3

:: الثقافةُ وهْجُ غَداة يـتـطـلَّـب وهْجَ حـيـاة - أَزرار رقم 970 ::

   
 

التاريخ : 16/12/2016

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 1355

 


 

وصلني من "مؤَسسة الفكر العربي" التقريـرُ التاسع للتنمية الثقافية، صادرًا من أَبو ظبي وفيه مواقف ناصعة من الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة وتنمية المعرفة، ومن الأَمير خالد الفيصل رئيس "مؤسّسة الفكر العربيّ"، ومن مديرها العام البروفسور هنري العَويط.

       ولفتتني في كلماتهم مبادراتٌ نبيلة تؤَكّد "دعم العمل الثقافيّ وتطويره"، وأَنّ "تنمية الإِبداع الثقافيّ والفكريّ جزءٌ أَساسيّ في تنمية المجتمع، وعامل مُهمّ لتحقيق التقدُّم الاقتصاديّ والاجتماعيّ الناجح الـمُستدام بفضل الاهتمام بصناعات ثقافيّة وإِبداعيّة تقوم على الإِنتاج الفكريّ والثقافيّ"، ومن هنا "أَهمّية التخطيط الرشيد للتنمية الثقافيّة، فلن يتحقق نهوض الوطن وحتى السياسة فيه والاقتصاد إِلَّا عن طريق الثقافة بمعيارها الحقيقيّ"، وعوَض "التركيز على الثروات النفطيّة والازدهار الاقتصاديّ والنهضة العمرانيّة والاستقرار الأَمنيّ، يجب التخطيط لإِبراز ما يشهده الوطن من نشاطٍ ثقافيّ وحَرَاكٍ فكريّ".

       هذا المنحى الـبنَّـاء لاعتبار دور الثقافة رائدًا في بناء الوطن شعبًا ومؤسسات، يأْخذني إِلى أَهمية العناية التي تُوليها الدول للشأْن الثقافي وأَعلامه ونِتاجه الناصع في تخليد الوطن على خارطة العالم وفي ذاكرة التاريخ. فالثقافة مرآةٌ قابلة وعاكسة معًا: تتلقّى الخـيِّـر من نتاج أَبنائها وتعكسه على شعبها دلالةَ قيمةٍ للوطن: مستدامة غير آنية، ثابتة غير متحركة، راسخة غير دخيلة، مقيمة غير عابرة. لذا تولي الحكومات في العالم أَولويةً لوزارات الثقافة كواجهة للبلاد شعبًا ومبدعين، كي تصبح الثقافةُ نهجَ حياة. لذا توفّر لهذه الوزارات ما يؤَهِّلها أَن تفي بما عليها من دعم وتسهيل وتشجيع كي يتواصل نهر الإِبداع حاملًا ثمار الفكر والفن وخلاصات النتاج المعرفي. فاقتصاد المعرفة مورد مادي ومعنوي لتلك الدوَل في تأْمين بُنْية تحتية للعقل المبدع، ومناخ تشجيعي ميداني أَمامه لأَنه هو الـمُحرّك وهو الحركة. فما نفْع بُنْية تحتية فخمة مبهرجة مكْلفة ولا حركة إِبداع ولا اهتمام ولا وعي أَو توعية على نتاج الإِبداع الموضوعة أَمامه البنية التحتية والخدمات اللوجستية؟

       هذا هو دور وزارة الثقافة في كل بلد حين يعي "طابخو" الحكومات أَن حقيبة الثقافة سيادية ووازنة وأَساسية ورئيسية وخصوصًا خدماتية تخدُم حاضر الوطن ومستقبله ولا تَخدم الأَزلام والمحاسيب والطوائف والتيارات والكتَل السياسية، فجميهم زائلون وكلُّها زائل مع زوال العهد أَو الولاية أَو عُمر الحكومة.

       المعيار الأَول لحقيبة الثقافة: تخطيط الفعل الثقافي في برنامج يطرحه مثقَّف خبير، وعليه يستحقُّ أَن يتولَّاها فلا تكون، كما عندنا هذه الأَيام، تسكيرة حساب لكوتا سياسية، أَو جائزة ترضية لأَولياء العشيرة.

       الثقافةُ وَهْجُ غَداة يتطلَّب نَهْجَ حياة.

       كلُّ هذا الوهج المضيْءِ عندنا أَلا يستحقُّ نهجاً موازياً؟

***

 

      يتم نشرُ هذا المقال بالتزامن مع نشره في صحيفة النهار

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.