3

:: الشاعر والكلمات - قصيدة ::

   
 

التاريخ : 11/09/2006

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 1781

 


 

كان الرسام دُوغا (1834-1917) يتحادث مع الشاعر مالارميه (1848-1898) في أحد مقاهي باريس. قال دوغا: "كتبتُ أفكاراً جميلةً في نصٍ، لكنها لم تخرج، كما شئتُها، شِعراً". فأجاب مالارميه: "الشِعر ليس أَفكاراً. إنه كلمات". يروي سعيد عقل هذا الحوار ويضيف: "... بل الشِعرُ كيفيةُ تركيبِ الكلمات في تعبيرها عن فكرة فذَّة".

عيني علَيكَ

وعُمري نبضُه لهبُ

مِن أن يداني حنايا عُمْرِكَ التعبُ

ماذا؟ الخريفُ أتى؟

يا شَـيبَ طلَّتِه

لا يستوي دون نُضْجٍ عندها العنبُ

هي الدَّوالِيُّ حبَّاتٌ مُعَنْقِدة

إن راح مِ الكرم عنقودٌ، نَمَت حُبَبُ

فالشعرُ شمسُ الوجود،

الليلُ راحتُها

والشاعرُ النُّورُ مهما طالتِ الحُجُبُ

*

يا مُطْلِقَ اللَّحظة/الرؤيا

ومُنشِدَها

هَذي لكَ، العمرَ، بالعُرفان تنْتسِبُ

مَن مُكْرِمٌ مَن؟

أَلَسْنا،

- والكلامُ على اللُّقيا -

نجيءُ إلى لُقياكَ تَرْتَحِبُ؟

أنتَ الْمُكَرِّمُنا

أنْ نستظلَّ صدى سماكَ

تعلو بنا من حَنْوِكَ القُبَبُ

والناسُ

إما أَشاحوا عنكَ

رمَّدَهُم بأنَّ ما عمَّروا من مَجدهم: عطَبُ

هُمُ بِعَتمةِ نِسْيانٍ كتابَتُهم

وأنتَ، يا فرحي، بالضَّوء تنكتِبُ

*

يا ساحرَ الكلمات الغِيدِ

تَفتِنُها

مَن غيرُ أنتَ يدانيها فتضطرِبُ؟

دنَت إليك بلا رُجعى

ومرَّ بها هواكَ

فازَّيَّنَتْ أهدابُها القُشُبُ

أنتَ الـمُرَقِّصُها تيهاً

ومُخْصِبُها نسلاً من البَدْع

تيَّاهٌ به العُجُبُ

أَنتَ الـمُمَوسِقُها بالطِّيْبِ عندلَةً

لِجَرحةِ الآهِ منها، يَطْرَب الطربُ

أنتَ الـمُغَنِّجُها

فالزَّند مَملكةٌ

أنتَ الـمُطَوِّعُها

تنصاعُ

تلتهبُ

أَنتَ الـمُمَوسِمُها خصباً

فَأَيُّ جنىً إن لم تُبَيْدِرْهُ

من نُعماكَ يذَّهِبُ !

يا ناحتاً في رخام الضَّوء بوحَ رؤىً

وَكُلُّ رؤيا على كفٍّ لها نُـصُبُ

يا راسماً في الحروف البيض شعشعةً

فالخطُّ في الكِلْمَةِ الهَدْلى لـه خَببُ

يا عاشقَ الكلمة الهيمى

وسيِّدَها

أنتَ الـمُلَعِّبُها بالعُجْبِ تنسكبُ

تُـمَسْرِحُ الرؤية الوسنى

فتُلْبِسُها وجهاً

قناعاً بِحُكم الدَّور ينقلبُ

وأنتَ عنبرُها

لا مثلَه ضَوَعٌ

آنَ التأَوُّهُ ريَّـا

والندى ذهبُ

فاعْصِفْ بها بعدُ

أَخْصِِبْها

تَلِدْ دُرراً

وأَجْرَأُ القول إنّ الشعرَ يُرْتَكَبُ

*

والصَّالبـوكَ ضلالاً دون جلجلةٍ

يستصلبونَكَ يومياً

ولا خشبُ

سُدى يُدانون شِبْهاً منك

يرفدُهم ما شَعْوَذوا باسمك القاني

وما كتبوا

وليسَ يدرون أنْ قُرباكَ مَحرقةٌ

وكلُّ ما لا تداري نُسْغَه

حطبُ

ما همَّ...

ما همَّ...

أكمِلْ:

أنتَ عُقْدَتُهُم

يا فارسَ الريح منكَ الريحُ تنتصبُ

لأَنتَ فيكَ اختزَلْتَ القول

أجْمَلَهُ

وكلُّ ما دونَ هذا الكلّ... مغتَرَبُ

*

يا مُمْرِعَ الزمن الآتي

أَنِرْكَ به

وَضُؤْ لنا

أو

فَسَقْطاً تَيْبَس الحِقَبُ

أجيئُكَ اليوم

أستروي صَداكَ غداً

وأنتَ مستقبل اللُّقْيا بِما تهَبُ

فمُدَّ كَفَّكَ

واقطِف من غدٍ نسَباً

لَفوق كفَّيكَ يحيا عمرَهُ النَّسَبُ

لُقِّبْتَه الشِّعر؟

واستأهلْتَ نعمتَهُ؟

نعماكَ!

فاهنأْ به...

ولْيَكْفِكَ اللَّقبُ!

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.