3

:: الثامن من مارس، ما بعد المرأة..! ::

   
 

التاريخ : 12/03/2017

الكاتب : وديع العبيدي   عدد القراءات : 994

 


 

(1)

عدم اكتمال مشروع التنوير، وانحراف مشروع الحداثة عن سياقه، بتأثير زحف التكنولوجيا واستبداد رأس المال، أصاب الواقع البشري والتطلعات الإنسانية بانتكاسة عالمية تاريخية، قلّ من لم يتأثر بها.. بشكل أو آخر.

ورغم الصفة العمومية للآثار والانعكاسات، فإن مصاب النخب الثقافية والجندرية يعتبر استثنائيا، بوصفها قائدة التيارات الاجتماعية.

وقد احتلت المسألة الجندرية ثقلا اساسيا في مشاريع التنوير والحداثة والاستشراق الرئيسة، وحققت خطوات نوعية تقدمية منذ أواخر القرن التاسع عشر، على صعيد اكتشاف الذات، واستعادة اعتبارها الفردي والاجتماعي والإنساني.

ولكن الملحوظ، انه باستثناء الغرب الاوربي، افتقدت البلدان الاخرى برنامجا مدروسا، أو سياسة متكاملة واضحة تجمع بين العلمية والعقلانية والواقعية المتدرجة للتحديث عموما، وقضاياه الاساسية والقطاعية.

كما يلحظ، ان معظم بلدان العالم، لم يخطر لها المحافظة على استقلاليتها المحلية والوطنية في هذا المجال، واستسلمت، بشكل غريب وسمج، للتبعية الغربية، عبر ترويج واستهلاك منتجات الغرب الثقافية والاعلامية.

فبدا في النتيجة، كما لو أن (الحداثة) كانت سنارة كولونيالية لعودة استعمار العالم، واختراق المجتمعات ثقافيا واجتماعيا. مما جعل سقوطها السياسي والاقتصادي في احضان قوى الاستعمار التقليدي، قدرا محتوما، عصيا على النفاذ والتجاوز.

 

(2)

وإذا شخصنا القطاعات الرئيسة لكل بلد في ثلاثة رئيسة: [الحكومة- المثقفين- المجتمع]، فأن المرأة هي قاعدة المجتمع ومحور ديناميكيته. مما يبين أهمية استثنائية لكيان المرأة الذي طالما كان ضحية التجاهل والتجهيل والاهمال، بشكل جعل منها كائنا مشوها او تابعا.

نجحت مظاهر الحداثة والتيارات العالمية في تحرير قسم كبير من كيان المرأة من قيود التبعية وتقاليدها، ومنحها درجات من الاستقلالية وحضور الذات. لكن انكسار مشروع التنوير، زاد من تشوّه صورة المرأة وهويتها الاجتماعية الراهنة.

وعندما ننظر الى مجتمعاتنا الراهنة، في اوربا او الشرق الأوسط، نجد ان المرأة كانت تابعة لتيارات التحديث وحركة المجتمع والاقتصاد، مستهلكة لما تجده في طريقها من أفكار وموضات ومظاهر، دون فهم أو دراسة او موازنة، بين وضعها السابق واللاحق، التقليدي والعصري، العائلي والشخصي.

لقد كانت المرأة – شأن المجتمع-، بحاجة الى حذر وتروٍّ ودراسات تطبيقية، في الاقتراب من ثمار شجرة الحداثة، لكي لا تنتهي بها الرغبة والشهوة الى السقوط، شان المرة الاولى.

لا شك.. ان خطوات تدريجية، على مدى زمني اطول، كان أكفل بتقليل الخسائر، وتأمين فرص تصحيح الانحرافات، بدل وضع كل الاوراق على الطاولة، والقفز الرأسي في مستنقع الشعارات.

 

(3)

المرأة اليوم هي شخصية فردية أولا، بعدما كانت شخصية عائلية –[ابنة/ أخت/ زوجة/ أرملة]-؛ وبعد ان كانت المرأة من اجل العائلة، صارت العائلة من أجل المرأة.

فلا غرابة ان تفقد العائلة قيمتها الستراتيجية في بناء المجتمعات، بدء من الغرب، وانتهاء بالشرق الاوسط. ومع تشوه واختزال مفهوم العائلة، فقد الزواج معناه، وتحول الى مجرد صفقة او لعبة او سنارة، تحصل الزوجة بمقتضاها على متطلباتها الاساسية: [بيت- اطفال- فلوس] مجانيا، ثم تتخلى عنها وتطلب الطلاق او الخلع، وتستفرد بحياتها –رغم أنف الاخرين-.

