم، ويتصايَحون من وراء متاريسهم السياسية، فليفكّروا بأبنائنا في الخارج كيف نستردُّهم من الهناك، وبأبنائنا في الداخل كيف نردُّهم عن الهناك.

هذا إذا كان عند هؤلاء السياسيين في تفكيرهم غيرُ تفكيرهم الشخصي والشخصاني والشخوصي، والذي سيؤدي بنا الى أن نصحو ذات يوم على وطن ليس فيه إلاّ العجّزُ والأرامل وأمهاتٌ ينتظرن المكاتيب من أولادهنَّ في المهجر.

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.