3

:: وتَــبــقــى الســـيـــادةُ مـــخـــطـــوفـــةً ::

   
 

التاريخ : 28/08/2017

الكاتب : سجعان قزي   عدد القراءات : 1969

 


 

 

السابعةُ صباحاً بتوقيتِ بيروتِ ودمشق والضاحيةِ الجنوبـيّـة، الخامسةُ فجراً بتوقيتِ غرينتش، السابعُ والعشرون من آب 2017م، والخامسُ من ذي الحجّة 1438ه، صَدر بيانان عسكريّـان منفصِلان ومستقلٌّ واحدُهما عن الآخَر (عملاً بأحكامِ عدمِ التنسيق). البيانُ الأوّلُ عن قيادةِ الجيشِ اللبنانيّ والآخَرُ عن حزبِ الله والجيشِ السوريِّ يُــبْـلِغان بلغةٍ واحدةٍ (العربيّـة) وبكلماتٍ مختلِفةٍ (شعبٌ واحِدٌ في أسلوبَين) بُشرى وقفِ إطلاقِ النارِ على جانـبَي الحدودِ اللبنانيّـة/السوريّـة ("لا خَفيٌّ إِلّا ويَظهر ولا مكتومٌ إِلّا ويُـعلم". لوقا: الفصل 8 الآية 17).

أما بعد: طَوالَ المعاركِ الحدوديّـةِ غابت عن تصاريحِ المسؤولين كلماتُ "لبنان"، "السيادة"، "الاستقلال"، "الشرعية"، "بسطِ سلطةِ الدولة"، "استعادةِ حدودِ لبنانَ الدولـيّـة". تحاشياً للإحراجِ اكتفَوا بالتعابيرِ المَيْدانـيّـةِ، كأنَّ المعركةَ قِتالٌ تقنيٌّ لاستردادِ عِقاراتٍ جُرديّـةٍ لا من أجلِ استردادِ السيادةِ الوطنـيّـة على الحدودِ الشرقـيّـة. جميلٌ أن يُـطردَ تنظيمَا النُصرةِ وداعش، لكنَّ الأجملَ أن يَنتشرَ الجيشُ اللبنانيّ وحدَه مكانَه، لئلا يأتيَ إرهابٌ آخر. جميلٌ أن تعودَ العِقاراتُ إلى المزارعين في القاعِ وعِرسال ورأسِ بعلبك، لكنَّ الأجملَ أنْ تعودَ الأرضُ إلى دولةِ لبنان. هذه أرضُ وطنٍ قبلَ أن تكونَ أرضَ مواطنين. وجميلٌ أنْ نَـعرِف مصيرَ العسكريّين المخطوفين، وقد عادوا شهداءَ للوطن، لكنَّ الأجملَ أن نَـعرِفَ مصيرَ الحدودِ اللبنانـيّـة المخطوفةِ (نفسُ المصير).

قاومَ الجيشُ اللبنانيّ ببطولةٍ من أجل ثلاثـيّـةٍ واحدة: "شرفٌ، تضحيةٌ، وفاء"، ومن أجلِ قضيّةٍ واحدة: عودةُ الشرعـيّـةِ إلى الحدودِ اللبنانيّـة/السوريّـة (هل عادت لِـيُـعلَنَ وقفُ النار؟). سيطرةُ الجيشِ على تلك المِنطقة ـــ إذا تركوه يَبسُطها ـــ لا تعيدُ إليها السيادةَ الوطنـيّـةَ فقط، بل تَحميها من أن تَستمرَّ ـــ كما هي الآن ـــ إحدى ساحاتِ حروبِ الشرقِ الأوسط، وتُــثــبِّــتُ نهائـيّـةَ الحدودِ اللبنانيّـة/السوريّـة وسَطَ غموضٍ يَكـتَنِفُ مصيرَ حدودِ الدولةِ السوريّـة.

الجيشُ أراد المعركةَ ضِدَّ داعش نهايةَ حِقبةٍ لا بدايةَ نزاعٍ جديدٍ مع أطرافٍ آخَرين. لكنَّ الاختلافَ على توظيفِ المعركةِ كبيرٌ رغمَ التوافقِ على العدوِّ المشترَك، "الإرهاب". الجيشُ اللبنانيُّ يريدها جُـزءًا من مشروعِ بسطِ السيادةِ اللبنانـيّـة (صَعبُ التحقيق)، حزبُ الله يَرغـبُـها امتداداً لمشروعِ الهلالِ الشيعيّ (قيدُ التحقيق)، سوريا تَشتهيها تجديداً لدورِها في لبنان (لمْ تَخرُج لتعود)، والولاياتُ المتّحدةُ والسعوديّـةُ يأمَلانِـها بدايةَ انحسارِ محورِ إيران ـــ حزب الله (لا ضريبةً على الخَيالِ الواسِع).

الإشكاليةُ، أنَّ أرضَ المعركةِ ضِدَّ داعش تَمتدُّ مِن تَـلعفر في العراق، مروراً بديرِ الزور في سوريا، وصولاً إلى عِرسال ومحيطِها في لبنان. وإذا كان التوقيتُ واحداً، فالقرارُ ثنائيٌّ: أميركيٌّ ـــ روسيّ مشترَك، واستطراداً سعوديٌّ ـــ إيرانيّ. في هذا الإطارِ تجلّى التنسيقُ اللبنانيُّ ـــ السوريُّ ـــ الإيرانيّ بموازاةِ تنسيقٍ عسكريٍّ لبنانيٍّ ـــ أميركيّ مباشَر. ولذا أرجأت الإدارةُ الأميركـيّـةُ إصدارَ العقوباتِ ضِدَّ حزب الله ريثما تنتهي المعاركُ ضِدَّ داعش. الباقي تمويهٌ إعلاميٌّ لبنانيّ وعربيّ ودوليّ (رأسُ الحكمةِ احترامُ المنطق).

