3

:: الإصلاح بين مفهوم التوفيق والحلّ الجذري الشامل ::

   
 

التاريخ : 12/04/2016

الكاتب : مصطفى محمد غريب   عدد القراءات : 1294

 


 

 

منذ أن حلّت المحاصصة على البلاد انحدرت أكثرية الأوضاع بشكل عام نحو الهاوية وفي الوقت نفسه أصبحت كلمة "الإصلاح" أنشودة يجري تداولها على ألسنة البعض من المسؤولين الحكوميين وعلى رأسهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، ولا يمر يوم  أو تمر مناسبة إلا وانطلقت هذه الكلمة كأنها صاروخ عابر للقارات واعتُبرت المنقذ لمشاكل البلاد الشبه مستعصية، فهل هي حقاً كما يصورها البعض حتى بات المواطنون يتصورونها الحلَّ الأسلم والأفضل بدون التدقيق في مضمونها وسرعة التنفيذ، يمنون الأنفس ويحلمون بتحقيقها وقيامها على ارض الواقع ليتخلّصوا مما هم عليه من فواجع فأصبحت زادهم اليومي، مآسي الفساد والفاسدين في الحكومة وفي مجالس المحافظات ومواقع غيرهما، وما يلاقونه من صعوبات الحياة الاقتصادية والمعيشية بما فيها البطالة والفقر ودون الفقر وأزمات الكهرباء والماء وسوء الخدمات وتدهور الأوضاع الأمنية التي لم يُلمس تحسُّنها نحو الأمان والاطمئنان بالقضاء على عصابات المافيا في الاغتيال والخطف والإرهاب والحرب ضدّ داعش وفواجع الميليشيات الطائفية. واليوم تطلق عشرات الألقاب على الضحايا وبأسماء الائمة الطاهرين وهم الأبرياء من كل ذلك..

لقد اعتبرت كلمة "الإصلاح" عند الكثير من المواطنين بلسماً للشفاء من الأمراض المفروضة، ولهذا ومن اجل معرفة الحقيقة فهناك سائل يسأل ـــ عن أي إصلاح يجري الحديث في الوقت الراهن؟ هل هو إصلاح بهدف دعائي مضلِّل للتخدير؟ وهل هذا الإصلاح بدون تضليل يشمل موقع معين دون سواه أو إصلاح شامل يشمل كل مرافق الدولة والمجتمع؟ فالإصلاح لوحده عبارة عن كلمة عائمة إذا جُرِّدت من جوهرها وإذا لم تحدَّد وتوضَّح ويخطَّط لها بشكل واقعي مفصل ومبرمج، وان تكون على قاعدة مادية راسخة وفق معايير واضحة لا ضبابية في الشكل أو في المحتوى، وان تكون القناعة التامة حتى وان كانت سبباً في كشف المستور في أروقة الحكومة أو الدولة صغيرها والكبير منها، أو تمس مسؤولين كبار بما فيهم رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو الوزراء أو أي شخصية في السلطات التشريعية والقضائية، وهنا تبرز أسئلة عدة بخصوص الإصلاح في العراق منها ـــ هل أن رئيس الوزراء حيدر يتبنّى الإصلاح الحقيقي ويعمل من اجله حتى وان تضرّرت مصالح التحالف الوطني وائتلاف دولة القانون أو حزبه حزب الدعوة الإسلامي؟ ــــ أم أن الدعوة للإصلاح سياسة ذات أهداف محددة توفيقية للتمرير ولتسويف موضوعة المظاهرات والاحتجاجات وغيرها من المشاكل؟ ــــ أليس الحديث الطويل والوقت الطويل والوعود الكثيرة عبارة عن تباطؤ لتسويف مسألة الإصلاح نفسه؟ ــــ هل رئيس الوزراء حيدر العبادي عازم على تنفيذ مطالب الجماهير وان كانت تضرّ مصالح حزبه حزب الدعوة أو مصالح التحالف الوطني؟ .. نكتفي فقط بذكر هذه الأسئلة مع العلم أن هناك العديد من الاستفسارات والأسئلة المؤجلة لحين..!

