3

:: الانتخابات الأمريكية وفوز دونالد ترامب ::

   
 

التاريخ : 09/12/2016

الكاتب : مصطفى محمد غريب   عدد القراءات : 1288

 


 

إن الانتخابات الأمريكية تحصيل حاصل لما يجري في أكثرية الانتخابات الأمريكية لاختيار رئيس الجمهورية وتكاد أن تكون تقريباً بهدف التقاسم وإن تُجير بالصراع  والمناظرات التلفزيونية والإعلامية وضخ عشرات الملايين من الدولارات على الحملات الانتخابية بين حزبين كبيرين يمثلان الطبقة الرأسمالية العليا في الولايات الأمريكية المتحدة وهما قائمان على تأمين مصالح كل قسم منهم بدون أي شك أو أحلام فنتازية لدى البعض وتفاؤلهم أو تشاؤمهم بالتغيير في سياسة الإدارات الأمريكية التي تتمسك بجبروت قوتها العسكرية والمالية في المحافظة على مصالحها الثابتة ولن تحيد قيد أنملة عنها، والذين يتتبعون هذا الموضوع يتّفقون معنا عندما نستطلع الانتخابات الأمريكية السابقة وترشيح باراك اوباما، فقد استبشر السذج وغير السذَّج ممّن له علاقات حميمة مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب بشرته أو لأنه ينحدر من أب مسلم وكان رهان البعض بأنه سيكون نصيراً للعرب وللمسلمين ولجم عدوانية إسرائيل وسوف يُجري تغييراً في السياسة الأمريكية في قضايا عدة  منها القضيةُ الفلسطينية والكفُّ عن الدعم الأعمى للحكومات الإسرائيلية التي تحتل ليس الأراضي الفلسطينية بعد حرب 1967 فحسب بل حتى أراضٍ عربية، وفي حينها قلنا مثلما قلنا عند انتخاب بيل كلينتون الديمقراطي بدلاً عن ممثل الحزب الجمهوري رئيس الجمهورية حينذاك بوش الأب صاحب حرب 1990 ضد نظام صدام حسين واحتلاله دولة الكويت بأنّ لا بيل كلينتون ولا حزبه سيغير من سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في القضايا والعقد الثابتة في السياسة العليا للرأسمالية الأمريكية ومن يمثلها من الإدارات مهما كان الحزب الذي يستأثر بقيادتها والتحكم فيها إلا فيما يخصّ بعض القضايا الداخلية بهدف خدمة المصوّتين ومنها الرعايا الاجتماعية وقضايا بيع السلاح والسياسة النفطية وبعدها، والمتتبّع لعهد بيل كلينتون على الرغم من اتفاقية اوسلو ووجود تحرّك خجل للقضية الفلسطينية والدعاية لقيام الدولتين إلا أن الإدارة الأمريكية لم تفرط ولو بقيد أنملة في دعمها المنقطع النظير للسلطة الإسرائيلية العسكرية ودعمها بأحدث الأسلحة المتطورة وفي مقدمتها طائرات فانتوم الحديثة جداً أو دعم حكوماتها المتعاقبة، ولمجرد عودة الحزب الجمهوري وفوز بوش الابن بقت هذه السياسة على حالها حتى كانت الحرب على أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ثم حرب 2003 عام احتلال العراق وإسقاط نظام صدام الديكتاتوري ثم استمرار تداعيات السياسة الأمريكية بالارتباط بما تقتضي مصالح النظام الرأسمالي ومعاداة تطلعات الشعوب الهادفة للانعتاق من الاستعمار الاقتصادي والعولمة الرأسمالية، وكلنا على بينة منها ولا داعيَ إلى التكرار إنما التذكير بأن السياسة الأمريكية هي نفسها وان اختلفت ببعض التكتيكات الوقتية لكن الاستراتيجية والمصالح الثابتة لم يجر أي تغيير عليها، وبمجرد نجاح باراك اوباما "حسين" صاحب البشرة السوداء وممثل الحزب الديمقراطي حتى تعالت الأصوات وارتفعت التمنيات مبشرة بالتغيير والإصلاح ومواقف أكثر ايجابية في السياسة الخارجة وبخاصة الشرق الأوسط وإنهاء حقبة التّردّي في أوضاع المنطقة نحو نتائج ايجابية في اتخاذ مواقف سياسية أمريكية في العهد الثاني لانتخاب باراك اوباما، وشاركت العديد من وسائل الإعلام العربي في هذا التهريج حتى تلك التي تدعي أنها متضادة مع السياسة الأمريكية فقد كتب حينها في جريدة السفير اللبنانية "بصرف النظر عمّن سيقطن البيت الأبيض خلال السنوات الأربع المقبلة، فإن أمريكا اليوم ستكون مختلفة عن أمريكا الأمس" كيف ستكون مختلفة! وما هي المستلزمات التي تُثبت الرأي في الجريدة المذكورة في قضية التغيير؟ وكيف سينجح تعليل التداعيات المهمة بأنها "ستكون لها تداعيات مهمة على مجمل الأوضاع في العالم بشكل عام، وفي المنطقة العربية بشكل خاص، وهذا ما سينعكس على الملفات الحساسة، لاسيما ملفات سوريا وإيران وفلسطين ومصر... وغيرها"

