3

:: لامات يسوع.. ::

   
 

التاريخ : 31/12/2016

الكاتب : وديع العبيدي   عدد القراءات : 984

 


 

 

(1)

يسوع لم يؤسّس ديانة..!

 

يسوع ونحن، ضحايا الفكر الديني الذي أنتجه ثلة بشرية، لخدمة أغراضها الشريرة، والمخالفة للكلمة والمصلحة الإنسانية عامة.

الكلمة.. وهو اسم يسوع الاغريقي [Logos]، تشتمل على خمسة أحرف صائتة، أو أربعة من غير تكرار. وعن تلك الأحرف المعدودة قال يسوع: السماء والأرض يزولان، وحرف واحد لا يزول من الكلمة!.

اللفظ العبري/ الآرامي ليسوع، معناه (المخلص)، والخلاص معنى كان يتكرر في ثقافات شعوب وبلدان متعددة عبر الزمن. وربما اعتقدت بعض المجتمعات/ الثقافات بشخصيات أو رموز معينة باعتبارها (المخلص) القومي او العالمي، وعمل بعض الملوك والأباطرة على توظيف تلك الفكرة، لتوسيع ممالكهم وبسط نفوذهم وثقافاتهم في الارض. ومنهم سرجون الاكدي ونبوخذ ناصر اللذين منحا نفسيهما لقب (ملك الجهات الأربعة) والاسكندر المقدوني/ العظيم الذي جمع العالم تحت نفوذه في القرن الثالث قبل الميلاد، وسعى أباطرة روما وبيزنطة الى تقليده واستحياء مشروعه بلا طائل، وليس آخرَ، كانت تلك الفكرة [الخلاصية/ التحريرية] الشعار الذي تبارت به القوى الرأسمالية الكولونيالية الامبريالية في العصر الحديث، ولما زال يداعب الانكلو اميركان على أعتاب القرن الواحد والعشرين.

فات أولئك جميعا، الفكر السياسي والديني، من قبل ومن بعد، ان يسوع الجليلي، لم يحمل سلاحا، ولم يؤسّس حزبا أو دينا أو مملكة، ولا زعم نفسه ملكا أو نبيا أو كليريكا [رجل دين/ كاهن].

فأين هو مكان كل من المجمتع الديني والسياسي، المختلفين/ المتناحرين شكلا، والمتفقين المتحدين جوهرا وباطنا، بصفة التسلط الامبريالي الذي هو هدفهما ومشروعهما الواحد والأخير.

يسوع نفسه لم يأت ليتسلّط، وقال بحرفه: ابن الإنسان جاء ليخدم –فعل مضارع معلوم-، لا ليُخدَم –فعل مضارع مبني للمجهول-. وكل ساسة اليوم وكليركاته، جعلوا مراكزهم ووظائفهم –جاهة ووصاية- ليقوم –أولاد الخايبات- بخدمتهم والإنفاق عليهم، وتمويل ميزانياتهم ومرتباتهم الملوكية.

!

 

(2)

يسوع لم يؤلف كتابا..!

 

جابل الاذن، ألا يسمع؟..

صانع العين، ألا يبصر؟..

صانع الأشياء بكلمته، ألا يكتب؟؟..

من أسماء يسوع: (الكلمة)!.. الكلمة أصل كل شيء وأساسه. أصل اللغة وأساس الكتابة. ما من لغة بلا كلمة، وما من كتاب/ رسالة/ نصّ من غير كلمة. وعندما يتجسد الكلمة/ (يأخذ جسدا)، له صورة إنسان، فالحري به ان تكون اللغة والكتابة ابرز سماته.

الطفل في اول تعلمه الأبجدية يلثغ ويصوّت ويرغي بأشياء غير مفهومة.. وعندما يتعلم طفل الإنسان الكتابة، يشخط بيده على الحائط.. تحول الكلمة من صوت مجرد الى صورة، يعني انتقالها الى دائرة الفعل/ المادة المنظورة والمحسوسة والثابتة.

والكلمة -يسوع- كما جاء وصفه في عديد الثقافات والعقائد، كان احرى به ان يكون كاتبا مشهورا، فيلسوفا ألمعيّا، كتبُه تملأ مكتبات العالم، وأفكارُه تشغل القاصي والداني.. واسمُه لا يغيب عن لسان. انه هو، الكلمة!.

