3

:: تجربة الصحوات والانتصار العسكري على داعش ::

   
 

التاريخ : 13/06/2017

الكاتب : مصطفى محمد غريب   عدد القراءات : 1239

 


 

 

ان تجربة الصحوات التي تشكلت والتي حاربت القاعدة والإرهاب وبقايا النظام السابق وكادت تقضي عليه، مازالت ماثلة أمامنا وكيف جرى التعامل معها بشكل سيء من قبل رئيس الوزراء الأسبق وبالكاد التخلص خوفاً منها في المستقبل لتحولها لتنظيم شبه عسكري يضم إلى الأجهزة الأمنية له تداعيات تجعله في مصاب الميليشيات الطائفية المسلحة التي بحوزة الأحزاب المتنفّذة ولها امتدادات مع دول الجوار، كان التخلّص من الصحوات بمثابة  انتصار طائفي لمخطط وُضع قيد التنفيذ فور هزيمة القاعدة الإرهابية للبدء في سيناريوهات خلق الفتنة الطائفية، إلا ان رئيس الوزراء الأسبق لم يحسب أنها  ستكون بداية لانبثاق تنظيم إرهابي أقوى وأشرس من القاعدة وهو تنظيم الدولة الإسلامية  في العراق الذي تطور ليكون في الشام والعراق "داعش" وهنا انجلت الحقيقة المرة التي تؤكد ان القضاء على أي تنظيم عسكري لا يكفي للإعلان عن الانتصار إذا لم يتماشَ مع معالجات فكرية واجتماع وطني شامل وعمل مثمر يعيد الثقة بين المكونات والقوى السياسية صاحبة المصلحة الحقيقية في التخلص من الاضطراب الأمني لبدء عملية البناء ولنا خير مثال قريب في إسقاط  نظام البعث وخسارته عسكريا حيث لم يُقضَ عليه فكرياً فقد تحول إلى تنظيم أكثر سرية وأكثر دموية لان العلاج الذي اتُّبع لتحويله فكريا كان قاصرا على الشعارات غير الوطنية التي طالما كانت طائفية مصورة بشكل جاهل وحاقد على أن البعث هو تنظيم سني فقط  وصدام حسين  وقيادته وكوادره أيضاً متناسين عن عمد ان أكثرية مؤسسي حزب البعث العراقي هم من الشيعة وحسب إحصائيات متّفَق عليها ان الجيش العراقي السابق يتكون من حوالي 65% بما فيهم قادة عسكريين كبار وان البعث نفسه يتراوح عضويته أكثر من نسبة الجيش والأجهزة الأمنية وعلى هذا الأساس فقد اغتيل العديد من الضباط الطيارين لأنهم شاركوا في حرب ألـ 8 سنوات بالضد من إيران ولوحق العديد من القادة العسكريين باعتبارهم سنّة وليس متّهَمين يجب ان يجري تقديمهم للقضاء والعدالة في معالجة أوضاعهم مما دفع المئات منهم الهروب إلى خارج البلاد ثم العودة للانضمام إلى القاعدة في البداية ثم بعدها إلى داعش الإرهاب، وقد ساهمت سياسة خلط الأوراق وسياسة النهج الطائفي والإملاءات الخارجية في خلق قاعدة أصبحت مهيأة لتكون حاضنة للإرهاب بشقية السلفي والأصولي، ثم تطورت مفاهيم إيجاد خلايا نائمة تتحرك متى ظهرت الحاجة لها وفي مقدمتها التحرك خلف الخطوط لزعزعة الوضع الأمني وعدم الثقة وإعادة الاعتبار للتنظيم السري وتوسعيه سعياً لإيجاد مخارج إنقاذ تعتمد على الخلايا النائمة لنشر الفكر الإرهابي المتطرّف وكأنه الإسلام الحقيقي! إعلامياً من خلال نشر الإشاعة والافتراءات وخلق البلبلة وهي أعمال تتكفل بها الخلايا النائمة كطابور خامس يعمل خلف الخطوط  وتتبنى سياسة التحريض الذي يعتمد على الأكاذيب وأخطاء السلطة وممارسات غير قانونية ترتكبها الأجهزة الأمنية في بعض الأحيان وهذا يشمل ما يجري في العراق من ممارسات البعض من المنتمين للحشد الشعبي أو استغلال الحشد الشعبي من قبل البعض فضلاً عن تصريحات لمسؤولين هدفهم غير سليم لخلق الفتنة والتمزيق بين المكونات العراقية مثلما حدث ويحدث يومياً مما يدفع البعض للجوء إلى وسائل العنف والانتماء كانتقامات شخصية وسياسية وطائفية أيضاً.

