3

:: محمود الريماوي- عن الفرد والمكان الوجودي ::

   
 

التاريخ : 31/10/2016

الكاتب : وديع العبيدي   عدد القراءات : 1097

 


 

 

في مجموعته القصصية (سحابة من عصافير)، المشتملة على تسع عشرة قصة قصيرة وقصيرة جدا، يحدد الكاتب الاردني محمود الريماوي جملة مداليل رئيسة، هي:

الراوي هو الشخصية الرئيسة في جميع القصص، سواء بشخصه او ادارته عجلة السرد.

مركزية المكان كقيمة فكرية وجودية وتربوية، واضحة في جميع القصص.

مركزية الموت كقيمة ودالة وجودية، تحدد اتجاه ومعنى الحياة، ترددت في حوالي نصف القصص.

وظيفة القصة تسجيل وتوثيق حيثيات المكان الاجتماعي، كوثيقة ادبية تاريخية ذات مغزى وجودي اجتماعي.

القصة من الناحية الفنية، هي لقطة/ لحظة يومية مفردة بسيطة، يسلط الكاتب الضوء عليها من زوايا عدة، معتمدا على المعالجة الفكرية، أكثر من تراكم الاحداث والتشتت عن بؤرة الحدث/ الفكرة.

ثقافة الكاتب وشخصيته لها اهمية كبيرة لبناء النص الناجح.

النص السردي يعكس الخصائص الشخصية للمؤلف، كما يحمل لمساته الفنية.

 

شخصية الراوي..

رجل – كما يكشف سياق السرد-، في حوالي الخمسين من عمره/(ص6، 59)، ويبلغ السادسة والستين في (من يموت اولا)/(ص81) الاكثر تمثيلا لشخصيته، حيث.. "ليس له عمل في النهار يستنزف طاقته، فهناك ساعات طويلة ينفقها في القراءة والكتابة، والاصغاء لاخبار الراديو والتلفزيون، والتأمل المستمر في احوال العمر والزمن. ولما كانت اسباب الاثارة قد انقطعت في حياته، ولم يعد هناك متسع لصداقات يومية، فقد وجد في لعب الورق سلوى مناسبة. تقليدية؟ نعم، لكن من قال ان حياتنا ليست تقليدية وبليدة في جوانبها الاساسية."/(ص82).

ورد اسمه (محمود) في قصة (قوة المحو)/(ص65)، يكون فيها كاتبا قصصيا، وهو (محمد يوسف) في (الاول والثاني)/(ص59) حيث يبدو شخصا معروفا عبر وسائل الاعلام، قضى زمنا خارج بلده، ويلتقي زميلا قديما يعمل على تجاهله. وفي قصة (من يموت اولا) يظهر باسم (رسمي)/(80).

"خلال عشرين عاما مضت، طوّف (رسمي) في بلدان شتى، وأقام في بيروت والقاهرة وبرلين بضع سنوات، وذلك لأسباب سياسية ومهنية تتعلق بعمله الاذاعي السابق."/(ص82).

المهنة الاشهر في المجموعة هي: شخصية الموظف الرئيسة في قصتي [الكنز/ ص45، ونعاس/ ص13]، والثانوية في قصص [حبات السبحة/ ص5، سحابة من عصافير/ص49، من يموت اولا/ص79، يوم منسي في حياة حمورابي/ص89].

والواضح من السياق ان الشخصية الرئيسة/ الراوي هو موظف متقاعد. وفي حديثه عن -المسبحة- "لقد عدت ببعضها من اسفاري الى مصر واليمن."/(ص7)، يعني ان عمله الاعلامي كان يتيح له زيارة بلدان اخرى، يمكن الاضافة اليها كلا من تونس وتركيا وغرب الاردن، من مواقع قصص المجموعة.

وفي العموم يشكل المتقاعدون ابطال وجمهور المجموعة، كناية عن زمان يجرّ أذياله الصفراء، فيما تشكل (المقهى) التقليدية معقلا أخيرا تقليديا من الماضي.

 

شخصية المكان..

المكان الرئيس للقصص هو: الاردن/(ص5)، العاصمة عمان/ وسط البلد/(ص82)، أما هوية المكان فهي المقهى، كما هي في قصتي [حبات المسبحة، من يموت اولا]. "لانه يحب ويتعلق بوسط البلد منذ اكثر من خمسين عاما، فليس غريبا ان يتعلق بمقاهيها، فهي من اكثر الاماكن التي يشعر المرء فيها بالراحة، ومن اقل الاماكن التي لا يشكو فيها من الوحدة حتى لو كان بمفرده."/(ص82).