كل ذلك ارتبط بتحقيق مصالحها لا غير وظلت السياسة الأمريكية كما خطط لها استراتيجياً وفق المصالح الأساسية وبقت الإدارات الأمريكية جمهورية أو ديمقراطية تنتهج سياسة محكمة في القضايا التي تعتبرها خطاً أحمرَ بعدم المساس، لا من قريب ولا من بعيد، بالسياسة الإسرائيلية المتبعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967 أو بناء وتوسع المستوطنات على حساب أراضي المواطنين الفلسطينيين أو القضايا الحقوقية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان أو فيما يخص احتلالها لأراضٍ عربية وبقت الإدارات الأمريكية تقف وتدعم العنجهية الإسرائيلية العدوانية وهي تقدم باستمرار دعماً لوجستياً منقطع النظير حتى على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين، ولم تتحسن لا سياسة الولايات المتحدة ولا وجه باراك اوباما وبقت تلك السياسة العدوانية ماثلة أمام الشعوب وبخاصة شعوب المنطقة وظلت ماثلة ما ارتكب من انتهاكات وتجاوزات على حقوق الإنسان، ويتذكر العالم لحدّ هذه اللحظة ما قام به الجنود الأمريكان بعد احتلال العراق بالضد من المواطنين وتصرفهم اللاقانوني خارقين كل المواثيق الدولية حتى بالنسبة للحرب، وعلى الرغم من بدء العدل التنازلي لرئاسة باراك اوباما فمازالت السياسة الأمريكية على الطريق نفسه وان اختلفت في بعض الأمور التكتيكية ولم تحدث تغيرات لا صغيرة ولا كبيرة بخصوص قضية الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ولا في قضايا أخرى مثل سوريا واليمن ولبنان، ثم هاهو العراق ماثلاً ومثالاً ساطعاً فبعد أن احتل ونصب عليه من نصب بفضل سياسة المحاصصة السيئة الصيت وإنهاء الاحتلال وخروج الجيش الأمريكي كما تعهد باراك اوباما من الباب عاد الجيش الأمريكي وفي عهده بالذات من الشباك (أكثر من 5 آلاف جندي في العراق وغيرهم ثم تأكيد وزير الدفاع  الأمريكي آشتون كارتر والبنتاغون على بقاء الجيش الأمريكي وحلفائه الدوليين في العراق حتى بعد هزيمة تنظيم "داعش" تحت ستار المستشارين والمدربين لدعم القوات المسلحة العراقية التي تحارب داعش الإرهاب، وهذا يؤكد أن لا انتخاب بيل كلنتون ولا انتخاب بوش الابن ولا انتخاب باراك اوباما حصلت تغيرات حقيقية نوعية وكبيرة على السياسة الأمريكية.

ها نحن نشهد نتائج الانتخابات الأمريكية  والصراع الذي جرى على دفّة الرئاسة بين الملياردير دونالد ترامب الذي أصبح مرشّحاً للحزب الجمهوري وبين مرشحة الديمقراطيين هيلاري كيلنتون ثم إعلان فوز دونالد ترامب وقد عادت الروايات والتوقعات المعتمدة على المصالح والارتباطات إلى إطلاق الاستنتاجات، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فها هو الحديث عن التغيير يعود وكأن كل الوعود التي أطلقتها الإدارات الأمريكية في العهدين الجمهوري والديمقراطي قد حُققت وبقيت الوعود الجديدة بوصول دونالد ترامب المتناقض في تصريحاته وتصريحاته النارية التي خلقت ضجة على ما يؤول عليه، وهناك من تفاجأ بفوزه بسبب ملياراته ونشاطاته حتى كنجم من نجوم تلفزيون الواقع ومسابقات ملكة الجمال ناسياً أن رونالد ريغان، المعلق الرياضي والممثل غير المشهور، أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وكان أفضل ما لديه نزعته لسباق التسلُّح وعدائه لحركات التحرر والشيوعية كعهد مكارثي المعروف، ولكن أن يلجَ دونالد ترامب البيت الأبيض رئيساً لأقوى دولة في العالم وهو لا يملك ذلك التاريخ والخبرة السياسية حسب الكثير من المحللين السياسيين داخل الولايات المتحدة وخارجها فقد خلق ردود فعل سلبية حتى بالنسبة لتصريحاته المتناقضة والعدائية أحياناً ضد الأقليات وبخاصة المسلمين والمكسيكيين والمهاجرين وغيرهم، إضافة إلى تصريحاته المتضاربة بخصوص قضية الشرق الأوسط والاتفاق النووي مع إيران والكثير من التصريحات الأخرى لسنا بصدد عَدِّها أو تحليل تناقضها أو التشكيك بمدى الالتزام بها لكنها والحقيقة تقال تكاد تشابة مع من كانوا قبله من الرؤساء، ومثلما قلنا فقط الاختلاف في الجزئيات الممكن التساوم عليها أو حتى عدم تنفيذها كما حصل في السابق.

إن انتخاب دونالد ترامب والضجة التي رافقت نشاطاته وتصريحاته الإعلامية جعلته فريداً في السياسة الأمريكية وصور وكأنه معجزة يختلف عما سبقوه إلا أن الأمر لا يُعَدُّ معجزة ولا هم يحزنون فهذا الرجل سيكون في البيت الأبيض وإذا ما تجاوز الخطوط الحمراء فعند ذاك وهناك من سيقوم بلجمه وإعادته إلى جادة الصواب التي تخدم مصالح الرأسمال وسياسة الولايات المتحدة المعروفة بان تكون القطب الواحد لقيادة النظام الرأسمالي العالمي على الرغم من التناقضات التي تعصف داخليا بالاقتصاد وتعصف في هذا العالم وفي مقدمتها قضايا البيئة والعولمة الرأسمالية وحرية الشعوب وحقوق المواطنين وقضايا البطالة وإشعال الحروب من اجل تصدير السلاح والاستمرار في تطوير وسائل الدمار الهائلة في مقدمتها السلاح النووي.. للعلم ولكل من يتصور أن هناك تغييراً حقيقياً في السياسة الأمريكية بالمعجزة الجديدة فان تصوره سيكون مجرد "نِكاتيف Negative" أي عكس للصورة.

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.