3

:: لامات يسوع -ج 4 ::

   
 

التاريخ : 10/01/2017

الكاتب : وديع العبيدي   عدد القراءات : 1101

 


 

 

[6]

يسوع لم يتسلّط أو يتسلطن..

 

(1)

الاهتمام بالثياب او الطعام او السكن(**)، يعني الاهتمام بما يخرج عن الغرض الطبيعي/ الاساسي من كل منها. من البديهي ان الإنسان لا يستغني عن واحدة من الثلاثة، التي تعرف بالحاجات الأساسية. لكن اهتمامنا بها –في الغالب- يتعدّى الحاجة الى النوعية والشكل واللون، مما يدخل في باب التظاهر والتفاخر والتنافس والمباهاة، بعضهم عن بعض.

جاء في دعوة يوحنا المعمدان، وهو ابن خالة يسوع..

"ها إن الفأس قد وُضعت

على أصل الشجر.

فكل شجرة لا تثمر ثمرا جيدا،

تقطع وتطرح في النار.

فسأله الناس:

قل لنا ماذا نفعل؟..

فأجابهم:

من كان عنده ثوبان،

فليعطِ من لا ثوب له!..

ومن كان عنده طعام،

فليتشارك فيه مع من لا طعام عنده!!..

وسأله أيضا جباة الضرائب:

يا معلم: ونحن ماذا نفعل؟..

فقال لهم: لا تجبوا

أكثر مما فرض لكم!..

وسأله بعض الجنود:

ونحن، ماذا نفعل؟..

فأجابهم: لا تظلموا أحدا،

ولا تشتكوا/(تفتروا)

على احد كذبا،

واقنعوا بأجوركم!."- (لو 3: 9- 14)

 

(2)

 

هذا النص يربط السلوك بالمبادىء الخلقية وبالعكس، فيكون احدها مرآة للثانية، وفق مبدأ التناغم والانسجام، وليس التعارض والانفصام. ويتمثل جوهر المبادئ الخلقية آفة (الطمع والجشع) الذي هو اساس نزعة الحيازة/ التملك والتمايز والتسلط، وانعكاساتها الاجتماعية الضارة.

رسمت شريعة موسى طقما ملكيا لثياب جماعة الكهنوت، ونمطا اجتماعيا ومعيشيا، متمايزا ومتعاليا على بقية الناس. والقراءة المفصصة لتعاليم موسى بن عمرام اللاوي، تكشف انه وضع شريعته لخدمة الكهنة اللاويين، وصيانة حقوقهم ومكانتهم جيلا بعد جيل.

وقد تعرّض يسوع –ضمن مواجهته لقادة السنهدريم-، لاهتمامهم بمظاهر الأبهة والتعالي والتمايز، والأحمال الثقيلة التي يضعونها على كاهل الشعب. 

وهذا يؤكد ان قادة الدين هم بمثابة الاقطاع الديني المرتزق في الشرق، والرأسمالية الدينية الطفيلية في الغرب، تتسلط على الشعب وتقوم بابتزاز البروليتاريا المتدينة لبناء سلطتها الاجتماعية ونفوذها الاقتصادي.

وقد كان الابتزاز الاقتصادي والسلطة الدينية المنفصلة عن الشعب، عبر ما عرف ببيع بصكوك الغفران، العامل الرئيس في حركة الاصلاح والتمرد التي قادها الدكتور مارتن لوثر ضد الاستبداد والاقطاع والكنسي في عام (1517م)، لتحرير الناس من عبودية الاقطاع والرأسمالية الديني.

 

 

(3)

 

"وكان أتباع يسوع من بعده،

قلبا واحدا، ونفسا واحدة.

ولم يكن أحد يقول

ان شيئا مما عنده،

هو له وحده. بل كان

كل شيء عندهم مشتركا.

فلم يكن فيهم محتاج.

لأن كل من له حقل

أو بيت، كان يبيعه،

ويسلمون المبلغ لجماعة الرسل.

وهؤلاء يوزعونه

على كل محتاج

بحسب حاجته."- (أع 4: 32، 34- 35)

 

 

(4)

 

ينسب الى الفيلسوف الاشتراكي الفابي برناردشو، انه سئل مرة عن معنى الاشتراكية، وكانت له لحية طويلة وصلعة تغطي هامة راسه، فأشار الى وجهه ورأسه قائلا: وفرة في الانتاج، وسوء في التوزيع!.

اختلاف المظاهر الاجتماعية ونزعات التمايز والتراتبية الاقتصادية، هي نتيجة للتفاوت الطبقي، أو التفاوت بين القدرات والمؤهلات المادية بين الناس. ولعدم ظهور نظام اجتماعي سياسي، ينظم العلاقات بين الافراد، وبينهم وبين الكيان الاجتماعي للبلد، ظهرت فئة انتهازية طفيلية، تعتاش على إفرازات التفاوت وغياب التنظيم والعدل.