فالمقهى هنا مكان نفسي/ وجودي/(أ) راسخ في طبقات لاوعي الفرد -رغما عنه-، يأنسه ويشعر فيه بالالفة، حتى لو كان لمفرده. لكنه ايضا –مكان اجتماعي- بجدارة عبر عمران الحركة الدائبة ومعالم الحياة المتدفقة في كل اتجاه. ففي عالم المقهى.. "يسعه تبادل التحيات واحيانا الاحاديث، وحتى التعرف على الاخرين، وعقد صداقات مع صاحب المقهى والنادلين الاردنيين منهم والمصريين."/(ص82).

ومن مستلزمات المكان الاجتماعي وشروطه التمتع بالاحترام وامتياز صيانة الحقوق والواجبات الاساسية/(ب)، عبر التردد المتصل على المكان وانعقاد صلة نفسية فيزيولوجية مع رواده ومعالمه وخصوصياته، حيث "يكفي حمل جريدة مثلا، حتى ينال الزبون الاحترام –(المميز)- الذي يتوق اليه، في مكان لا يخلو من شبه الاميين."/(ص82).

 والمكان ايضا دالة جغرافية/(ج)، يشكل بؤرة تتسع على شكل دوائر موجية، او خطوط طولية وعرضية متقاطعة، يسمونها – شوارع- تقسم المدينة الى قطاعات واحياء. ويحتل الشارع الرئيس لوسط البلد دور البوصلة في خريطة الدوال الجغرافية للعاصمة، وهو مركز المقاهي الاكثر شهرة وغليانا. وفي ذلك الشارع الرئيس/ شارع الحسين، تدور فكرة واحداث قصة: شاهد عيان/(41).

ولا تقل حفاوة المؤلف بالشارع عن حفاوته بالمقهى.. "في ساعة ازدحام قبل الغروب، في يوم الخميس الذي يسبق يوم العطلة، وحيث تجتذب ارصفة الشارع التجاري اعدادا غفيرة من المشاة والمتنزهين والمتسكعين، وممن يقصدون الشارع الشهير بغية الشراء، بعدما بات التسوق متعة الزمان الجديد."/(ص41).

والشارع وحركته هو الشخصية الرئيسة في قصص: شاهد عيان/(ص41)، ساعة رقص في استامبول/(ص73)، وقصة الاول والثاني/(ص57). فيما يشكل الشارع شخصية ثانوية في قصص: سحابة من عصافير/(49)، ويوم منسي في حياة حمورابي/(ص89).

"ما ان عاد الى عمان حتى هاج في داخله حبه الاول لاسواق البلد، والمشي في شوارعها وازقتها/(دخلاتها- حسب التعبير الشائع)، وتحسس نبض الحياة في زحامها، مع اختلاط الاصوات والروائح ودعوات الباعة لتذوق أطعمة المأكولات والمشروبات، وكذلك مطالعة الصفحات الاولى للصحف المفرودة امام أعين القارئين الفضوليين."/(ص82)

الدالة الثالثة للمكان في المجموعة – بعد المقهى والشارع- هي المطعم، موضوع قصة المطعم/(ص23)، ويوم منسي في حياة حمورابي/(ص89).

ويمثل الفندق دالة المكان الرابعة في المجموعة: قصة سحابة من عصافير التي منحت المجموعة اسمها.

واحتلت (حديقة الحيوان) المرتبة الخامسة ضمن دوال المكان، وهي الشخصية الرئيسة لقصة ليليان ودليلة/(61)، وهي القصة الرمزية الوحيدة في المجموعة. وتدور حول قردين غليظي الطباع وغريبي الشكل يحدثان فوضى في الحديقة، وتنتهي باعادتهما من حيث اتيا."لقد اطلق عليها حارس الحديقة، نقلا عن بعض الرواد اسم "دليلة". اما الذكر فلم يطلقوا عليه اسم (شمشون)، بل اسم ليليان.. ليليان، أي من الليل.. لأن طباعه كالليل."/(ص61).