واقعٌ مؤسِفٌ لكنه حقيقةٌ لم تَـنفِـها الحكومةُ اللبنانـيّـة. وما مواقفُ السيد حسن نصرالله الأخيرة ـــ وكان بغِنى عنها ـــ سوى تأكيدِ المؤكَّد. وغالِبيّـةُ بلاغاتِ السيد نصرالله هي أصلاً إنذاراتٌ مُبكِّرةٌ لما سيَحصل أو تبليغاتٌ متأخِّرةٌ لما حَصل.

حاول الجيشُ اللبنانيُّ فكَّ الارتباطِ بين معركةِ لبنان وما يَجري في سوريا والعراق لأنّـه يَرفض أن يكونَ فَيلقاً بين فيالقَ إقليميّـةٍ أو فريقاً بين أفرقاءَ لبنانـيّين، ولأنّـه يَخشى أن يُـورِّطَ لبنانَ في حروبِ المِنطقة. لكنَّ تطوّرَ الأحداثِ أَجهض هدفَ المعركةِ الذي رسَمه جيشُنا القويّ، فعِوضَ أن تؤديَّ المعركةُ إلى ضبطِ الحدود اللبنانيّـة/السوريّـة، أدَّت إلى إسقاطِها لتبقى من دونِ ترسيمٍ ومَمرًّا لهذا ومقـرًّا لذاك ومفـرًّا لذلك، ولتبقى ـــ خصوصاً ـــ موضوعَ نزاعٍ بين البلدين يَستغلُّه النظامُ السوريُّ، كالعادةِ، لابتزازِ الدولةِ اللبنانـيّـة.

ولترطيبِ الذاكرةِ، في مؤتمرِ الحوارِ الوطنيِّ سنةَ 2006، رَفض السيّد حسن نصرالله "تَرسيمَ" الحدودِ اللبنانيّـة ـــ السوريّـة فاستُـعيضَ عنها بكلمةِ "تحديد. ومنذ ذلك الزمَن لم يتمّ ترسيمٌ للحدودِ ولا تحديد.

خَشيةُ الجيشِ اللبنانيّ أن يَـتحَوّلَ شاهدَ زورٍ على تَسيُّبِ الحدودِ اللبنانيّـةِ/السوريّـة كما الحالُ مع القوّاتِ الدولـيّـةِ على الحدودِ اللبنانيّـةِ/الإسرائيلـيّـة. فحزبُ الله باقٍ في مِنطقةِ عملِ الجيشِ اللبنانيِّ على الحدودِ اللبنانـيّـةِ/السوريّـة لـيَضمَنَ خطَّ الامدادِ البرّيِ من طهران حتى لبنان، وهو خطٌّ تُـقاتلُ القوّاتُ الإيرانـيّـةُ للحفاظِ على مَمرّاتِه على الحدودِ السوريّـةِ/العراقـيّـة والعراقـيّـة/الإيرانـيّـة (البَصْرة والسُليمانـيّـة وبغداد والقائم والبوكمال وحمص ودمشق). وما دامت تلك المعابرُ سالكةً ستظلُّ الحدودُ اللبنانيّـةُ الشرقـيّـةُ مشرَّعةً ما سيجعلُها نُـقطةَ توتّرٍ جديدةً بين لبنانَ وإسرائيل تُضاف إلى الجَنوب، لاسيما وأنَّ إسرائيلَ تَجمعُ الذرائعَ لقلبِ المعادلاتِ القائمة.

بعد الحربِ السوريّـةِ تحوّلت حدودُ لبنانَ الشرقـيّـة بؤرةً عسكريّـةً على غِرار الجَنوب. وإذا كانت جَبهةُ الجنوبِ سَجَدت وسَكـنَت منذ صدورِ القرارِ 1701، فالّذين يرفُضون توسيعَ صلاحـيّـاتِ هذا القرارِ الدوليِّ حتى الحدودِ الشرقيّةِ أَحْرى بهم أن يَـدَعوا الجيشَ اللبنانيّ يَنشُر الأمنَ والاستقرارَ هناك بدونِ تشكيكٍ ومضاربةٍ ومزاحمةٍ وادِّعاءِ "زَمالة". فما مِن خَليلٍ للجيشِ سوى بُندقـيّـتِه. الشعوبُ تتعايش، أما الجيوشُ فلا.

لكنَّ موازينَ القِوى حالـيًّا، في لبنان والمِنطقة، تتناقضُ مع الهدفِ السياديِّ الذي حدَّده الجيشُ اللبنانيُّ للمعركةِ على الحدودِ الشرقـيّـة. فعدا أنَّ الظروفَ العسكريّـةَ لم تُــتِــحْ له التحكُّمَ بالتوقيت، لن تُـتيحَ له الظروفُ السياسيّـةُ ضبطَ الحدود برغمِ قدراتِه، إذ جاء مَن يَـقضِمُ دورَه ويَختطفُ انتصارَه، ويتشاطَـرُ عليه بالكيلومترات، ويقاسِمه حقَّـه في بسطِ السلطةِ اللبنانيّة، ويُحدِّد له شروطَ التفاوض.

إنَّ مصلحةَ الجيش، في هذه المرحلةِ، تختلف كلّـيًّـا عن مصالحِ أهلِ السياسة. هو: لا حدودَ لتضحياتِه، وهُم: لا حدودَ لتنازلاتهم. لذلك: أمام الجيشِ استحقاقاتٌ أخرى من نوعٍ آخَر، والشعبُ معه. 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.