3

:: إضاءة على رواية (سنكسارا) للكاتب المهجري وديع العبيدي ::

   
 

التاريخ : 07/01/2017

الكاتب : خاص جماليا   عدد القراءات : 1357

 


 

 

"ليس مستحسنا ان يبقى آدم وحيدا..!"-(تك2: 18)

هنا تجتمع ذروتان. ومن هنا منبع كل الأسئلة، الوجودية قبل الاجتماعية، حيث الغواية حاضرة في كل شيء. في الوجود، كما في شكل الوجود.

منبع الغواية –هنا-، ان الايام الستة من قصة الخلق التوراتية، انتهت بعبارة (استحسنه). وكانت حصة اليوم السادس – خليقة الزواحف والبهائم والبشر- تكرار الاستحسان والحكم بجودته (استحسنه جدا)، تمييزا عن سواه.

وبعد سلسلة التأكيدات، تظهر فجأة عبارة نقضية: (ليس مستحسنا)، لتبدأ غواية الأسئلة، مقترنة بدوامة الوجود. ومن هنا، ايضا، تبدأ إشكالية علم الاجتماع، وإشكالية الفلسفة.

ما هو الحسن؟.. وما هو المستحسن؟.. الوحدة والتوحد والانفراد؟. أم اجتماع الناس في دوائر وروابط قرابية، لتكون العائلة والزواج – ذكر وانثى- بداية الاجتماع/ الإشكالية.

رواية (سنكسارا) تدور حول هذا المحور، وتحتار في تدويره، لتنتهي منه الى نتيجة ما بحسب رؤية الكاتب.

 

يختلف النص الديني عن النص الفلسفي والاجتماعي بصفة التجريد، مما يجعل الأشياء تبدو بريئة، مثالية، ملائكية، منزّهة عن الإشكاليات والأسئلة والخلافات.

أما الواقع فيجري في مدار آخر، فلا الواقع يمكن تجريده، ولا المجرد/ المطلق يمكن توقيعه وتنزيله في حلبة الاجتماع البشري. نتوقف قليلا عند قاعدة الازدواج أو الثنائية التي قامت عليها قصة الخليقة.

اليوم الأول: نور- ظلام

اليوم الثاني: ماء- ماء ، يميز بينهما (الجلد) وهو حاجز غازي

اليوم الثالث: بحر- يابسة، نباتات

اليوم الرابع: نجوم- شمس وقمر   

اليوم الخامس: حيوانات مائية- طيور هوائية

اليوم السادس: حيوانات أرضية- بشر

يصنف علم الأحياء الموجودات الى صنفين رئيسين: جمادات وأحياء. ويشتمل العالم الحيوي على النبات والحيوان والبشر.

هذا التقسيم/ التصنيف اعتمد على عنصر الروح [ظاهرة الحياة والموت]. لكن عنصر الروح/ الحياة ليس كافيا او دقيقا للتمييز بين الموجودات.

فثمة خصائص وقدرات حيوية لدى الحيوان لا تتوفر في النبات. وثمة خصائص وقدرات عند البشر، لا تتيسر في الحيوان.

وإن أمكن على مستوى الحيوانات الدنيا، تصور قاعدة عامة للعلم القياسي/ الثابت، وتحديد نظرية الاحتمالات كثيرا. فالنتائج تختلف وتتراجع نسبيا لدى الحيوانات العليا والانسان البدائي.

وفي علم الاجتماع البشري تتراجع قيمة التماثل الطبيعي والبيولوجي، وتتغلب عليها مظاهر الاختلاف النفسي والعاطفي والفكري، بحيث يصعب تصور وجود فردين متشابهين تماما – نفسيا وعاطفيا ومزاجيا وفكريا- حتى لو كانا أخوين نتاج نفس الأم والأب.

عدم التشابه والاختلاف في لغة العلم القياسي، يعني الخلاف والتفاوت والاصطدام في لغة علم الاجتماع الخاضع للنسبية والاحتمالات غير المحدودة.