"لم تلبث اقامتهما في الحديقة سوى بضعة اسابيع، على انها كانت فترة طويلة على الحراس والمروضين وبقية العاملين.- اخطأنا في قبول الهدية من احدى المنظمات،.. كان من الخطأ قبولهما في الاصل-. قال ذلك احد الجراس، مشددا على ان القرود، لطيفة ولا تناصب البشر العداء، كما هي حال هذين المخلوقين. وتهكم حارس اخر بالقول: انهما يسيئان الى سمعة القرود!. وبينما كان يتم نقلهما ذات صباح الى المحجر الصحي، تمهيدا لاتخاذ قرار بشأنهما،....أما الطبيب البيطري الكهل،...، فلم يتردد في القول امام شكوى العاملين في الحديقة، بأن ليس لأحد أن يفاجأ بفساد هذين المخلوقين، فثمة بشر بيننا أو حولنا، يتصفون بهذه الاخلاق وما هو أسوأ منها!."/ (ص63)

 هاته الدوالّ المكانية الخمسة، هي نقاط اجتماع البشر والكثافة السكانية، الى جانب كونها نقاط تسلية وتزجية وقت الفراغ لمختلف الاعمار والفئات. وفي لغة السوق هي مراكز استهلاكية وترفيهية. لكن التسوق، وهو الغرض الضروري الاوحد للمعيشة، "بات متعة الزمان الجديد"/(ص41) لا غير، أي متعة استهلاكية.

فكرة الاكتظاظ السكاني هي خلاف فكرة التوحد والعزلة التي يعاني منها الفرد المغترب في مجتمعه وبين اهله بحسب التعريف الوجودي. بعبارة اخرى، ان مناطق الاكتظاظ هي الملجأ الاجتماعي، كما سبق في تعريف صلة البطل بالمقهى، أي انها دالة هروب الافراد من الشعور بالوحدة والغربة والتهميش التي يراكمها التطور التكنولوجي والنظام العالمي القسري، دون مراعاة الخصائص المحلية والمستلزمات الاساسية للبيئات غير الغربية والبعيدة عن مراكز انتاج الافكار والسياسات.

وقد يبدو غريبا -لوهلة- غياب ثيمة المدينة بين اماكن القصص. والواقع غير هذا. بدلالة: عمان واستامبول وتونس العاصمة. اضافة الى كون المقهى والشارع والمطعم والفندق والسوق تفاصيل داخلية للمدينة. لكن ذلك كله لا يبرر تمويه صورة المدينة ودفعها الى ظل الهامش. تبقى المدينة الثيمة الاساسية عبر علاقتها/ مسؤوليتها عن تبديدها خصائص الالفة والحميمية المعتادة والاستسلام لعوامل الغربة والتغرب والتغريب المنعكس على الفرد في صورة التوحد والاغتراب الذي يسم كلا من [رسمي، محمد ييوسف، الموظف في قصص: الكنز ونعاس وحمورابي]. وأمام الغزو المتعسف للتحولات الجبرية، يعمل الفرد المغترب على الالتصاق بآخر ملمح للماضي. ومن اجل خيط الحميمية الاخير في جسد المدينة، وغياب البديل أو الاصل الروحي/(أريحا) يعتز ببقية المدينة مثل سجل ذكرياته.

ان المدينة – بحسب الكاتب- كثيمة نفسية وجودية، تقبع في الماضي. ماضي الشخصية وباطن لا وعيها المطمور رغما. تلك المدينة الروحية الوجودية المغيبة هي المعنية في قصص: ارض الله/(ص11)، الشجرة تبتئس/(ص15)، الاشجار تمشي/(ص17)، الشجرة تطير/(ص21). تلك المدينة هي (اريحا) – مدينته الاولى. "حين تناهى الى سمع الصغير، صوت ابيه وهو يجادل تاجرا لشراء قطعة ارض من هذا الاخير، فان الصغير ابن السادسة لم يدرك ما سمع، بل انه لم يصدقه (....) فكيف للارض التي يمشي عليها الناس وتدب فوقها الحيوانات، وتعبرها السيارات والدراجات ان تباع. كيف للتراب الذي لا يساوي شيئا، لانه تراب، ان يباع ويشترى؟"/(ص11).

"وما ان تقدم به العمر، وامكنه لاول مرة، وبشق النفس، شراء قطعة ارض صغيرة، اصغر بكثير من تلك التي اشتراها ابوه قبل خمسين عاما، في مدينته الاولى (اريحا)."/(ص12).

