3

:: لا فضيحة في ظهور الفساد كفضيحة... ::

   
 

التاريخ : 12/08/2016

الكاتب : مصطفى محمد غريب   عدد القراءات : 1362

 


 

 

قد نكون متأخرين بتناول فضيحة استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي وما آل إليه الوضع من نشر الغسيل وظهور رؤوس في قمة السلطة متهمة بالفساد، ومن يتصور أنها كانت مفاجأة من العيار الثقيل فهو واهم لان الفساد الذي ضرب أطنابه في كل شبر من مؤسسات الدولة وأصبح أخطبوطاً أطرافه ومجساته تتحرك في كل مكان وقد استفحل وتوسع أكثر فأكثر منذ عهد رئيس الوزراء السابق الذي أعلن أكثر من مرة انه يملك أدلّة وملفّات حول الفساد والإرهاب إلا انه بقى يراوح في مكانه مما جعل تصريحاته عبارة عن نهج سياسي استباقي للانتقام من معارضيه وخصومه السياسيين ولبقائه في رئاسة الوزراء، وبعد إبعاده ورثَ الفساد حيدر العبادي على الرغم من الجميع يعرف انه أحدُ قادة حزب الدعوة ورفيقٌ لرئيس الوزراء السابق. إلا إن ما شفع لحيدر العبادي إطلاق حملته الإعلانية حول الإصلاح والتغيير، ومنذ ذلك الحين بقى الفساد كما كان بدون أن يمس جوهره إلا في بعض المظاهر والدعوات والإعلام، إذن الفساد في العراق قضية شغلت وتشغل الملايين من جميع المكونات والقوى السياسية الوطنية واهتم بها عشرات السياسيين والمثقفين والكتاب داخل العراق وخارجه وأشار الجميع بأن الفساد هو الوباء الذي يتزامن مع الإرهاب وداعش والميليشيات الطائفية وهو لا يقل خطورة عنهم بل العكس لأنه الشريك الأول والدافع الأساسي في استمرار تردي الأوضاع على جميع الصعد في البلاد، ولم يبخل أي وطني شريف إن كان على مستوى القوى الوطنية والديمقراطية في مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي والتحالف المدني وغيرهم، أو على مستوى الأشخاص إلا وكشف وجه الفساد القبيح وحدد مكانه وطرق المعالجة الموضوعية لكن المعالجات التي اتخذت باءت أكثرها بالفشل لأسباب عديدة في مقدمتها وجود الفاسدين في القمة الذين كلفوا بمحاربة الفساد وكشف الحقائق عنه وعن مسببيه واتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة وعدم التهاون مع أي اسم مهما كبر في المسؤولية أو أي جهة سياسية طائفية، هؤلاء كانوا هم ممن وضعوا العصا في عجلة اتخاذ الإجراءات الصحيحة بما فيها قضية الإصلاح والتغيير على المستوى العام والخاص، وبقت المعالجات دون المستوى المطلوب على الرغم مما أثير حول الفساد من عواصف اعتراضية وكتابات واسعة النطاق واحتجاجات جماهيرية في أكثرية المحافظات بما في ذلك العاصمة بغداد، واليوم وأمام المستجدات في استجواب وزير الدفاع لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء وتدقيق ما كتبناه وغيرنا حول الفساد وفضيحة الفاسدين بالأسماء وبالوقائع وليس من الخطأ العودة لعشرات الآلاف من التظاهرات والمتظاهرين وهم يهتفون ويطالبون بالقضاء على الفساد، والتفتيش عن أماكن الفساد المالي والإداري في الدولة يجعلنا أن نضع أيدينا على عشرات الأماكن من المؤسسات والوزارات والدوائر ومجالس المحافظات فنجد انه بوجوه مختلفة وبأزياء ملونة وان الفساد مازال سيد الموقف وهو قابع لم يتململ قيد أنملة لا بل العكس فهو ظهر بحلل جديدة واختار طرق غير معروفة، ونحن نلمسه في مناحي الحياة الرسمية، كما أن أزمته المستفحلة عادت أكثر شدّة وقوة والذي أشعل فتيلها هذه المرة وزير الدفاع وما جاء من اتهامات على لسانه لبعض الأسماء المهمة والذي دفع السلطة القضائية العراقية إلى اتخاذ قرارات منع السفر على البعض ممّن وردت أسماؤهم في استجواب وزير الدفاع وقد نشرت قرار المنع "فرانس برس" وجاء على لسان القاضي عبد الستار بيرقدار إن "الهيئة القضائية التحقيقية المُشكلة من قبل مجلس القضاء للتحقيق في ما جاء على لسان وزير الدفاع خلال جلسة استجوابه تقرر منع سفر الأشخاص الذين وردت أسماؤهم على لسان وزير الدفاع خلال جلسة استجوابه أما الأسماء التي وردت على لسان الوزير ولم تكتف السلطة القضائية فهي أعلنت أيضاً تشكيل هيئة تحقيقية قضائية يقع على عاتقها التحقيق في الاتهامات بالفساد وقد نشرت الإعلان شفق نيوز يوم الاحد 7/8/2016 وأشار بيان السلطة القضائية أن "مجلس القضاء الأعلى قرر تشكيل هيئة تحقيقية قضائية تتولى التحقيق في ما ورد من اتهامات بالفساد خلال جلسة استجواب وزير الدفاع السرّية".