ان السياسة والتوجهات الطائفية التي حدثت أثناء السنوات الثماني سنوات ـــ من 2006 إلى 2014) من رئاسة نوري المالكي لمجلس الوزراء وبخاصة أثناء الاعتصامات والاحتجاجات في المناطق الغربية (هذا لا يعني عدم وجود مظاهرات واحتجاجات في الوسط والجنوب) دفعت الأمور من السيّء إلى الأسوأ وشجعت التطرف واستخدام العنف الذي تصاعد وكان سنداً قوياً لتمديد داعش وانتشاره السريع ثم هيمنته على الأكثرية من التنظيمات الإرهابية بما فيها القاعدة وقد حذّرنا من تلك السياسة غير المسؤولة وحذّرنا ان القوى الإرهابية سوف تستغلها لصالحها تحت طائلة من الشعارات الحساسة وطالبنا بضرورة إتباع سياسة واقعية بدلاً من سياسة إلغاء الآخر وإطلاق شعارات وتصريحات طائفية مثل "منو يكدر يأخذها... وأتباع يزيد وأتباع الحسين"!! كما لعب الإعلام الطائفي المضاد للمشروع المدني ولعملية بناء الدولة المدنية والعلاقة بين المكونات وتشويه مبدأ حق تقرير المصير بالعداء للكرد وحقوق القوميات وبثّ الإشاعة والتفرقة دوراً تخريبياً بالاتفاق والتوجيه مع بعض القوى صاحبة قرار في السلطة ومرتبطة خارجياً، إضافة إلى الممارسات القمعية وما تقوم بيه الميليشيات الطائفية شبه الخارجة عن القانون من جرائم الاغتيال والخطف وأخذ الفدية بدون أي خوف من ردع السلطة التنفيذية وإطلاق الاتهام اعتباطاً بالإرهاب وفق المادة (4) بدون أي تحقيق دقيق وعادل فضلاً عن التدخلات غير المشروعة في السلطة القضائية وكذلك السلطة التشريعية وغيرها من الأعمال التي أثارت جملة من القضايا الطائفية غير المسبوقة وكانت النتيجة كما اشرنا ظهور داعش الإرهاب الذي استحوذ تقريباً على أكثرية المنظمات الإرهابية التي انضمت إليه ثم انضمام العديد من ضباط الجيش العراقي السابق برتبٍ كبيرة وصغيرة بسبب عدم إعادة الأكثرية منهم إلى مجالهم أو مجالات أخرى بعد إجراء تحقيق متساوٍ وعادل وقد تمّ إقصاؤهم وفق سياسة "اجتثاث البعث" وأكثريتهم من السنّة بينما جرت إعادة غيرهم وفق منظور طائفي لضبّاطٍ كبارٍ شيعة  وكانوا بعثيين ولكنهم قدموا الولاء والطاعة لنوري المالكي أو لغيره من القوى المتنفذة وكان لهروب القادة في الموصل اكبر برهان على النهج الخاطئ الذي اتبع في إعادة بناء الجيش العراقي.

مع شديد الأسف الحديث بهذه اللغة من التقسيم الطائفي (شيعة وسنة) تحت وطأة الاضطرار إليه لوضع النقاط على الحروف وكشف الحقائق ولهذا نعود لتكرار التحذير بخصوص الحرب مع داعش الإرهاب والانتصار العسكري عليه فنقول ان الانتصار العسكري ليس كافيا إذا ما استمرت السياسة القديمة نفسها لأنها ستساعد على قيام شكل آخر من التنظيم الإرهابي قد يكون أخطر من داعش مرات عديدة، ونحن نتفق مع السيد عبد المهدي  الكربلائي ممثل المرجعية أن  "القضاء على تنظيم داعش لا يعني نهاية الأمر" والذي أضاف مؤكداً: "نحن بحاجة إلى اقتلاع التطرّف من جذوره الفكرية ولذا لا بد من تظافر الجهود الإقليمية والعالمية"ــــ  لكن كيف يمكن القضاء على التطرف السلفي والأصولي بوجود حكومة المحاصصة الطائفية؟ ــــ كيف يمكن اقتلاع التطرّف بدون برنامج وطني واقعي يقف على أرضية صلبة تجتمع عليها كل القوى الوطنية والشعب العراقي لكي ينجح بشكل كامل؟ ــــ  كيف يمكن القضاء على التطرّف والإرهاب الكامن في طرف واحد دون التدقيق في طرف الميليشيات الطائفية التي لا تخضع للمؤسسات الأمنية الحكومية؟ ــــ وكيف يمكن القضاء على الاثنين بدون سياسة ونهج وطني يعتمد الوطنية ومعاييرها في التعامل والتخطيط؟ وهناك عشرات القوانين التي سنت تتعارض مع العملية الديمقراطية مثل قانون الانتخابات والعمل على التخلص من المثالب في الدستور، ــــ وهل يكفي النظر على ان التطرّف والإرهاب داخلياً فقط دون الارتباط بالعالم الخارجي؟، لعل السيد عبد المهدي الكربلائي محقٌّ في قوله "ان المتطرّفين ليسوا فقط على مستوى العالم الإسلامي فحسب بل امتدوا إلى القارة الأوربية وآسيا، وهذا ما جعل خطورتهم عالمية ولا تقتصر على بلداننا" وهذا لا يعني التدخل في شؤون دول أخرى وإرسال الميليشيات للقتال هناك كما يحدث في سوريا الآن بهدف طائفي ليس إلا، مع العلم نحن ندعو إلى عدم التدخل واحترام سيادة الدول الأخرى بما فيهم سوريا الشقيقة.