"الاب.. يصحب اسرته الصغيرة في سيارة مستأجرة لزيارة قريته، بعد ان حاز اذن الدخول من المحتلين لزيارة وطنه."/(ص20).

فالاغتراب في المجموعة له مغزى سياسي وجودي سابق، توفر على منشطات اضافية داعمة عبر انعكاسات تيار العولمة، وتشاء الصدف، ان يكون مصدر الاثنين واحدا، ممثلا في الهيمنة الغربية.

المدينة والمقهى والمراكز المزدحمة، مع افكار الموت والاغتراب تذكر بأجواء البير كامو في رواية (الغريب)، واجواء فؤاد التكرلي الروائية عامة. وشكلت المدن ثيمة رئيسة في قصص الراحلين القاص مهدي علي الراضي والشاعر كمال سبتي.

 

مركزية الموت..

الموت هو الثيمة المركزية في المجموعة، والمنسجمة عادة مع التقدم في العمر والتقاعد من العمل والتسلي بحياة المقهى والتجوال بين الاسواق، المتمثلة بسكان هذه المجموعة. لا تظهر هنا قيمة ايجابية للعمل الذي لا يتعدى غرضه تأمين مستلزمات المعيشة والحياة الاساسية.

ولا أثر للبحث العلمي او العمل الفكري، اما العمل الادبي، فغرضه الشهرة والجاه/(قوة المحو)، وهذا ينتهي مع بلوغ سن اليأس والتقاعد.

الموت ليس محايدا. ليس ثيمة اجتماعية محايدة او مادة فكرية مجردة، وانما قيمته تنبع من حميميته وشدة التصاقه بذات الفرد وعواطفه، ناهيك عن كونه سؤالا عقليا وجوديا مستعصيا على الزمن.

فحيثما ورد، يحمل تلك الخصوصية النفسية كما في قصة: اليوم الاخير/(35) حول موت الام. وموت الاب في (كأنه من حرير)/(ص33). وهو يأخذ صيغة سؤال: من يموت أولا؟/(ص79)، لا يخلو من السخرية المبطنة حول الموت/ الهزيمة في لعب الورق. ويلتبس الموت بطقوس كرنفالية تشارك فيها الطيور والشمس والطبيعة، كما في قصة: سحابة من عصافير/(ص49) وتجري في فندق في تونس العاصمة.

وهو يأتي بصورة مفاجئة وعلى غير توقع، متخللا طقوس اليوميات العادية لموظف دأب على الخروج للعمل منذ عشرين عاما في قصة (نعاس).. "وكما هو برنامج كل صباح في نحو الثامنة، فقد دلف الى الحمام وتاخر كعادته، وقد سار نفسه هناك، بأنها ليست الوظيفة التي تجعل نفسه مظلمة، .. ثم اغتسل وأدى الواجب الثقيل بحلق ذقنه وتعطر، وارتدى لهذا اليوم السبت ملابس غير التي ارتداها طيلة الاسبوع الذي مضى، واقبل على وجبة الفطور البسيطة بشهية.. فكرت الزوجة ان النعاس غالبه وعاود النوم، برغم انه لا يغفو عادة الا على سريره، وذلك قبل ان توقظها صرختها التي ندت عنها، على الحقيقة."/(ص13- 14).

ثم يتحول الموت الى أمر غاية في العادية، الى درجة تثير الخيبة، عقب موت صديق ورد فعل عائلته في قصة (كأنه من حرير)، بحسب تعبير ابن المتوفي.." لقد زال عنه الاحتقان: الزرقة الكامدة التي تعرفونها، والبشرة المتغضنة التي رايتموها، عاد الصفاء الى وجهه، وتورد جسمه وشف، حتى صار كأنه من حرير!"/(ص33) 

الموت هو الموضوع الرئيس- غير المباشر- في قصة: حبات المسبحة/(ص5) اولى قصص المجموعة، موظفا فكرة انفراط (حبات المسبحة) دالة لانفراط عقد الصداقة أو سنوات العمر "ربما كان هناك جانب مهتز من جوانب صداقتنا، يرمز اليه انفراط السبحات. وان ثمة حاجة لترميمه او بنائه/(ص8)... فلتنفرط السبحات إذن الواحدة تلو الاخرى، فهناك المزيد من تشكيلاتها في الاسواق العامة، والتي تنتظر الراغبين بأبخس الاثمان."/(ص9).

