3

:: العملية السياسية وبناء الدولة المدنية في العراق ::

   
 

التاريخ : 02/12/2016

الكاتب : مصطفى محمد غريب   عدد القراءات : 1305

 


 

منذ أن أُحتل العراق وأُسقط النظام توجهت الأنظار نحو قيام الدولة المدنية الديمقراطية، وراود الملايين أمل إنهاء حقبة طويلة من حكم الأنظمة القمعية المعادية للديمقراطية والانتقال إلى الاستقرار والبناء وانتعاش للاقتصاد الوطني والتخلص من شبح الحروب الداخلية والحروب الخارجية، هذا الأمل على ما يظهر لم يتحقق إلى الآن وربما إذا ما تغيرت الأوضاع، وهي صعبة، سوف يحتاج لفترات طويلة نسبياً وهذا مرهون بالعقلية السياسية للقوى المتفذة وبخاصة في التحالف الوطني الشيعي كما انه ينجر على القوى الأخرى التي تشارك في السلطة ولها أعضاء في الحكومة، لكن ذلك أيضاً سيبقى مرهوناً بقدرة القوى الوطنية والديمقراطية والجماهير على التغيير والسير نحو إصلاح العملية السياسية وإعادة تأهيل المؤسسات الحكومية والأمنية بروح المواطنة وتحقيق التوجه الوطني الديمقراطي لخلق مستلزمات بناء الدولة المدنية، هذا الأمل الذي كان يراود أكثرية الشعب العراقي اصطدم منذ البداية بعدة مشاريع ومفاهيم لإقامة دولة ذات نهج يخدم مصالح أصحاب المشاريع التي كانت مطروحة بشكل سري لكن بعضها خضع  لمساعٍ وأعمالَ آنيةٍ وتخطيطٍ مستقبلي لكي يتحقق نجاح البعض من هذه المشاريع على الساحة، واعتبر مشروع بناء الدولة الدينية ذات التوجه الطائفي  كبداية وما زال هدف البعض منهم، وقد اشتغل القائمون من اجل تحقيق هذا المشروع  ووظفوا جُلَّ إمكانياتهم ودعمهم لجلاوزتهم وأتباعهم بالقيام بأعمال فيها الكثير من التعدي والتجاوز على حقوق الناس إضافة إلى ما قاموا به من أعمال رحلوها على الدين وشرعيته، مثل فرض الحجاب بما فيه الجادور الإيراني ومحاربة السفور وقضايا الزينة والفن والثقافة ودور العرض السينمائية والمسرح...الخ، من التجاوزات على حقوق الإنسان الشخصية، إلا أن هذا المشروع بدأ بالتراجع بسبب مقاومة المواطنين ورفضهم لمثل هذه التجاوزات بما فيها استخدام ميليشيات مسلحة للاعتداء وإرهاب المواطنين باتهامات معروفة مثل الكفر والزندقة وقضايا التطاحن الطائفي والتمييز بين المواطنين، المشروع الآخر الذي كان نصب عيون الذين يريدون العودة لمركزية الدولة وبالضد من الدولة الاتحادية المدنية كانت جاهزيتهم اقل من الأول ولم يحظوا بالتأييد الوسع لأسباب كثيرة منها تجربة حقبة الدولة المركزية أثناء الملكية والعهد الجمهوري الأول وبالتالي تجربة دولة الحزب الواحد الشمولية التي تمثلت بحكم حزب البعث وامتدت حوالي 35 عاماً وما نتج من كوارث وحروب وإلغاء الحقوق... كما أن المشاريع الأخرى بما فيها المشروع الأمريكي الذي بدأ بتشكيل مجلس الحكم باءت جميعها تقريباً بالفشل، إلا المشروع الوطني الديمقراطي الذي طرحه الحزب الشيوعي العراقي ونشر في يوم 11/11/ 2014  هو انضج وأفضل مشروع عالج قضية بناء الدولة المدنية الاتحادية على أسس ديمقراطية ولم يُستثنَ أيُّ طرف من الأطراف السياسية المشاركة في العملية السياسية، وكان المشروع عبارة عن مبادرة مسؤولة لإنقاذ البلاد من الأوضاع الناتجة عن المحاصصة الطائفية  والأزمة الشاملة وما ترتب من فواجع وكوارث ما بعد حقبة الاحتلال وتشكيل الحكومات العراقية وفق المحاصصة الطائفية والحزبية والقومية الضيقة، ولقد أكدت ورقة المشروع على (21) مادة تناولت بشكل تفصيلي وموضوعي أسس بناء إقامة الدولة المدنية التي من ابرز معالمها التخلص من المحاصصة "وفقاً للقواعد السياسية الديمقراطية، التي يحتكم فيها الجميع إلى القواعد الدستورية التي يقرها الشعب العراقي، وفقاً لقواعد الديمقراطية الدستورية، والتي تمنح السلطة التنفيذية أصول وقواعد إدارة مؤسسات الدولة". وأشارت الورقة على أن "نجاح تلك التجربة أو فشلها قضيــة مصيرية يتوقف عليها الكثير، سـواء بالنسبة لكيفية إدارة مؤسسات الدولة، أو لتحقيق مصلحة الإنسان العراقي، ووحدة تراب الوطن، وفي النهاية مستقبل العراق كل العراق، بغض النظر عن المناطق والأقاليم والمحافظات". لقد ظهرت بالفعل ورقة المشروع عبارة عن برنامج شامل وواقعي للخلاص من الأزمة المستعصية فضلاً عما كانت تبشره بعراق وطني وتجنبه المشاكل والنكبات التي حدثت بظهور داعش واحتلال ثلث البلاد والحرب الدائرة المستعرة التي نالت من الشعب العراقي وكلفته خسائر لا تقدر بثمن إن كانت البشرية منها أو المادية والتي كان بالامكان تجاوزها لو التزمت القوى السياسية المتنفذة صاحبة القرار بالاستفادة من المشروع الوطني الديمقراطي وتفادت والبلاد من الأزمات الاقتصادية والمعيشية وتوجهت للبناء الهادف إلى الإصلاح الشامل والمصالحة الحقة، ومن نتائج هذه الحرب الضروس مع داعش الإرهاب وغيره ولا تذكر أية بيانات رسمية عن أعداد الضحايا حتى من المدنيين بينما تشير مصادر مستقلة وحيادية نسبيا أن الأعداد مهولة حتى أن البعض منها أشار في وسائل الإعلام "حول امتلاء مقبرة السلام في النجف"، وكالعادة لم تستفد أكثرية القوى السياسية صاحبة القرار من الفرص المتأتية للحلول وركب البعض منها رأسه وبخاصة ائتلاف دولة القانون والبعض في التحالف الوطني إضافة للقوى المتربّصة بالعملية السياسية التي لا تؤمن بها لكنها تستغلّها لمآربَ معروفة، وفي آخر المطاف فقد أشار المشروع الوطني الديمقراطي الآنف الذكر في آخر بنوده 21 "لقد حان الوقت لقيام جبهة الشعب العراقي الموحدة والتفكير الجدي بإعادة توحيد الهدف السامي من اجل بناء عراق موحد ووضع الأسس السليمة والكفيلة بالانتقال إلى نظام مؤسساتي في دولة المؤسسات لضمان حقوق الإنسان والعيش الكريم الحر لكل إنسان عراقي بغض النظر عن انتمائه العرقي أو الديني أو المذهبي.؟"