والآن، عندما يكون الاتفاق بين اخوين، صعبا – قصة قايين وهابيل مثلا-، فكيف يمكن تصور الاتفاق والانسجام بين رجل وامرأة يقتسمان حياتيهما وجسديهما وكل شيء بينهما.

من هنا تبدأ مشكلة/ إشكالية الإنسان، إشكالية التوحد والعزلة، ومشاكل الاختلاط والارتباط والصراع الثنائي المتصل، على مستوى الحرب الباردة تارة، والحرب المعلنة بكل الأسلحة تارة أخرى.

للخروج من هذا المأزق، بدأ المخيال البشري في تقديم أفكار وطروحات وفرضيات، ليمنح الأمل/ الحلم، فرصة متجدّدة للبحث والتجريب، والسعي وراء السراب.

ان حياة الإنسان – ذلك الزمن المحصور بين ميلاد الفرد وموته- هو مسرح البحث والتجريب والتفكير وتحقيق الممكنات، بصورة أو أخرى، وهذا ما يميز بين فرد وآخر، سلبا وايجابا.

وقد اخترع الفلاسفة مفهوم الصدفة لتفسير الآليات الكيفية التي تتسبب في إفراز نتائج معينة، تختلف من احتمال الى آخر، كمّاً ونوعا.

كما طرح علم الاجتماع المبكر، مفهوم الحظ، لتبرير مظاهر الشقاء والسعادة، الفقر والغنى، البشاعة والجمال، ومختلف المتغايرات بين الأفراد.    

ولكن كلا من الصدفة والحظ، تنبع من مصادر خارجية، ليست في متناول الفرد. ولا يمكن التوفر على ضمان حقيقي في مجال البحث والتجريب العقلي في هذا المجال.

*

عبر هذا الممر الطويل والمعقد من الأسئلة والاحتمالات، تمرّ رحلة (ايغور) – بطل رواية (سنكسارا)- في البحث عن الحظ، أو شريكة العمر، كما يقال. وقد تنقّلت رحلة البحث وتنوّعت بين الشرق والغرب، والحرب والسلم، اختلاف اللغات والثقافات والبلدان والظروف، من غير أن يضع حاجزا امام حالة ما، او يعمد الى هدر فرصة، مهما كانت ضعيفة، محاولا الانسياب بشفافية ومرونة عبر الظروف والأقدار المرسومة/ المتاحة في طريقه..

ومن غير أن يضع شروطا مسبقة، أو يتدخّل في النتائج، عبر استعجال الحكم فيها. لم يتذمّر أمام الصعوبات، ولم يتمادَ في الفرص المتاحة.

فكان يبدو سعيدا/ محظوظا مرة، وتعيسا/ منكودا في مرة. ولكن النتيجة الحقيقية تبقى في ما تؤول اليه نهاية الرحلة. ولكن هل هي نهاية البحث، أم ثمّة أفق لرحلة جديدة، وحلم آخر؟!..

 

رواية (سنكسارا) هي الاولى للكاتب والشاعر وديع العبيدي، بعد رحلة أربعة عقود من الكتابة، أصدر خلالها اكثر من عشر مجاميع شعرية وثلاث مجاميع قصصية وأربعة كتب نقدية.

في انتظار اصداراته الجديدة!.

 

 

 رواية سنكسارا.. لوديع العبيدي

دار حروف منثورة للنشر الإلكترونى- القاهرة/ 2016م.

يقع العمل فى 188 صفحة. وقد صمّم الغلاف وأشرف على اخراجه الاديب الروائي مروان محمد مدير دار حروف منثورة. وهذا هو العمل الأول الذى ينشره الكاتب مع الدار وهي رواية اجتماعية تعالج إشكالية اللقاء بشريك العمر المثالي وماهية العوامل الاجتماعية والبيئية والغيبية المحتمل تأثّرها في الموضوع، كل ذلك بأسلوب سردي تتداخل فيه الظروف العامة ودور الإنسان فى التوفيق بين حاجاته وقسوة الظروف.

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.