النظام الاجتماعي هو ترجمة للوعي الإنساني والتقدم الحضاري لبلد ما، وفي زمن ما. لقد تطورت حياة البشر من الشِحّ في الانتاج والوفرة، الى الخَزْن والتدوير والتسويق، في مضمارٍ متدرّجٍ وبطيء.

وربما بسبب من محدودية الانتاج، وندرة المواد الخام وصعوبة الوصول اليها، كانت السلعة من نصيب الحكام دون المحكومين، ومن نصيب الأقوياء على حساب الضعفاء، ومن نصيب الأغنياء –لاحقا- دون الفقراء.

لقد استخدمت الثياب، ضمن مستلزمات التمايز ومظاهر الأبّهة والنفوذ والجاه، ومثلها انواع الطعام ومستويات السكن، وغيرها من اشكال الحيازة، التي تضمنت حتى القرن التاسع عشر حيازةَ الرقيق والنساء والحراس الشخصيين.

أمراض التفاوت الاجتماعي، ترتبط بالتفاوت الطبقي والعرقي والجنسي. والنظام الذي يسوغ التفاوت والتمايز بين البشر يعرف اصطلاحا بالنظام الرأسمالي. باعتبار ان (رأس المال) هو الأرضية المادية والمعيار الاساسي لتنظيم العلاقات داخل المجتمع.

ومن مظاهر الغرابة بمكان، ان يتبنّى النظام الرأسمالي، مسوّدة الميثاق الاساسي لحقوق الإنسان، القائم على مبادئ الثورة الفرنسية: [مساواة، حرية، عدل]. ويتّخذها واجهة اعلامية لتسويق نفسه، والتغطية على بشاعته البنيوية. ولذلك يعمل على ترويجها عالميا، ويصنّف دول العالم في جداول تراتبي، بحسب التزامها واعتمادها الميثاق، معتبرا نفسه السيد العادل المنزّه عن الخطأ.

واقع الحال، ان المجتمعات والبلدان والدول والحكام، والبشر غير متساوين، ولا يحظون بنفس المعاملة والمكانة في التقييم والاعتبار. فيما يتمّ التذرّع بأسباب وعوامل سياسية او اقتصادية، للتورية على الاسباب والعوامل الحقيقية، المتصلة بجداول التوزيع الإثني والتفاوت الحضاري والتاريخي بين سكان الارض.

على الطرف الآخر، يقوم النظام الاشتراكي، على المساواة والفرص المتكافئة، ولا يسمح بظهور أسباب التفاوت الطبقي والاجتماعي داخل المجتمع.

ورغم ذلك، لم يتعكّز النظام الاشتراكي –خلال الثلثين الاولين من القرن العشرين- على المزاودة على ميثاق حقوق الإنسان. وكان موضع اتهام متصل من قبل الرأسمالية، بعدم مراعاته حقوق الإنسان.

فالاساس في التطبيق الرأسمالي لحقوق الإنسان، هو الحرية الشخصية بمختلف أصنافها ومستوياتها، دون تدخل او وصاية من جهة ثالثة. ويشمل ذلك حرية المتاجرة والملكية غير المقننة. [لاحظ: اضطراب اراء جان جاك روسو حول الحرية والارادة ثم المصلحة العامة].

فالتفسير الرأسمالي للميثاق يضاد مصمونه الإنساني المتمثل بالمساواة والعدل. ومن مخاطر ذلك ان الحقوق والمكانة تتفاوت بحسب مستوى الملكية والمنزلة الاقتصادية والتراكم المادي.

ولا جرمَ.. فانه على الصعيد الاجتماعي والنفسي، لا يتساوى اصجاب المعامل والمنشآت الاقتصادية مع فئة العمال والمستخدمين، ولا يتساوى ملاكو العقارات مع فئة المستأجرين.

وهذا ما يجعل انجلتره مجتمعا طبقيا، يتمتع فيه – عدا الرويال فاميلي- اللوردات: ملاكي الأراضي والعقارات بالسيادة العليا، وإلى جانبهم طبقة البونس وملاكو المنشآت الاقتصادية والتجارية على اختلاف أصنافها الاعلامية والرياضية والسياحية والدينية، وما على الحكومة –لعبة الحكم والادارة العامة-، غير رعاية مصالح طبقات النفوذ العليا، وتطويع الحياة العامة وترويض الناس للاستفادة من الهوامش والإفرازات.

 

(5)

 

مؤسسة الدين الاقطاعية التي بناها موسى ووضع أنظمتها وقواعدها الاساسية العريضة، جرى استنساخها في بناء امتداد لها، باسم يسوع الجليلي وتحت شارة صليبه، خلاف تعاليمه وحركته التي أدانت الكهنوت الموسوي بلا هوادة.