هذا التخريج الساخر، يتحول الى جدية مفرطة بعد سطور حين تتعلق المسبحة بشخص الام.." لقد ماتت امي قبل شهور، وأورثني شعورا مريرا بالذنب، وانفرطت المسبحة هديتها قبل ايام. وما زلت تحت وطأة هذا الموقف."/(ص9).

وفي قصة: نوبة حنين/(ص27) نلتقي بنوع آخر من الموت، هو موت الزمن، او موت العادات والتفاصيل المألوفة تحت ضغط عجلة التطور، وهي تدور حول انتباه البائع العجوز لانقراض القطع النقدية الصغيرة.. "فبين القطع النقدية التي تكاد تنقرض قطعة 25 فلسا، وكانت من قبل عشرين فلسا فقط، وهي اصغر القطع حجما، وان لم تكن اقلها قيمة.... اما القطعة الاصغر ذات الخمسة فلسات (نصف قرش) والتي تسمى تعريفة، فقد باتت تثير السخرية وليس انطباع اخر، حتى ان احدا لا يأتي على ذكرها، وكان لا وجود لها."/(ص28).

 

موقف من العولمة..

تقدم قصة (نوبة حنين) صورة لتراجع قيمة العملة الوطنية، وسقوط الفئات الاصغر من التداول تحت ضغط ارتفاع الاسعار وانعكاسات النقد الدولي على الاقتصادات الضعيفة والتابعة.

وفي قصة (حبات المسبحة) يقدم صورة عن تغير القيم والمفاهيم الاجتماعيةـ ممثلة بالصداقة التي كانت قيمة مقدسة حتى القرن الماضي. "ان الصداقة لم تعد متطلبة كما كانت في الماضي، وليس شرطها ان تكون كاملة الأركان ومرصوصة البنيان. فلابد من ثغرة هنا، او هناك، ولا بأس من أوجه خلاف تشتد أو تهدأ، وفقا لمقولة قديمة خرجت بها، وهي ان صداقات المختلفين أنبل الصداقات... فلتنفرط المسبحات إذن."/(ص9).

الصداقة وتعثراتها هي محور قصتي: حبات المسبحة، ومن يموت اولا، الى جانب قصة: الاول والثاني، التي ترسم صورة لشخصية طفيلية رخيصة، تتسلل الى الآخرين عبر أدنى ثغرة أو مناسبة.

"أنا اسف.. كأنني اعرفك...... قال ذلك وهو يمد اليه بطاقة التعريف الشخصية به."/(ص58). وفي الصفحة التالية يقول الكاتب: "في خمسينيات عمر المرء، فإن الفضول للتعرف الى الاشخاص، يتضاءل الى حد بعيد".

وفي قصة (من يموت اولا)، تتراجع قمة الصداقة، "هم ببساطة رفاق المقهى، واصدقاء لعب الورق. وليس معروفا كيف تعرف اليهم، ولو سئل هذا السؤال لانفجر ضاكا."/(ص79).

وفي قصة (يوم منسي في حياة حمورابي)، يغيب الاخير عن حضور اجتماع اللجنة القانونية المنعقد في احد الفنادق بحسب الموضة الجديدة. ورغم ان الغائب عن الاجتماع شخصية قانونية مهمة ورئيسة، ينتهي النص بالقول: "أما اللجنة القانونية في الفندق، فقد اتمت في هذه الأثناء عملها، اذ ان نصاب الاجتماع اكتمل منذ البداية، ولم تكن بهم للحق حاجة، لانضمام العضو المحترم اليهم."/(ص92).

يبقى ان المجموعة التي تقودها شخصية خمسينية –تتكرر لفظة الخمسينيات بين القصص- وسط جمهور من المتقاعدين، تحيل على القرن المنصرم، وتجسد نوعا من حنين ونوستالجيا.

سحابة من عصافير

مجموعة قصصية، محمود الريماوي

منشورات دار الساقي في بيروت/ 2006م.

وقد سبق للكاتب اصدار:

اخوة وحيدون/ 1996،

كل ما في الامر/ 2000،

المجموعات القصصية السبع/ 2002،

لقاء لم يتم- مختارات قصصية/ 2002،

الوديعة/2004.

        

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.