3

:: من يتبنّى هذا الشيخ اللقيط؟ - أَزرار - الحلقة 1009 ::

   
 

التاريخ : 06/10/2017

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 2212

 


 

مَـجلِسٌ نيابِـيّ لا يُشَـرِّع لضمان الشيخوخة، قليلةٌ عليه لعنةُ ناخـبـيـه

 

ما إِن يُــتَــوَفّـى فنانٌ، أَو يَرتطم بشيخوخة سوداء، حتى يُـبادر الـمُخْلصون إِلى الـمُساعدة بِـطَرح الصوت على الـمَعنيِّين أَو الـمُحسنين كي يبادروا إِلى دعم أَيامه المقهورة، أَو مأْتمه التاعس، مُثيرين من جديدٍ مَوضوعَ ضمان الشيخوخة.

وإِذا الفنان وجه عامٌّ تثير قضيتُه الرأْي العام، فآلافُ العجَزة والـمُعْوَزين يموتون كل يوم، أَو ينامون في العراء أَو على الطوى، وليس مَن يسأَل عنهم كي لا ينتَهوا كاللُقطاء الـمنبوذين.

إِن أَجيالًا متتاليةً تَشيخ وتعجز، وفي سكوتها هلعُ الشعور بالـموت قبل الموت. كثيرون عندنا في سن الشيخوخة، لا ضمانات لديهم، ولا من يُجانِب سريرهم في المستشفى، إِلَّا ربما خادمة غريبة، أَو لا أَحد، فيكون سرير المستشفى أَقصر الطرق إِلى التابوت.

مُـخيفٌ هذا التفكيرُ الأَسْوَد: أَين يَذهب الـمُعْوَز؟ إِلى مَن يستند وهو يرى مستقبلَه قبرًا فاغرًا شدقيه؟ قبل سن الشيخوخة كان قادرًا على العمل، على الانتاج، على إِعالة ذاته وإِعالة زوجته. وبَعد؟ ماذا بَعد؟ إلى أَين بَعد؟ مَن يضمن له هذا الـ"بَعد"؟ مَن يتبنّاه؟ الجمعيات الخيرية الإِنسانية مكتظَّة بالـمُعْوَزين والعَجَزة، وتُواصل رسالتها الرائعة على هَدي الحديث النبوي الشريف: "مَن لم يرحم صغيرَنا، ويعرف حقّ كبيرِنا، فلَيس منا".

في بلدان العالم - حيث الدولة مسؤُولة والحكام مسؤُولون - يطمئنُّ الـمواطن سلَفًا إِلى شيخوخته مضمونةً بِلُقْمَةٍ كريمةٍ تَصلُه على الوقت ويتدبَّر بها تَقشُّفًا ودُربة. يعني أَنه لا يخاف، ولا يُضطر إِلى الاستعانة بِـمَن يَـجرُّه في كرسيّه المتحرك، ولا بِـمَن يَسهر عند سريره في البيت أَو في المستشفى. يظلّ يَدفع طيلة عمره المهني ضرائبَ لِدَولته، مهما علَت قيمتُها، فتُعيدها إِليه دولتُه كرامةً لشيخوخته في آخر العمر.

ونحن؟ ندفع الضرائب لدولةٍ ترمينا على باب الشيخوخة، لأَنها في نُظُمها لم تَلحظ شيخوختَنا. تَلحظ نظام زيادة الضرائب لا ضمان الشيخوخة. نظامُها خارجَ أَنظمة دول العالم التي تحفظ كرامة الشيخوخة. لذا يرتعب الـمواطن اللبناني من ارتطامه بالشيخوخة خوفًا من موته جوعًا أَو عَـوَزًا أَو استجداءً أَو مَرَضًا بلا عناية ولا إِعانة ولا إِعاشة، كأَنه يوم تقاعَدَ بدأَ قُعوده على الكرسي النقال بانتظار نقْله في التابوت النقال.

هؤُلاءِ الذين يشرّعون ويخطّطون ويصطدمون بـ"لادُستورية" تشريعهم المتسَرّع وتخطيطهم الفاشل فيعيده إِليهم المجلس الدستوري، هل يتنبّهون إِلى أَن ليس في تشريعاتنا اللبنانية شُرعة شَرعية لحقوق الشيخوخة تُشَرِّع الضمان لِـمَن كانوا هُم حركَة الوطن فباتوا هَـمَّ الوطن وخارج هُـموم الدولة؟

إِن مُشَرِّعينا لا يُنجزون قانونًا لضمان الشيخوخة لأَنهم ضامنون حياتهم بأَموالهم "النظيفة". لكنهم، بِإِهمالهم شيخوخةَ المواطنين، يَستجرُّون لَعنة الشيخوخة عليهم، وهي أَقسى وأَعنف من لعنة ناخبين سيُـمزقون اسمَهم قبل صندوقة الاقتراع.

*

يتم نشرُ هذا المقال بالتزامن مع نشره في صحيفة النهار بتاريخ 07 تشرين أوّل 2017

 

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.