3

:: كلٌّ مِنَّا يبحثُ عمّا ينقصُه ::

   
 

التاريخ : 30/05/2016

الكاتب : فاطمة المزروعي   عدد القراءات : 2014

 


 

 

في كل مجتمع إنساني تتباين الآراء وتختلف وجهات النظر، وفي المجتمعات الأكثر تعلماً ومعرفة تعتبر مثل هذه الظاهرة مؤشراً صحياً وسليماً؛ لأنه دليل على حراك فكري ومعرفي يطال كل مفاصل وزوايا المجتمع.

التجربة الإنسانية أثبتت منذ حقبٍ زمنية غابرة وحتى اليوم أن الإنسان كلما شعر أنه يشارك ويتعاطى مع قضاياه وهمومه، كان هناك ارتفاع أكبر في الوعي وفي التطبيق، وهو ما يرتدّ إيجابياً على سلامة المجتمع ككل.

ومن هنا فإنّ المشاركة في الرأي بل والتعبير عن هذا الرأي باحترام وحفظ حقوق الآخرين الذين يشاركونك هذا الوطن، وتفهُّم رأي الآخرين بل وحماسهم لهذا الموضوع أو ذاك، تُعتبَر أيضاً دلائلَ على عمق الوعي الإنساني.

مع الأسف، الذي يحدث في عالمنا العربي هو أن مثل هذه الحوارات تظهر على هيئة "معارك كلامية" حادّة تُلقى فيها الشتائمُ وتُطلَقُ التُّهم ويطغى عليها التخوينُ المتبادَلُ والتكفير، وتُستخدَمَ الكثيرُ من المفردات، كتلكَ التي تمتلئ بها مواقع التواصل الاجتماعي كـ"فيسبوك" و"تويتر" وغيرها، فضلاً عن التعليقات التي يتم نشرها على عدد من المواقع الإخبارية الإلكترونية.

والموضوع مثار مثل هذا التّطاحن لا يستحقّ كلَّ هذا التشنُّج والعصبية. وهناك جانب آخر في هذه المعضلة، وهي أننا نشاهد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أنه لا يعطى بعضُ من يتحدثُ أو من يُذْكَرُ من خلال ما كتب ما يستحقّ من التقدير والاحترام لعلمه أو لكبر سنه أو لتميّزه ونبوغه في مجال علمي ما، فتجد أحدهم يتحدث نحوه بهمجية ودون مبالاة، وفي أحيان بقسوة ورفع صوت وبغمز ولمز في الكلمات؛ وفي هذا السياق أستحضدر ما حدث للمؤلف والكاتب الشهير جورج برنارد شو، الذي حاز جائزة نوبل في الأدب عام 1925م، حيث قال له كاتب: "أنا أفضل منك، فأنت تكتب وتبحث عن المال، وأنا أكتب عن الشرف". فقال له برنارد شو: "صحيح، فكلٌّ مِنّا يبحث عمّا ينقصه". وسرعة البديهة والرد السريع القاطع تعبّر عن وجع وألم، وأيضاً عن عدم احترام لمن هو أكثر علماً ومعرفة؛ ولعلّ قصة الشاعر بشار بن برد، وقد كان كفيفاً، توضح بشكل أكبر الذي أريد الوصول له، حيث كان جالساً مع رفاقه، فجاءه رجل وسأله قائلاً: "ما أعمى الله رجلاً إلا عوّضه؛ فما الذي عوّضك به الله"؟ فقال له بشار بن بردة: "بألّا أرى أمثالك". والذي نريد الوصول له أنه لا بأس بالسؤال، ولا بأس من محاولة التعلُّم بل والاختلاف والنقاش، شرطَ أن يتُمَّ باحترامٍ وتقديرٍ للجميع.

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.