لكن يسوع لم يكتب. لم يكتب رسالة. لم يؤلف كتابا. وصفوه بالمعلم ولم يدخل مدرسة. لم يُنشئ مدرسة، ولم يجعل لها بابا وجدرانا، ولم يضع عليها مديرا وحارسا.

يسوع ظهر في زمن ومكان كانت الحضارة والمدنية والفلسفة والجامعات والمعارف قد بلغت ذروتها.. وكان يمكنه تعاطي اطراف ما كان في زمنه.

لكن يسوع لم يفعل.

فلماذا لم يفعل يسوع.. لماذا لم يكتب كتابا يكون دالة عليه، وسجلا لأقواله وأفكاره، تعاليمه ووصاياه؟.. أم أن غيره من أصحاب الكتب كانوا أقدر أم أحكم أم أفطن منه؟؟..

حرف (لم) يرد كثيرا في وصف يسوع.

الأسئلة اكثر من الأجوبة، في فهم شخصية يسوع.

من تنقصه القدرة او المعرفة او الحكمة او المادة او السلطة، يسعى اليها ويتباهى ويتفاخر ويتسلّط بها على سواه. ومن تجتمع لديه الإمكانيات يتواضع ويتّضع ويقول عن نفسه: (أنا دودة، لا إنسان!).

من يحتمل ان يوصف بانه (غير إنسان)!

أمران عملهما يسوع: التعليم ومساعدة الفقراء.

يجول ويعمل خيرا. ويمكن إعادة صياغة العبارة، يعلم ويعمل خيرا|!.

ثلاث مفردات لغوية هي كل سيرة يسوع.

لكنها مفردات شفاهية تناقلتها الألسن والقلوب والأذهان عبر الزمن. ولم يوصف بها شخص سواه.

*

في الأدبيات الدينية، ترد مفردتان ضمن أقوال يسوع: [انجيل، اكليكسيا]. وهما من اللغة الاغريقية، أولاهما تعنى: (فرح/ خبر سار)، والثانية تعني: (اجتماع/ ملتقى).

الانجيل اصبح –فيما بعد- اسما للكتاب الذي جُمعت فيه كتابات ورسائل تتحدث عن يسوع وتعاليمه وأعماله. أما اكليكسا، فدعيت اسما للمكان الذي يجتمع فيه اتباع يسوع لغرض التعلم والعبادة، والمعروف عربيا بالقليص/ الكنيسة.

لكن القارئ العابر – من غير تمحيص ومطابقة الزمن الثقافي- سيعتقد ان الانجيل/ الكتاب كان موجودا في زمن يسوع، وان (الكنيسة) كانت مكان اجتماع تلاميذه واتباعه.

الحقيقة الضائعة/ المغيبة، لا هاته، ولا تلك!..

يسوع لم يكتب كتابا، ويقول للناس (كتبت لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا)، ولا جعل غلافه مذهبا مزخرفا، لا يقربه المؤمن من غير طقوس طهارة وتخشع.

فمن أين جاءت هاته الكتب، في زمن لم يعرف الناس القراءة والكتابة؟.. أم انهم (يكتبون الكتاب بأيديهم، ويقولون هذا من عند الله)!..

يسوع كان اكبر من هذا وذاك، كان هو الكلمة.. حيث..

في البدء كان الكلمة.. الألف والياء.. البداية والنهاية..

الكائن الذي كان وسوف يكون!.

!

 

(3)

يسوع لم يؤسس كنيسة  حجرية ..!

 

"ها هنا..

من هو أعظم من الهيكل!"

"أما ترون هذه المباني كلها؟..

الحقّ اقول لكم:

لن يُترَك هنا

حجر فوق حجر

إلا ويُهدَم!.."

 

"فإنكم تبنون قبور الأنبياء،

وتزيّنون مدافن الأبرار

وتقولون لو عشنا في زمن آبائنا

لما شاركناهم في سفك الدماء

فبهذا تشهدون على أنفسكم

بأنكم أبناء قتلة،

فأكملوا ما بدأه آباؤكم

ليطفح الكيل!"

 

"ها ان بيتَكم يُترك لكم خرابا!..

وأنا اقول لكم:

انكم من الآن لن تروني!..

حتى تقولوا:

مبارك هو..

الآتي باسم الربّ!"

 

"وكان يسوع يتنقل في منطقة الجليل كلها،

يعلّم في المجامع،

وينادي ببشارة الخلاص،

ويشفي كل مرض وعلّة في الشعب.

