3

:: النتائج المتوقعة لبرلمان المحاصصة في العراق ::

   
 

التاريخ : 28/04/2016

الكاتب : مصطفى محمد غريب   عدد القراءات : 1376

 


 

 

 

المحاصصة الطائفية داءٌ خبيث خيّم على العراق وتأسست من خلاله مؤسسات الدولة المهمة بما فيها السلطات الثلاث، والمؤسسات المستقلة المخترقة يجب أن تنتهي وينتهي نهجها وممارستها السياسية إلى غير رجعة ويتحول العراق إلى دولة يلغى فيه النّهجُ الطائفي ويُستبدَل بالتوجه نحو النهج الوطني في بناء الدولة ومؤسساتها ودوائرها ووزاراتها وقواتها المسلحة، أي بالمعنى الاستقلالية للسلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية، والقضائية، وعدم التدخل في شؤونها لكي يترسّخ بناء الدولة المدنية الديمقراطية، وبهذا يمكن الحديث عن الإصلاح والتغيير نحو الأحسن والأفضل للخلاص من هذا النهج  المقيت.

فمنذ البداية كنا نتوقع أن المحاصصة الطائفية والحزبية والقومية الضيقة ستكون وبالاً على البلاد وان المؤسسات التي تنتجها ستكون هي أيضاً في أوضاع مشابهة لا تقل عنها رداءة ومسوؤلية في تردي الأوضاع وانحدارها من سيّءٍ إلى أسوأ في الأداء والتنفيذ والتشريع، وبما أن المحاصصة هي الوباء الذي استشرس منذ البداية وأصبح شاملاً  تقريباً فهو يحتاج إلى إعادة هيكلية بناء الدولة واستئصال الأورام غير الدستورية بعملية إصلاحية جذرية لإنقاذ البلاد من التهلكة، فمؤسسات الدولة من وزارات ودوائر والمفوضية العليا للانتخابات بما فيها البنك المركزي والمحكمة الاتحادية والسفارات خضعت للتحاصص وقد اعترف بهذا الأمر أكثرية المسؤولين المتنفذين والعديد من القوى السياسية والدينية صاحبة القرار، وليس جزافاً عندما أشار سليم الجبوري رئيس مجلس النواب والحزب الإسلامي في كلمته في الملتقى الثالث ليوم الكتاب العالمي في بغداد اليوم السبت 23/4/2016 "أن المحاصصة ويوما بعد آخر تهدد منظومة الدولة بالتفكك والانهيار"، وللحقيقة غير الغائبة أن سليم الجبوري يعرف جيداً أن الكثير من مؤسسات الدولة مخترقة بالمحاصصة والفساد وبعضها متفكك ولا يلتزم بتوجيهات الحكومة وهذا صحيح كل الصحة، لكنه يحذر من تفكيكها وانهيارها خشية من اتهامه وحزبه باعتبارهما مشاركان في الحكومة ومسؤولان عن هذا التفكك والانهيار الذي  أصاب العديد من مرافق الدولة منذ بداية سياسة التقسيم ـــ فكيف يمكن تفسير الكم غير الطبيعي للميليشيات المسلحة التي تهدد امن وسلام المواطنين وتضع نفسها بديلاً للقوات الأمنية في المحاسبة والاختطاف والإرهاب؟ ـــ وكيف يفسر أن ثلث البلاد يهيمن عليها تنظيم داعش الإرهابي؟ أليس هذا هو شبه التفكك وشبه الانهيار؟! وقد تستمر تداعيات التفكك والانهيار إذا ما بقت سياسة المحاصصة سائدة حتى لو جرى التغيير الوزاري الشكلي ومجيء آخرين غير الحاليين أو حكومة تكنوقراط فذلك مثلما يقال في المثل "ترقيع" دون المساس بجوهر العملية السياسية التي بنيت على أساس التحاصص الطائفي والقومي الضيق، ثم ستبقى المحاولات الحكومية والقوى صاحبة القرار باتجاه فبركة الحركة الاحتجاجية الجماهيرية واحتوائها تحت أحكام وأهداف هذه القوى وبالتالي لإفشالها.