تاريخيا.. كانت المراة واضعة الحجر الأساس للمدنية الحضارية، المتمثلة في ثالوث [الزراعة- الاستقرار- العائلة]. وكانت العائلة هي نواة القبيلة/ المجتمع/ الأمة/ الدولة عبر الزمن.

لا ارى.. ان التطرف والحرية المطلقة – بمعنى الانحلال-، جزء من برامج التنوير او الحداثة، بقدر ما كانت مظاهر سوء استخدام مقصود، وتوظيف مغرض من قبل لصوص الهيمنة والتزوير، تحت خيمة الرأسمالية الغربية: التجارية والدينية.

 

(4)

اتخذت المرأة (التمرد) اسلوبا ثوريا لتحدي سلطة الأب أولا، ثم سلطة الزوج ثانيا. والتمرد هنا يشمل رفض أي كلام او مشورة او مساومة.

في تلك المفصلية، جرى تشويه صورة الاب/ الزوج/ المجتمع، وتوصيفه بالاستبداد الاقطاعي والاستغلال وسوء الاستغلال، حتى تشوهت صورة الاب وتخذت اطارا اجراميا/ افتراسيا/ يتمدد الى الطمع والجشع والايذاء والوحشية، نقلا اعلاميا اعلانيا رخيصا، دون اعتبار لاختلاف البيئات المحلية والتقاليد والأعراف بين الشرق والغرب، وبين الرأسمالية الامبريالية والثقافات التكافلية والاشتراكية.

غير قليل من أحزاب المعارضة، تبنت قضية المرأة دعائيا، ضمن برامجها للضغط على حكوماتها وابتزازها اعلاميا. والى جانب اهمال الحكومات وقصورها الثقافي والفكري، فقد حصلت على مبرر لاهمال المستلزمات المحلية وحصانة المجتمع ضد الغزو الفكري الخارجي.

قطاع المثقفين نفسه، المثقفين العرب، ودعاة تحرير المراة، كانوا نظريين ومقلدين عميان، ومتطرفين اذا صح التعبير، في الدعوة والدعم المطلق لاخراج المراة من المنزل وتجريدها من العائلة والمسؤولية العامة، لوضعها في اطار التصور الغربي الرأسمالي المسوق امبرياليا.

 

(5)

المرأة الغربية عاشت ظروفا مجحفة عبر التاريخ، جراء التقسيمات الطبقية للمجتمع الغربي، منذ اصوله الرومانية حتى الحرب العالمية الاولى. حيث تتفاوت الحقوق والامتيازات الاجتماعية والشخصية، بحسب التصنيف الطبقي. ولم تكن نساء الطبقات الدنيا والشغيلة والمتوسطة، تحظى بحقوق إنسانية ملموسة.

ان قيم التكافلية والقوامة العائلية الشرقية، لا وجود لها في الغرب، او خارج الشرق الاوسط تحديدا. هنا ظهرت قيمة العمل، كطريق ممكن لتحقيق الذات وتحسين ظروف المرأة وحقوقها. ومن خلال العمل او الانتساب الطبقي الارستقراطي، اكتسبت المرأة الغربية على بعض الحقوق في نظر القانون المدني.

 

(6)

هاته الحيثية لا وجود لها في الشرق، بالمنظور الاكاديمي والاجتماعي. ان عمل المرأة في مجتمعاتنا هو نتيجة لبرامج التحديث، وليس العكس. وقد حصلت التحسينات والتعديلات النوعية في قوانين المرأة والزواج والمساواة، في مجال الدراسة والعمل والمشاركات العامة، بمبادرات من قبل أنظمة علمانية وأزواج مثقفين، وليس جراء نضال المرأة او التيارات السياسية والاجتماعية كما حصل في الغرب.

فالمرأة العربية بقيت متلقية/طفيلية على ما تحصل عليه من الرجل، وما يقدمه لها المجتمع، دون اعتبار منها او تقدير.. للموقف الاجتماعي. وقد ترتب على ذلك ايضا، ان فهمها للحقوق والقيم الحداثية كان مشوها وسطحيا، دون ان تعرف ما تريده، وكيف تصل اليه، ومدى قدرتها الذاتية على مواجهة تكاليف الحياة، لوحدها (!!)، اسوة بالمرأة الغربية.