واليوم ونحن نجابه مرحلة مُرّة وخطرة وأوضاعاً مأساوية على كافة الصعد ولقضية الهاربين والنازحين والعيش في المخيمات البائسة، وما جرى ويجري في المحافظات التي سلمت إلى داعش فضلاً عن الأوضاع المتردية في مناطق البلاد الأخرى والأزمات التي تعصف بما فيها الأزمة داخل الإقليم والعلاقة المربكة خارجياً مع الحكومة المركزية، يحق لنا أن نشير حول تشريع قانون الحشد الشعبي بهذه الصيغة وبدون المراجعة والتفاهم سوف يعقد الأوضاع ولن يسهلها كما يعتقد البعض، ومن المفروض أن تعلن المرجعية الدينية الشيعية والسيد علي السيستاني مع احترامنا بالذات موقفاً توضيحياً بالفرق ما بين معنى الفتوى بالجهاد الكفائي وبين ما آلت الحال عليه من استغلال للفتوى لتكوين هذا التجمع العسكري الطائفي وحمايته وعدم جعله تحت طائلة القانون والمحاسبة، وقد نشأ اعتقاد عن ذلك بأن السكوت "علامة الرضى!" مما يجعل الوضع أكثر انقساماً ويبشر بمخاطر جمّة بعد انتهاء الحرب مع داعش الإرهاب.. 