ان مراجعة تجارب السنين السابقة تجعلنا مقتنعين ان نهج المحاصصة هو أسُّ البلاء وهو الذي دفع البلاد إلى حافة الخراب والتدمير وسوف يستمر هذا الخراب ويتّسع ليشمل كل بقعة إذا لم تجر عملية الإصلاح الحقيقي التي ستساعد على تحييد الكثير من الأفكار المتطرفة وتكلّل الانتصار على داعش بعدم فسح المجال لقيام إي تطرف إرهابي وكسر شوكة ميليشيات الخطف والاغتيال بدلاً من قيام تنظيم إرهابي آخر وقد أكّد ذلك عميد سرحد قادر مدير شرطة أقضية ونواحي كركوك لافتا "إلى ان القاعدة وداعش بصدد تشكيل تنظيم إرهابي جديد" ثم أشار إلى "أن بقاء أي قوة مسلحة في هذه المنطقة من دون التنسيق مع قوات البيشمركة سيكون سبباً لخلق المشاكل والعراقيل وهو يعني وجود حسب قوله ما بين (500-600) عنصر من داعش جنوب غرب كركوك كانوا قد فروا من الموصل بعد العمليات العسكرية التي انطلقت فيها مؤخراً "إذن هذا أول الغيث قطرٌ فينهمر" إذا أردنا إمعان النظر في موضوع الانتصار عسكرياً على داعش وليس فكرياً، ولنا تجارب غير قليلة بخصوص الكثير من الحركات المسلحة التي تنتقل إلى تنظيمات سرية  تخوض عمليات الصراع إذا لم يتم الانتصار في الصراع الفكري الذي هو اشد وأقوى من الجانب العسكري المسلح بسبب قاعدته بين الجماهير حتى وان كان يحمل أيدلوجيات فاشية إرهابية فذلك يعتمد على النهج السياسي السليم وتحقيق العدالة والتخلص من أساليب القهر والفرض القسري ومعالجة خروقات حقوق الإنسان والتحقيق في الانتهاكات غير القانونية في المعتقلات والسجون مثلما أشارت مثلاً شيرين رضا عضو لجنة حقوق الإنسان النيابية "حسب زيارتنا لهذه السجون اكتشفنا ان هناك اعتداءات ضد السجناء، بشكل لا يليق بالعراق الجديد ونظامه الديمقراطي الذي يعتني بحقوق الإنسان كما هو مفترض". نعم كما هو مفترض ان يتجاوب النهج السياسي مع تحقيق العدالة في جميع المجالات.

 ملخص القول لا بد ان تنتهج الحكومة العراقية الحالية "مع الانهيار الوشيك في الموصل" علاقات جيدة مبنية على الثقة والصراحة بين الحكومة المركزية والإقليم وإنهاء المشاكل وإيقاف استفزازات بعض القوى للحشد الشعبي للإقليم والبيشمركة التي تقاتل داعش وقدّمت أكثر من 1614 شهيد وأكثر من 9515  جريح حسب تصريح جبار ياور الامين العام لوزارة البيشمركة، نهج جديد يختلف عما سبقه في التخلص من الطائفية البغيضة ثم لبناء دولة القانون المدنية التي تكون قاعدتها المواطنة وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المكونات العراقية، لنستفد حتى لا تسود تجربة الصحوات التي أفشلت بتخطيط مسبق كي ننتصر في الصراع الفكري فالانتصار العسكري لا يكفي، ومثالٌ حيّ نجده في التفجيرات اليومية وآخرها يوم الجمعة 9/6/2017 التي أصابت المرآب الموحّد في كربلاء، ومنطقة المسيب، وأصابت في حينها أكثرية المحافظات والعاصمة بغداد.. وسترون، وهي نصيحة مثلما نصحناها سابقا!

 

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.