إذا كان الغرض مثلما أسلفنا هو الإصلاح الحقيقي فماذا يحتاج رئيس الوزراء للتنفيذ أكثر من الدعم الجماهيري والقوى الوطنية المخلصة! والى متى تبقى هذه المماطلات وإضاعة الوقت بترهات الاعتراضات من بعض الذين يخافون من التنفيذ لأنه سيفقدهم مواقعهم وصلاحياتهم ومنافعهم الشخصية والحزبية!.

 أن الأكثرية تتحدث عن الإصلاح والتغيير كحالة ملحة وسريعة ومنقذة بدون استبيان الأهداف منهما وبدون أن يفهم المواطن كيفية تحقيقها على ارض الواقع العراقي الذي أصبح مثالاً سيئاً لا يحسد عليه، الأكثرية وأقصد المواطنين لا تعرف هل يبدأ الإصلاح والتغيير من الداخل من الأنفس ومن الأحزاب والكتل المهيمنة على السلطة أم أنها بمنأى عنها، وهذه الكتل والأحزاب تريد الإصلاح لغيرها ووفق معايير خاصة تبقي فيها ما تريده وترغبه وتزيل ما لا يخصها وبهذا تعتبره سلماً للعبور  والهيمنة بعد أن يتفشّى اليأس للمواطنين من كثرة الانتظار والوعود وهم يتلظون بنار الأوضاع المأساوية السيئة.. السيد حيدر العبادي نشط في اللقاءات الداخلية والخارجية ودائماً يطرح قضية الفساد والإصلاح والتغيير حتى على الوفود الأجنبية وكل هؤلاء يعلنون دعمهم له وللإصلاحات التي هي تقريباً هلامية، وأثناء لقائه الأخير مع مبعوث الرئيس الأمريكي اوباما الخاص بريت ماكغورك وبحضور السفير الأمريكي في بغداد ستيوارت جونز فقد أكد مبعوث الرئيس الأمريكي في بيان صدر بعد ذلك "دعم بلاده لإصلاحات رئيس مجلس الوزراء السياسية والاقتصادية وفي جميع الأصعدة".. وكما نعرفه ويعرف الجميع أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب العراق لتجاوز "الأزمة المالية التي يمر بها" وليس هذا فحسب فان آلاف المستشارين والعسكريين الموجودين في العراق موجدين لدعم الجيش العراقي في عملياته الحربية ضد الإرهاب الداعشي، بينما يحاول البعض تشويه هذا الدعم باتهامات الولايات المتحدة الأمريكية بمساندة داعش وتقديم الدعم له من مواد غذائية أو أسلحة مختلفة ترمى من الجو عن طريق طائراتها حسبما يدعون، وتنشر باستمرار مواقع ووسائل إعلامية تابعة لبعض الكتل والأحزاب والميليشيات المسلحة المنضوية تحت جناح الحشد الشعبي صوراً وأخباراً حول هذا الدعم وكان آخرَها خبرٌ نُشر في الموقع الرسمي (للعتبة الحسينية المقدسة)  وعلى لسان معاون آمر لواء علي الأكبر يوم الثلاثاء 5/4/2016 علي كريم الحسناوي حيث أشار إلى أن "عملية رمي المواد الغذائية والأسلحة لداعش جاءت مقصودة من قبل قوات التحالف وبالتحديد الأمريكية منها ولا يمكن أن تكون عن طريق الخطأ وذلك لبعد المسافة عن قطعاتنا" إلا أن هذه الادعاءات أصبحت مكشوفة ويعود سببها الرئيس إلى رفض الإدارة الأمريكية مشاركة الميليشيات الطائفية في المعارك التي تدور في الانبار والموصل بسبب النتائج والتوجهات العدائية الطائفية التي ظهرت في معارك محافظة ديالى وغيرها، كما أصبحت مكشوفة أيضاً هذه الادعاءات ولا تصدق حتى من قبل أصدقاء الحشد الشعبي، هذا الدعم الأمريكي للحكومة العراقية المؤكد والمنظور للداني والقاصي لم يكن قد أوقف منذ احتلال العراق ثم تسليمه إلى أحزاب الإسلام السياسي وهو معروف ومثبت ولا يمكن إخفاؤه على الرغم من ادعاءات البعض ونكرانه وكأنه هروب من الحقيقة..