والذي يتابع الأحداث الأخيرة بما فيها الدعوة لحشد مئات الآلاف بهدف ديني وطائفي وان أطلقت عليه شعارات الوطنية ومحاربة الفساد والقيام بالإصلاح والتغيير لكنه سيبقى في دائرة التوجه لاحتواء حركة الجماهير التي انطلقت من الشارع بدون الإعلان عن قيادتها من قبل الأحزاب والقوى السياسية الوطنية والديمقراطية التي تساندها كحركة جماهيرية لها أهداف وطنية ومدنية للإصلاح والقضاء على الفساد والتخلص من التحاصص الطائفي في الدولة والحكومة. لقد برهنت الحركة الاحتجاجية والاعتصام لأعداد غير قليلة من النواب بان الأزمة باتت واضحة وان التنويم المغناطيسي للبعض أصبح عرضة للاستهلاك وما عاد يخدم المتمسّكين بالشكل دون الجوهر ومغزى تطورات اعتصام النواب وهو أمر غريب لم يحدث سابقاً على حد علمنا لان مجلس النواب في بلدان التحول الديمقراطي المدني يعتبر سلطة تشريعية يلزم السلطة التنفيذية بالتعاون للتنفيذ فكيف يمكننا أن نبرّر الحركة الاحتجاجية والاعتصام وكأنها مسرحية سرعان ما تغلق الستارة عليها وبدون أن نفهم  ووفق منظور واقعي بان الأزمة العامة في العراق أصبحت أكثر شمولية واتساع مما أدّت إلى إصابة هذه المؤسسة التشريعية بزيادة الانقسام والتّبعثر الذي أدى إلى تعطيلها من مهماتها الأساسية وأصبحت شبه مشلولة بسبب التوافق والمحاصصة وتأثيرات أكثرية القوى صاحبة القرار في الحكومة والعملية السياسية، وبما أن النوابَ المعتصمين مازالوا على فكرة الإصلاح والتغيير فنحن والكثيرون نسأل:ـ هل سيبقون مصرّين على الإصلاح الحقيقي أم التراجع سيكون أكثر تنظيماً وتبريراً للعودة إلى مائدة التفاهمات والتوافقات "وهذا إلك وهذا إلي!!"  فنحن نعتقد أن ذلك لن يدوم وما هي إلا زوبعة في فنجان سرعان ما تهدأ في أول اجتماع لمجلس النواب وقد يجري "تقبيل اللحى والشوارب" بعدما يضمن كل فريق حقه في التغيير الوزاري أو قضايا أخرى مختلف عليها وفق المصالح الضيقة، وقد يصوت مجلس النواب على التشكيل الوزاري الجديد في أول أو ثاني وحتى ثالث اجتماع له لكن في اعتقادنا أن الحل الجذري سيبقى بعيداً عن الواقع والتغيير وستكون هناك حلول وسطية وتبقى الأحزاب الدينية السياسية وفي مقدمتهم حزب رئيس الوزراء حيدر العبادي متمسكين بالمناصب ولكن بشكل آخر! لأننا ومثلما اشرنا وغيرنا أشار بان بقاء الهرم الأعلى للعملية السياسية يخضع للمحاصصة والتقسيم وبالاتفاقيات التي تطمئنهم على مصالحهم وهي مصالح معروفة.

لقد نخرت المحاصصة أكثرية الجوانب في العملية السياسية إضافة إلى القضايا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغيرهم، فهناك كم هائل من التركة الثقيلة التي خلفتها الحكومات التي ادعت بالوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية والإجماع الوطني لا يمكن أن تحل بالصخب والصراخ والمواقف المفتعلة بما فيها التهديدات التي سمعناها ونسمعها لكن سرعان ما تنتهي مع اعتذار أصحابها وتراجعهم أو الإعلان عن النية للحوار لحل المشكلة وهي تغيير رئاسة البرلمان العراقي فقد صرح النائب المعتصم عبد العظيم العجمان 24/4/2016 ونشرته السومرية نيوز أنهم سيجتمعون مع رئيس البرلمان سليم الجبوري!! وأن "المجتمعين سيبحثون مستجدّات الأزمة البرلمانية" ثم أضاف: "أننا كنواب معتصمين مصرون على انتخاب هيئة رئاسة جديدة" وكأن الأزمة الأساسية التي تجابهها البلاد هي تغيير رئاسة البرلمان أما بقية الأزمات والمشاكل وفي مقدمتها نهج المحاصصة الطائفية والحزبية فهي  ثانوية.

لكن، وللحقيقة، تبقى الحركة الاحتجاجية الجماهيرية التي استمرت أكثر من 9 شهور متواصلة هي المحكّ الحقيقي لعملية التغيير والإصلاح لأنها طالبت ومازالت تطالب بحلول جذرية ومعالجات جوهرية والتخلص من نظام التحاصص الطائفي وتفكيكه لكي يجري القضاء على الإرهاب والميليشيات الطائفية والفساد المنتشر في مرافق الدولة ومؤسساتها الوزارية والأمنية، وكلنا شهود على المخططات التي كانت تخطّط لإفشال هذا التحرّك الجماهيري المؤمن بالتغيير وإنقاذ البلاد من مأزق السياسة الاستحواذية بشكل حقيقي وبدون أية مصلحة إلا مصلحة أكثرية أبناء الشعب العراقي.

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.