فذاع صيته في سورية كلّها.

فحمل اليه الناس مرضاهم،

المعانين من الأمراض

والأوجاع على اختلافها.

والمسكونين بالشياطين،

والمصروعين، والمشلولين،

فشفاهم جميعا.

فتبعته جموعٌ كبيرة

من مناطق الجليل، والمدن العشر،

وأورشليم واليهودية،

وما وراء الأردن.

وإذ رأى جموع الناس،

صعد الى الجبل.

وما أن جلس،

حتى اقترب اليه تلاميذه،

فتكلم، وأخذ يعلم..!"

 

مع سنا النهار يخرج يسوع يوميا الى عمله.. يخرج الى الطرقات والأزقّة، حيث المارّة والفقراء والشغّيلة، يتحدّث اليهم، يراقب حركة حياتهم بعطف وتفهُّم، يشدُّ على أيديهم، يساعدهم، يداوي عِلَلَهم ويرفع عنهم النّير.

وينادي قائلا: تعالوا إليّ يا متعبين، ويا ثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم. ادْخلوا في نيري، فإني وديع ومتواضع القلب، حملي خفيف، ونيري هيّن!.

من الجليل صعودا الى صيدا وصور – في لبنان اليوم-..

ومن بحيرة الجليل الى المدن العشر ومنها الى أطراف دمشق سوريا..

ومن بحيرة الجليل عبر وادي الاردن الى حدود مؤاب – الأردن اليوم-..

ومن مؤاب عبر النهر الى أريحا ومنها شمالا الى أورشليم واليهودية..

ومن أورشليم شمالا عبر السامرة الى الجليل ثانية..

ان المسافة التي قطعها يسوع على قدميه وبجسد نحيل يمثل اربعة بلدان في خريطة سوريا اليوم، وقد قطع تلك المسافة، وسار ذلك الطريق اكثر من مرة خلال حياته القصيرة.

أين منه تجار الكليرك اليوم، الذين يصحون من النوم وفي أيديهم أجهزة الموبايل ومفتاح السيارة الملتصقة بباب بيته، وله مَرْكَنٌ خاصٌّ عند باب الكنيسة، فلا يمشي بضعَ خطوات حتى يدخل السيارة او يخرج منها..

وعلى مدى سنيّ سيرته الدينية ليس له رصيد محترم من الكيلومترات والأميال.. ميزةُ يسوع انه عانى وتألم، لكي يفهم ويتفهّم أحوال المعانين والمتألّمين، فتعامل معهم وجها لوجه، وليس عبر المكاتب والسكرتاريا والشاشات والفيس بوك..

على قدميه تجوّل يسوع في أرض سوريا الكبرى صعودا ونزولا، نزولا وصعودا، يتبعه بعض تلاميذه وزرافات من النساء والجموع، من مختلف القرى والقصبات والمدن والألوان.. ينصتون الى أقواله ويأنسون بصحبته، منقادين بالروح القدس، لا يتلفّتون وراءهم، ولا يأبهون لما ينتظرهم.

في تلك القرى والساحات والشوارع وجد يسوع المرضى والمشلولين والفقراء والمتعبين وشفاهم. ذهب يسوع الى الناس، وزار المرضى في البيوت والأروقة، ولم يتصدّر المجالس او يتسلّح وراء المكاتب البيروقراطية ويأمر خدامه: دعنا نبدأ العمل، اين هم المرضى والمحتاجين الى تعزية..

لم تكن ثمة سكرتاريا ولا ملءُ استمارات ولا بطاقة معلومات أو تزكية من فلان وعلان، أو تمييز على أساس اللون والطائفة والحزب والقومية..

لا يُذكر انه سأل أحدا عن اسمه أو جنسه او لغته أو بلده أو رصيده في البنك..

لم يجلس في مكان وينتظر ان يأتيه الناس، وانما وجد بينهم، واقترب منهم، لم يترفّع على أحد، وأنما تنازل وانحاز الى المهمّشين والمزدرين ومن يصفهم المجتمع بالخطاة والزانيات.. وكان يرد على مجادليه بالقول: الأصحاء لا يحتاجون الى طبيب!. من اجل الخراف الضالة أنا جئت!.