لقد أكدنا في مقال سابق أنهم سوف يصوتون على القانون ولاسيما التحالف الوطني الشيعي وهذا ما حصل فعلاً لكننا في الوقت نفسه نتساءل ــــ لماذا هذا التسرع في تمرير القانون المذكور وهم يستطيعون  تمريره في أي وقت لأنهم الأكثرية؟ ــــ ولماذا لم يجر تعديل القانون ليشمل جميع المكونات ويعتمد على روح المواطنة العراقية؟ ــــ ولماذا ارتبط ذلك مع تهلل إيران فرحاً بصدور القانون ودمج الميليشيات الموالية بالقوات المسلحة العراقية؟..  وقد ظهر في العديد من تصريحات مسؤولين إيرانيين كبار؟ أما حامد الجزائري قائد اللواء 18 بالحشد الشعبي فقد أكد  لوكالة (ميزان) التابعة للحكومة الإيرانية أن "قادة الحشد الشعبي تربّوا في أحضان النظام الإيراني" وأضاف مشددا أن ميليشيات الحشد الشعبي تعتبر نفسها "تابعة لدولة ولاية الفقيه التي لا تعترف بالحدود!" ولم ينس الجزائري ما تردّد بشكل علني ونقلته وكالات ووسائل الإعلام "إن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، فوّض الجنرال الإيراني قاسم سليماني كافة الصلاحيات، وأن "الحشد الشعبي يعتبر قاسم سليماني مندوبا لخامنئي في العراق" ثم أضاف أن "قوات من الحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني، تتواجد في محافظة كربلاء في الصحراء الحدودية بين العراق والسعودية ولكن "ليس بشكل مكثّف"، على حدّ تعبيره.

 

إن المخاطر التي تحيط بالعملية السياسية وبالوضع العراقي أصبحت أكثر مما كانت عليه خطورةً، ونُذكر أن نهاية داعش عسكرياً لا يعني إنهاء المشكلة وسوف ترون، لأن الاستقرار السياسي والإصلاح والمصالحة الحقيقية هم الأهم والمفتاح لحل العقد التي ترتبت عليها السياسات الخاطئة وسياسات لوي الأذرع بالقوة في مقدمتها التهديد بالميليشيات، نعتقد أن الوقت لم ينته وهناك متسع من الوقت للتراجع واتخاذ الطريق السليم لأن العراق بحاجة إلى سياسة رشيدة ووطنية وليس للحلول العسكرية، دائما نحذر من اجل المصلحة العامة ولطالما كانت تحذيراتنا تريد دفع الأذى عن الوطن ومن اجل خير الشعب ووحدته الوطنية لكن لشديد الأسف الأذان بقت مغلقة ولا نعرف إذا كان الوقت الذي ينذر بالإخطار سوف يجعل الآذان تسمع وتتفاعل النفوس وتعمل من اجل الإنقاذ!.

 

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.