الواقع.. ان المرأة العربية، سيما في المهجر، تعتمد مباشرة على معونات الدولة وقوانين الرعاية الاجتماعية، بديلا عن كفالة الاهل وقوامة الزوج. بينما تختلف ادواتها وظروفها في البلاد العربية، وغالبا تلجأ للاحتيال والمراوغة، لابتزاز النظام القديم من جهة، وارتياد مظاهر العصرنة الغربية من جهة اخرى.

 

(7)

تمرُّد المرأة وتخلّيها عن المسؤولية العائلية والاجتماعية، واستغراقها في نزعة الفردية وخدمة ذاتها، كان السبب الاساسي وراء حرمان قطاع من الابناء والرجال للرعاية والدفء الاجتماعي، ممثلا بظواهر التشرد والهومليس ولقطاء الشوارع.

الرأسمالية الامبريالية، انتهت الى تقنين المثلية وتغيير قواعد العائلة والاجتماع البشري على أسس مشوهة وتدميرية، حيث شرعنت بعض حكومات الغرب الزواج المثلي، وتسعى لمنح المثليين حق تبني الاطفال وتربيتهم، لاستكمال صورة العائلة الشيطانية، بعد تدمير قواعد العائلة الطبيعية.

ومن مظاهر السقوط والانحطاط الذي يسم زمن ما بعد الحداثة –بوست مودرن- الحالي، ان يتفاخر ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا السابق وزعيم حزب المحافظين، أن إقرار قانون زواج المثلية أبرز قرارات حكومته، وقد حضر بنفسه عقد اول زواج مثلي قبل عام من انسحابه من الحكم، وتسليمه لامرأة. ويستلم المثليون اليوم مراكز حسّاسة في قطاعات الحكومة والأمن ودوائر البلاط.

فإضافة لظاهرة السنغل، التي مازالت الأبرز والأكثر شيوعا في لندن، تقوم الحكومة وجهات غير حكومية، بالتقاط اطفال، ونزعهم من ذويهم وبيئتهم، من مناطق الحروب والكوارث واستقدامهم – للغرب- لتربيتهم حسب توصيات الحكومة، وإعارتهم لعوائل –فوسترنغ- بما فيها عوائل مثلية- لتربيتهم بإشراف المحاكم الإنجليزية ودوائر رعاية القاصرين.

ان مجتمع ما بعد الحداثة، هو مجتمعات مشوهة، تضم المثليين الرجال على حدة، والنساء المثليات على حدة، والاطفال اللقطاء في جانب آخر. والمتحكم الرئيس بهاته الفئات هو الحكومة والرأسمالية العليا ونظام العمل.

بينما تجتهد وسائل الاعلام المختلفة، واعلانات الشوارع، لترويج قيم المثلية وإنشاء عوائل الشذوذ، ومنحهم الأولوية والأفضلية في كل مجال.

واليوم.. ثمة امتداد غير طبيعي لطبقة الهومليس وأغلبهم من الرجال، وطبقة البغاء الاجتماعي التي تسود أماسي لندن، وما يدعى برامج [dating] المضاهية لزواج المتعة، كبغاء مشرعن.

 

(8)

لقد كبّد جهل المرأة البشرية كثيرا جدا. وعندما اراد الإنسان تصحيح الأجواء ومنح نفحة إنسانية لكيان الإنسان، انحرف الى اقصى اليمين، الى الضد تماما، ومدمرا لكل من معنى الوجود وجوهر التحديث والتطور.

ان الخسارة عامة اليوم، في مجتمع ما بعد الحداثة. ليس كل الرجال على استعداد ان يكونوا مثليين. ولا كل النساء مستعدات لممارسة الشذوذ لخدمة البرنامج الاجتماعي العبودي للرأسمالية الجديدة.

ثمة موجة واسعة وممتدة لموجة استرجال النساء"*".. وبدرجة اقل، خناثة الذكور. وبالمحصلة العامة، فقدت المرأة المعاصرة هويتها الذاتية.

وعند الالتفات الى ديوان الشعر العربي والأغاني، واستذكار صور الانثى، كرمز للجمال والذبية والإغراء والحب والدفء والحنان والنعومة وامتصاص صعوبات الحياة، يصاب المرء اليوم بالخيبة، عند التقائه أي امرأة. إما لأنها نسخة رأسمالية جديدة ومشوهة، أو لأنها تلجأ للتمثيل والرياء لتمرير لقائها، واكتساب بغيتها من ورائه.