 

في داخل فلسطين اليوم وخارجها، كنائس كثيرة، مبتناة من حجر وآجرّ واسمنت وزجاج، تحمل اسم يسوع، ميلاده، معموديته، صلبه وقيامته وصعوده.. ومناسبات كثيرة محسوبة على سيرته.. ومثلها في سيناء وفي الطريق الى مصر.. رحلة العائلة المقدسة.. مجرد مؤسسات سياحية تجارية لاستدرار رأس المال والتعيُّش –اقتصاديا واجتماعيا- على اسم يسوع، ادّعاء اسم يسوع وتحويله الى قشرة خارجية.. من غير مضمون اجتماعي روحي إنساني حي..

بحسب الإحصاءات العامة، ثمّة ثلث البشرية من أتباع يسوع اليوم.. حقا؟؟..

كثيرة هي البلدان والمجتمعات والثقافات المنسوبة ليسوع، وباسمه ثمة آلاف الكنائس والطوائف والاتجاهات.. وجيشٌ عرمرمٌ من طبقات الكليرك، يسكنون البيوت الجميلة، التي لم يسكن مثلها يسوع، ويرتدون الثياب النظيفة البهية وغالية الثمن التي لم يرتدِ مثلها يسوع، ويمارسون أعمالهم في كنائس مقنّنة بلائحة تبيّن أوقات العمل والفتح والإغلاق وفي أيام محددة من الاسبوع.. كنائسُ لم يعرفها يسوع ولم يضع يده فيها أو عليها..

تساءل أحد الوعّاظ مرة، وكانت الكنيسة مزدحمة بالحضور: لو جاء يسوع الآن، فأين يكون مكانه؟..

لو جاء يسوع فإنه لن يدخل تحت سقف أيّما كنيسة، وانما سيبقى في الخارج. هناك كان دائما. ولد في العراء، وعاش في العراء، وأُعدم في العراء، ولم يسكن تحت سقف بناء. لقد كان قريبا من الفقراء والمعوزين والمرضى، وهناك سيكون دائما. كنائسُ اليوم مجهّزة بالكهرباء والخدمات البلدية، مزوّدة بشاشات سكرين كبيرة ومرتبطة بشبكة النت الدولية، تستلم وتبث مباشرة ما يجري بين جدرانها.. مسجلة في دائرة البلدية والداخلية والاوقاف، والعاملون فيها مسجلون لدى الحكومة، ويتقاضون رواتب أسوة ببقية الموظفين في المنشآت العامة. لكن هؤلاء لا يقومون بعمل انتاجي أو خدمي.

كل هذا لم يعرفه يسوع، من قريب ولا بعيد..

يوحنا ذهبي الفم بطرك بيزنطة في القرن الرابع، والذي وبّخ زوجة الامبراطور، ومنعها من دخول كنيسته للتناول، لاهتمامها بالثياب الفاخرة ومظاهر البذخ، ينسب له قوله: ان الكنائس تملأ الأرض، وهي حافلة بالناس، ولكنها من غير يسوع!..

الكنائس.. والميكا كنائس.. ولكن...!

أين هي المحبة الحقيقية؟...    

!

*

في عام سبع وستين حدثت حركة تمرُّد يهودية ضدَّ الرّومان، فقام الجيش الرّوماني بدك اورشليم وتقويض المعبد. وفي تلك الايام وصل يهود من بابل للزيارة، وعندما وجدوها أنقاضا وخرائب، قام بعض العامّة بالدّوران حول الأنقاض، باعتبارها بقية مسكن الله. لكن أحد الربيين وقف على جنب ولم يدر حول الأنقاض، قائلا: من اليوم سيكون المعبد في قلوبنا. نحمله معنا اينما نكون، مثلما حمل أجدادنا من قبل. وعلى يد ذلك الحاخام بدأت مرحلة روحية جديدة في تاريخ اليهودية..

اشارة الحاخام تلك كانت استعارة لقول يسوع: ملكوت الله في داخلكم.. الكنيسة الحقيقية والعبادة الحقيقية والصلة الحقيقية مع الذات العليا تكون في داخل قلب الإنسان وفي وعيه وضميره.. وعندما يكون الله/ الضمير في القلب، فإنه يتّصل وينعكس في فكر الإنسان ونفسه وشعوره وسلوكه..

عندها فقط يتجسد الإنسان السامي، المتماهي في الروح القدس، يتجسّد يسوع ويتكرّر في كل منا.. تتجسّد المحبة، وتمشي على الأرض، في صورة انسان!

 

الانجيل بحسب متى: متفرقة وبتصرف!. 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.