ومثل أي طبقة اجتماعية او سياسية، لا تستطيع الاستغناء عن القاعدة المادية/ المالية لبناء ودوام نفوذها، تم استعارة نظام العشور والباكورة العبراني، وتم فرضه على المجتمع الديني الجديد، وبتسويغ نفس المبررات الموسوية (لاوي، تثنية) حول ارتباط البركة والنعمة بالعطاء والمواظبة على تقديم العشور والبواكير للسلطة الكنسية، لضمان البركة/(مفهوم الحلال في الاسلام)، والحماية الالهية/(الكليركية) للمعطين بسخاء وسرور.

والواقع، انه ليس المسيحية واليهودية والهندوسية والاسلام، تتنافس في فخامة ابنيتها الدينية، واعتبارها رمزا لقوتها ونفوذها، انما هي الفكرة القديمة حول المعبد وقصور الملوك والاباطرة.

فكان جراء ذلك، ان ارتبط الفقر المتصل والتخلف السوسيوثقافي، بالمجتمعات الدينية الامبراطورية/ العالمية.

ثمة مقولة شائعة، ان كل حضارة عمرانية او قوة عسكرية، تقوم على الابتزاز والاستبداد. وهو ما يصح على واقع الديانات الإقطاعية، الرأسمالية، العسكرية، حتى اليوم.

 

 

(6)

 

موقف يسوع من الماديات والمظاهر، يقوم على بضعة مقومات رئيسة:

1-                   مملكتي ليست من هذا العالم.

2-                   الولادة من الروح/ (الولادة من فوق)/ (يو 3).

3-                   ها ان ملكوت السماء في داخلكم/ (لو 17: 21)

4-                   السلوك بالروح/ (بقيادة الروح القدس)./(رو 8)

5-                   العبادة بالروح/(يو4).

وبتأصيل الروح، يتأكد سلطانها على الجسد والعالم المادي [natural, super- natural]، وتتولد قيم روحية اخلاقية سامية، تؤسس لمجتمع جديد وعالم إنساني تسوده مبادئ رفيعة في التعامل والحياة.

 

وعلى العكس منه، فإن الاستغراق في الماديات/ مظاهرَ وسلوكاً، يكشف:

1-                   الاسس والقيم المادية/ الدونية للديانة والمجتمع الديني.

2-                   غياب القيم الروحية والتوق الإنساني للسلام والتعاون والمؤاخاة.

3-                   استمرار النظام الديني والعالمي القديم/ العبراني/ الوثني.

4-                   عدم امتلاك سلطان الروح القدس وقيادته الروحية. 

5-                   غياب وازع الضمير.

 

(7)

 

"ويل لكم: أنتم الأغنياء

فانكم نلتم عزاءكم..

ويل لكم: أيها المشبَعون

فانكم سوف تجوعون..

ويل لكم: أيها الضاحكون

فانكم سوف تنوحون وتبكون..

ويل لكم: متى امتدحكم الناس

فإنه هكذا عومل الأنبياء الدجّالون.!"- (لو6: 24- 26) 

"من ثمارهم تعرفونهم"!..

 

* "ليكن الأعظم بينكم، كالأصغر، والقائد كالخادم. فمن هو أعظم؟.. الذي يتكئ أم الذي يخدم؟.. اليس الذي يتكئ؟.. ولكني انا في وسطكم كالذي يخدم."- (لو 22: 26- 27)

* في تعليق للواعظة الأميركية جويس ماير على هاته الفقرة، طلبتْ ان يقتصر المرء على خمس قطع من الثياب، بدل دولاب من الثياب، والاقتصار على اربعة أزواج من الأحذية، بدلا من مائة زوج- خاصة النساء-، والاقتصار على سيارة واحدة للعائلة، بدل واحدة لكل فرد، وبعض الأفراد يقتني اكثر من سيارة بحسب الموديل واللون، خلافَ الدراجات والقوارب وربما اليخوت. واليوم دخلت الطائرات الخفيفة ضمن المقتنيات الشخصية.

* عن افرام السرياني، قوله: كل ما زاد عن الضرورة سفاهة!. وفي القول المأثور: ما زاد عن حدّه، انقلب الى ضدّه!.

* "احذروا من الكتبة والفريسيين

الذين يحبون التجوال بالثياب الفضفاضة

ويحبّون تلقي التحيات في الأماكن العامة

ويتصدرون المجالس في الاجتماعات

وأماكن الصدارة في الولائم

يلتهمون بيوت الأرامل

ويتذرّعون بإطالة الصلوات

هؤلاء ستنزل بهم،

دينونة أقسى."-(لو 20: 46- 47)

***

لامات يسوع -ج 3

وديع العبيدي

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.