المرأة اليوم، رغم كيلوات العطور والدهون والثياب المنوعة وتقمّص منتجات التجميل والإغراء، ليست غير -روبوت- مسيّر حسب روشتات جاهزة مثل روشتة الطعام او الدواء.

امرأة ما بعد الحداثة لم تعد امرأة. فقدت أنوثتها وخصوصيتها وجاذبيتها الطبيعية. مرأة ما بعد الحداثة هي منتج من منتجات المعامل الرأسمالية والمختبرات الطبية وصالات العمليات.

في التسعينيات، عندما كنت أتعرّف على امرأة، أسألها بغير حرج، إذا كان جمالها طبيعيا كما خلقها الله؟.. يومها شاعت موضة تضخيم الأثداء والشفاه!. اذا كانت شفاهها، أنفها، أو ثدياها طبيعيين، أو نتاج جراحة البلاستك!.

اليوم.. ثمة مستشفيات مستقلة للتجميل، وأقسام خاصة لتغيير الجنس، وتغيير كل شيء خلقه الله بحكمة!.

في استمارات البيانات الشخصية في بريطانيا، يضيفون حقلا جديدا مقابل خانة الجنس، لتحديد جنس الشخص الاصلي عند ولادته.

طيار في حماية الامير وليم متزوج وله طفلان، فجأة خطر له اجراء عملية جنسية والتحول الى امرأة، بموافقة امرأته –طبعا-وبمباركة الامير -طبعا-. وهما الآن امرأتان ولهما طفلان. ترى ماذا يقول طفلهما عن نفسه وابيه إذا!.. هل هذه هي الحرية ام المدنية ام التطور أم الفوضى وفقدان المعنى والبحث عن الشهرة والاختلاف بأتفه الطرق!

كيف يمكن فصل هؤلاء وتمييزهم عن الجنس والخليقة الطبيعية، وماذا تبقى من الرجولة والأنوثة للمستقبل؟..

 

(9)

هل بلغ الإفلاس بالبعض درجة ان يعدموا وسيلة للتعبير عن ذواتهم بغير الجنس الرخيص، وانتهاك سرّ الطبيعة، والتحلّل الخلقي؟.. ما هو دور العقل وماذا عن الإبداع والعمل والانتاج؟..

اين هي النظريات والطروحات الفكرية والاجتماعية التي تخدم الإنسانية وتنفع المجتمعات؟. ماذا يفيد المجتمع تغيير الجنس وإشاعة الشذوذ الذي تستقتل لأجله حكومة البركست؟..

ماذا يفيد الحضارة والمدنية والتقدم الاجتماعي والإنساني؟.. ام الغاية إفساد الجنس البشري وإلغاء نتفة الحياء والكرامة والأخلاق، لمنع اسباب الثورات والاحتجاجات الوطنية والعمالية ضد الاستعمار والفساد وخيانة والعمالة، التي صارت مفردات يومية وعدة شغل لساسة اليوم؟!.

كيف ينام الرجل اليوم مع امرأة أو يقدم على الارتباط بها وهو لا يعرف ان كانت انثى حقيقية أو مزيفة – خريجة معامل الجراحة- برتبة روبوت!.

هل النساء المتدفقات في شوارع لندن واكسفورد ستريت هنّ نساء حقيقيات، ام متحولات –متحللات-جنسيا واجتماعيا؟..

هل الرجال في مقاصير الأحزاب والحكومة، هم رجال حقيقيون أصليون ام نساء مسترجلات بهورمونات وعمليات جراحية؟.. كيف يمكن اذن، حماية النوع والجنس البشري من التدمير والضياع بعد الآن؟..

أليس تذويب الجنس والتحلل من القيم واشاعة الشذوذ، وراء فقدان الساسة للرجولة والكرامة والوطنية والأخلاق؟..

ان المرأة السياسية اليوم ليست حاكمة، وانما مجرد موظفة محكومة تتلقى تعليماتها من جهة عليا، توجهها مثل روبوت، يتم استخدامه لملء فراغات، وتلبية احتياجات مؤقتة!.