إن الفساد الذي طُبّل لكشفه أثناء الاستجواب لم يكن فضيحة كما صور له فهو معروف ومُشخص منذ بدايته وليس من الصحيح اعتباره نقطة تحول نحو كشف الحقائق الغائبة كما يحلو للبعض قولها ولجنة النزاهة النيابية أو غيرها من اللجان المعنية بأمور النزاهة على الرغم من ضعفها وضعف إجراءاتها فهي أشارت له وأحالت قسماً منها إلى السلطة القضائية لكن طرق المعالجة التي كانت على عاتق السلطة القضائية والسلطة التنفيذية وفي مقدمتها حكومات المحاصصة الطائفية والتوافقات الحزبية لم تكن بالمستوى المطلوب لا بل كانت أحياناً تغمض عين وتفتح عين للمداهنة والمساومة وفي ما يخص القوى المتنفذة كانت تغلق عينيها على من ينتمون لها طائفياً وحزبياً ولا تُسوّف الحقائق فحسب بل تجهد أن تخفيها مما يسهل هروب الفاسدين إلى خارج البلاد بحكم امتلاكهم جنسيات أخرى غير عراقية وهم يسرقون المال العام من فم الشعب الجائع ويحملونه في بنوك ومؤسسات مالية لكي يتم تبييضه بعد ذلك، والأرقام المتواضعة التي أعلنت عنها أصبحت في مهب الريح كما يقال أما القسم الأكبر فقد اختفى بقدرة البعض من اللصوص الحرامية في قمة السلطة، وهناك من الفاسدين من سَخّر لهم الطرق والأساليب للحصول على حصص من المال الحرام الذين أخفوه واخفوا أنفسهم خلف طائلة الدين والطائفية، إذن الاستجواب الذي كشف الجزء اليسير جداً لم يكن الشعرة التي قصمت ظهر الفساد لأنه سرعان ما انبرى بالدفاع عن الفساد والفاسدين أساتذة الدفاع عن جرائم وخروقات دستورية وقانونية بدون أي رادع لضمير وهؤلاء الجوقة التي بدأت منذ اللحظات الأولى كما هو الحال في كل جرائم الفساد تنفخ بأبواقها لتكذّب وتفلسف وتموّه وتدّعي وتتّهم أن الوزير كان ساكتاً ويطالبون بمحاسبته قبل اللصوص والحرامية والفاسدين كي يخفوا ما نشر من حقائق على الرغم من أن وزير الدفاع قد أجاب على الأسئلة التي وجهتها لجنة النزاهة النيابية وقد ذكر ذلك في بيان لوزارة الدفاع نشر في الفرات نيوز/ بغداد يوم 7/8/2016 وأضاف البيان أن طلال الزوبعي والبعض من الأعضاء استقبل خالد العبيدي الذي أجاب على الأسئلة الخاصة التي وجهت إليه بشأن ما دار في جلسة وإن "وزير الدفاع خالد العبيدي حضر إلى لجنة النزاهة البرلمانية في مجلس النواب، لتثبيت إفادته بما ورد في جلسة الاستجواب" كما كشفت اللجنة أن الوزير قدم اليوم 7/8/2016 "قرصا مدمجا تمّت مشاهدته حصرا من قبل لجنة النزاهة النيابية وأعضاء لجنة تقصّي الحقائق"..

إلى هنا لا نريد الاسترسال في متابعة الأسماء التي تطرّق لها خالد العبيدي وهذه الأسماء وغيرها أثير حولها الكثير من الشكوك والاتهامات لكنها بقت بعيدة عن لجان التحقيق ولجنة النزاهة والسلطة القضائية إلا اللهم التصريحات الإعلامية وما تناولته وسائل الإعلام بدون أية إجراءات قانونية وقد تكون قضية الاستجواب والأسماء أيضاً زوبعة في فنجان سرعان ما يلفّها الزمن وتطمسها العلاقات وتنهيها القرارات الطائفية مغلفة بيافطات وشعارات المصلحة العامة والوقوف مع القوات المسلحة التي تحارب داعش وتفويت الفرصة على الأعداء. وبهذا قد تنطوي عمليات الفساد والفاسدين كما انطوت تلك القضايا الواضحة التي تخصّ الفساد المالي والإداري حيث قدّم وزير الدفاع أدلّة لا تقبل الجدل أشار فيها رئيس اللجنة طلال الزوبعي أثناء تصريح في يوم الأحد 7/8/2016 بالقول أن "العبيدي قدّم أدلّة تتعلّق بالاتّهامات التي وجّهها للأسماء التي تمّ ذكرها في جلسة الاستجواب الأخيرة يوم الاثنين الماضي "هل بقى شيء آخر لكي تسوَّف هذه القضية كما سُوِّفت غيرها أم أن اللجنة التحقيقية ستقوم بواجبها القانوني وتحقق مع من ذكرهم وزير الدفاع وغيرهم وتجعل القانون فوق رؤوس اكبر رأس في الحكومة؟ نعتقد هنا ستكون الفضيحة، فضيحة إذا ما جرى التسويف والمماطلة وليس الفساد لأنه ظلَّ يتغلغل ويتفاعل بدون أية إجراءات قانونية رادعة تجعله يقف متّهما وأصحابه أمام العدالة والقانون، أما البريء فالقانون هو الحكم الفاصل وبخاصة إذا كان التحقيق عادلاً وسليماً بدون تدخلات ومحاولات لعدم تطبيق العدالة بشكلها صحيح.

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.