3

:: "سَـمَّى الجــيرِه وسـمَّى الحي... ولولا شويِّه سَـمّاني" - نقطة على الحرف - الحلقة 1259 ::

   
 

التاريخ : 06/06/2016

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 1803

 


 

 

في مسرحية " الاســــم الأول" (Le Prénom) للكاتبَين أَلكسندر دو لاﭘــاتُلـيــير (Alexandre De La Patellière) وماتيو دو لاﭘــورت (Matthieu Delaporte) قصة رجلٍ أَربعيني ينتظر مولوده الأَول ويسعى مع أَنسبائه إِلى البحث عن اسم له. يقترح "أَدولف" فيرفضُونه لأَنه يذكِّـر بأَدولف هتلر. يقترح تشارلي فيرفضُونه لأَنه يذكّر بتشارلي تشاﭘــلن، ويتوالى عرضُه الأَسماءَ من دون بلوغ أَيّ قرارٍ لاسم الطفل، حتى كانت النتيجةُ سقوطَ جميع الأَسماء لأَن زوجته ولدَتْ... بنتًا لا صبيًّا.

       هذه الكوميديا التي انطلقَت سنة 2010 من مسرح "إِدوار السابع" في ﭘـاريس واستمرت أَسابيعَ طويلة وتَـحوَّلت سنة 2012 فيلمًا استقطب ملايـين المشاهدين، تطرح موضوعًا شعبيًا أَليفًا، غالبًا ما يعكس فيه الاسمُ مدلولَه، كما يَـحصل عادةً في أَسماء يَـختارها الأَهل لأَولادهم عند الولادة - استذكارًا لغائب أَو استحضارًا لقدّيس أَو تَشَبُّــهًا بزعيم - ويُلزمون أَولادهم بـها طيلة حياتـهم، فتكون مراتٍ عالَّة عليهم، أَو شؤْمًا، وربما بعضَ الخير.

       هكذا نشهد حولنا في المجتمع مَن يحملون اسمًا لا يُشبه سلوكهم ولا شكلهم ولا تصرُّفهم، ويَكونون حديث الناس في المجالس والتداوُل. فهذا هاني وهو نَكِد، وهذا رياض وهو يابس، وهذه وردة وهي قميئة، وهذه هيفاء وهي سمينة، وهذا نخلة وهو قصير، وهذا بَاسِم وهو عابس، وهذه جمال وهي قبيحة، وهذا صالح وهو مؤْذٍ، وهذه مفيدة وهي أَنانية، وهذه كريمة وهي بخيلة، ... وتتوالى الأَسماء التي لا تدل قطُّ على أَصحابها بل قد تكون عكس حقيقتـهم وشخصهم وشخصيتـهم.

***

       وبالمقابل: قد يكون الاسم مُلهمًا أَو دليلًا أَو رمزًا يتناوله مبدعٌ فيحوِّله صيغة إِيحائية يَحيد بـها عن مدلوله ليَغدو بيتَ شِعرٍ أَو أُغنيةً أَو رمزًا يتعدّى الفردَ إِلى المطلَق في التداوُل.

       أَذكر هنا بيت قيس ابن الملوَّح (مجنون ليلى):

"أُحبُّ من الأَسماء ما شابَهَ اسمَها... ووافَقَه أَو كان منه مُدانيا"

وأَذكر بيت سعيد عقل:

"أُبَرقِعُ اسـمَكِ بالأَسماءِ، أَخترعُ... فإِنما منكِ لا منـهُنَّ بي وَجَعُ"

 

وأَذكر بيت الأَخوين رحباني بصوت فيروز:

                                                "سَـمَّى الجــيرِه

وسـمَّى الحي...

                            ولولا شويِّه سَـمّاني".

 

***

وتبقى الأَسماءُ مرهَفةَ الدلالة حينًا، فاضحةَ الدلالة حينًا آخَر، وفي الـحِـيـنَــين تظلُّ جامدةً حتى يُشعِلَ برقَها شاعرٌ أَو مبدعٌ فيجعلَها رمزًا، أَو شِعارًا، أَو مُشتهى تسميةٍ لـمَن يُـحبُّ ذاك الرمز أَو يـهوى هذا الشعار.                      

                                               

يتم نشر هذا المقال في موقع "جماليا" بعد بثّه في إذاعة "صوت لبنان" يوم الأحد 5 حزيران 2016

***

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib

 

                                      

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.