ولا يختلف ساسة الرجال في عهد ما بعد تاتشر عن النساء، في كونهم مجرد موظفين –روبوتات/مماليك- تديرهم مافيات من وراء الستار.

بدأ ساسة عراق ما بعد صدام متلفعين بالدين!.. لحى خفيفة وبدلة فرنجية، يتداعون لفرض قوانين شريعة، بدء بفرض الحجاب ومنع الخمور وتحريم الفنون والرياضة هل هذا هو الدين؟.. هل هذا ما يخدم البلد والمجتمع؟..

جاؤوا للحكم محموسين بعقد الفضيلة والمجتمع الفاضل والطاهر الذي تقنون في كتاتيب الدجل!.. ومن تلك المثاليات الديماغوجيات اختاروا اسماءهم واسماء أحزابهم.. الفضيلة.. العدالة.. الحرية.. النزاهة.. الجهاد.. الابرار.. والمضمون العملي هو العكس تماما..!..

وهكذا انتهوا بعد حملات الرفض والاحتجاج الشعبي وفضائح الفساد، الى تقليم حواجبهم وحلاقة اللحى والشارب، والعناية الزائدة بالثياب والعطور والمحابس والماكياج –دهون البشرة-، ما يذكر بتراث العباسيين العريق في مجال العناية بالغلمان والجواري، وقانون الفصل ما بين طبقة الحكم والدين، وطبقة العامة والعبيد. وهو ما يعيشه عراق الاحتلال، بين ليليات عباسية تعمرها الجواري والخمور وردح للصبح!!.. وبين ملايين السكان المشردين في المخيمات واطفالهم يشحذون ويمارسون اعمالا رخيصة، كما يصفه بيت الجواهري في رائعته (يا دجلة الخير):

عجبت من ضوع جنّات منشّرة.... على الضفاف، ومن جوع الملايين!

 

(10)

وعلى أثر النجاح غير المنتظر، لمشروع التدمير الشامل في العراق شرع الغرب في تسيير حملات دعائية وبرامج سياسية تروج للحرية الدينية والجنسية والاقتصادية والسياسية، بما فيها برامج موجهة لتشجيع تحويل الجنس، وتدمير كيانات البشر الطبيعية، ناهيك عن تدمير الثقافات وتفكيك الديانات والأخلاق، تعمل في بلدان الشرق التي كانت مناوئة للغرب، في صدارتها الشرق الاوسط وشرق المتوسط وايران وكوريا وباكستان. وتعتبر تايلند وهونك الاولى عالميا في التحول الجنسي والجرائم والامراض الجنسية.

فما هي حصانات الدول والأديان والأحزاب والمجتمعات ضد منتجات الرأسمالية التدميرية، أم مازال الاعجاب بالغرب واللهاث وراءه منية أجيال الضياع والتشرد. ولاجله، توجب تدمير البلدان وتفكيك السياسات وإلغاء مواد الوطنية والأخلاق والانتماء والاستقرار الامني والاقتصادي، ليسهل للاخطبوط الغربي افتراسهم وترويضهم لخدمته.

ان التطور لا ينبغي له ان يخالف قوانين الطبيعة أولا، ولا يتجرد من قيم الجمال والتناسق والانسجام التي هي سمة الوجود، ثانيا.

بينما سياقات مجتمع ما بعد الحداثة، والمرأة الجديدة مخالفة لنظم الطبيعة، وتفتقد اسس الجمال والتناسق والانسجام الذي يتطلبه الاجتماع البشري والحاجة للمعنى والأمل، بالمنظور الفلسفي.

 

(11)

ما العمل..؟..

لن ينجح المشروع الامبريالي لمجتمعات ما بعد الحداثة!..

وقد تحلل الاتحاد الامبريالي الثلاثي الذي انعقد عقب الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة والاعلامية تستعر بين بريطانيا وحليفتها السابقة الولايات المتحدة، بينما تسعى السعودية للانتباذ طرفا قصيا من الاثنين، وتشكيل تكتل اسلامي شرقي، لا يتبع الاملاءات الانكلوميركية.

تكتلات ثقافية اخرى –[الصينية والهندية والسلافية]- تلتف حول نفسها، وتتعامل مع منتجات الغرب الاعلامية بحذر ودراسة. وعلى المجموعة العربية، أو جماعات البلدان والثقافات المنحلة والمتضررة بالمشاريع الاستعمارية للشرق الاوسط الجديد، الالتفاف على بعضها، والتعاون والتكافل لانشاء جالية ثقافية متماسكة منسجمة وملتزمة بخطاب دفاعي موحد، لمواجهة صرعات التحلل والانحلال الأخلاقي والنظام الاجتماعي المسخ، وحماية افرادها وتقوية حصانتها الذاتية.

مجتمعات الغرب تعوم في مستنقعات من الازمات. وتعمل على الالتفاف وتعويض ازماتها السياسية بذرائع مالية، دون اعتراف بفسادها الأخلاقي وفشل سياساتها الاقتصادية. ولتفادي ردود افعال الشارع والرأي العام، يتم مشاغلة الناس بموضات المثلية والتحلل الأخلاقي والديني من جهة، ومزيد من إلغاء القوانين الاجتماعية والحوافز الفابية التي تنعكس آثارها على الطبقات الفقيرة ودون المتوسطة، بما فيها اغلبية الاجانب، وتهددهم بالتفكك العائلي ومزيد من موجات البطالة والتشرد، والعودة للاوطان الاصلية.

ولعل هذا ما قصده احد المفكرين، باعتباره ان برنامج ما بعد هو نتيجة لفشل مشروع الحداثة؟.. واذا كانت هذه نتائج فشل الحداثة في الغرب، فما هي صورتها في الشرق التابع والمتحلل على مستوى الدولة والمجتمع؟..

 

(12)

وأخيرا.. لابد من استخدام العقل واستعادة الوعي، والتخلص من أعراض الامراض الاجتماعية والنفسية والاثنية، التي تزيد تفاقم الخسائر الشخصية والعامة. وفي التجمع الجديد، يمكن للمرأة ان تكون الأم الكبيرة والاخت الكبيرة، والداينمو المحرك لتجميع الشتات العراقي والعربي والكردي لتحصين الهوية الوطنية المحلية، وعدم اعتبار المهجر والذوبان نهاية المطاف!.

علينا ان نتعلم احتمال واستيعاب بعضنا، والاستماع بغير تذمر، والتعاون بغير استغلال او التواء، جاعلين من سمة الثقافة والانفتاح معنى حقيقيا، وواقعا سوسيوثقافيا جديدا.

لنجعل من بريكست بريطانيا، جهاز انذار، ومناسبة للعودة الى الذات واعادة بناء المهدوم والمتمزّق وطنيا وثقافيا، ويكفي اغترابا وتغربا عن الذات..

لقد تخلّى الغرب عن ذاته، واستسلم للعبة الامبريالية التي تسحق الأخضر واليابس، ولا تخدم غير رأسمالها، فماذا ننتظر؟.. التنازل مطلوب من الجميع، المرأة والرجل، اللون والهوية والطائفة والفكر، لكي نكون واحدا.. وننقذ المتبقي من التفتت والضياع.. فثمة مستقبل ينتظر اطفالنا.. اكثر جدارة بخلافاتنا الراهنية الزائفة!..

نحتاج للاتفاق والتعاون والعمل المثمر.. نحتاج للمحبة والانسجام والتجاوز والتسامح.. نحتاج ان نكون مع بعضنا، لاضدنا وضد بعضنا.. لا نحتاج خلافات وشعارات وطروحات مجانية.. والبقاء للخير والكلمة الطيبة!..

 

نحو مجتمع مهجري سليم ومتماسك، ذو هوية وخطاب وموقف موحد، لا يجري وراء سوق الشعارات والاعلام الغربي الذي اكد زعيمه الجديد – ترامب- انه اعلام مزيّف ومضلّل. هل تتولّد نواة اللوبي العربي في لندن، بعيدا عن المزاودات والتجار؟..

لقد ولد الثامن من مارس، من أجواء الكفاح من اجل تحسين الحياة الاجتماعية، وإنهاء العبودية والمهانة!.. وما يحصل اليوم، من نتائج غير طبيعية، ومنافية للعقل والمنطق والطبيعة، هو تدمير الكيانات الإنسانية، الفرد والجماعة والدين، المجتمع والوطن والدولة، وهو ما يقتضي من المرأة والنخب المثقفة التوقّف عنده ومراجعته، لانقاذ البشرية من السقوط والإنسانية من الانحلال والدمار!..

انها دعوة.. دعوة للمرأة الأم والمثقفة..!.. والمرأة اولا. 

لندن

في السابع من مارس 2017

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.