إذن الإصلاح والتغيير لا يمكن أن يكونا إلا طريقين لتخليص العملية السياسية من الأدران التي أحاطت بها ولا نريد عدها أو تكرارها لأنها أصبحت معروفة ولكثرة ما ذكرت مفرداتها صارت مثل الأنشودة الوطنية التي تطالب باحترام الوطن والدفاع عنه واحترام الشعب والدفاع عن حقوقه، إلا أن ما يحير في القضية أن المماطلة من قبل رئيس الحكومة والمعارضات من قبل كتل منتمية للاتحاد الوطني جعل الأمور تتراوح في مكانها ولا أمل في دفعها لتكون حافزاً للجماهير على مواصلة دعم الإصلاحات أو التغيير في هرم السلطة وعند الحديث عن حكومة التكنوقراط أو المستقلين فان القضية تصبح مبهمة لكونها لا تمس السيد حيدر العبادي كرجل حزبي يجب عليه تنفيذ أوامر وقرارات حزبه وبخاصة أننا نعرف جيداً أن رئيس الوزراء السابق مازال يقود حزب الدعوة ولدية إمكانيات واسعة للتأثير فضلاً عن مدى تأثيرات ائتلاف دولة القانون، فأثناء المناقشات لورقة حيدر العبادي بخصوص التغير الوزاري فان ائتلاف دولة القانون رفض علناً مرشحي حيدر العبادي وأكد من خلال ذلك رفض التصويت لصالحه، وكشف محمد الصهيود النائب عن ائتلاف دولة القانون أن "ائتلاف دولة القانون يعترض على التصويت للوزراء الذين قدمهم العبادي إلى مجلس النواب من دون استجوابهم في البرلمان وتوضيح أسباب إقالتهم من الوزارات التي يديرونها" وفي الوقت نفسه أعلن "لا يحق لحيدر العبادي إقالة أي وزير من حكومته دون توضيح أسباب الإقالة ونقاط التقصير لدى الوزير".. فإذا كان ذلك صادر من اقرب الحلفاء فكيف الحلفاء البعيدين بعض الشيء مثل المجلس الإسلامي الأعلى والتيار الصدري وكتلة الفضيلة وغيرهم، لكن الإصلاح في دولة تعتبر نفسها دولة مدنية وبدستور يوضح معالم مسيرتها وقوانينها ويضع النقاط على الحروف فيما يخص احترام الدستور وعدم التجاوز عليه يلزم عملية الإصلاح أن يكون لها برنامج يحدد طريق الإصلاح على أن لا يتعارض مع الدستور إلا في حالة تعديله من قبل السلطة التشريعية والمؤسسات القانونية وهذا ينجرُّ أيضاً على تغيير الوزراء الذي يجب الاعتماد على السياقات الدستورية والقانونية وإلا ستكون عملية الإصلاح والتغيير عبارة عن تجاوز على الدستور حتى وان كانت فرضية لمصلحة الجماهيرية لأنها مثلما صرح عمار طعمة رئيس كتلة الفضيلة البرلمانية "إن هذه الازدواجية بالمعايير دلالة فارقة على توظيف عناوين مهمة وجذابة لتحقيق مكاسب ضيقة" عند دراسة ومتابعة المواقف للقوى السياسية والدينية في العراق يبرز موقف الحزب الشيوعي العراقي كأفضل موقف باتجاه مصلحة العراق وهو موقف متوازن وقد أشار الحزب الشيوعي أثناء الاحتفال بذكرى تأسيسه لقد "كان دورُ الحزبِ الشيوعي متوازناً في تبني مطالبِ الشعب من جانبٍ وفي مراعاةِ متطلباتِ استقرارِ البلدِ وتجربتِه السياسيةِ الديمقراطية من جانبٍ آخر".

 إن المعني بالمصالح الضيقة يعني الحزبية والطائفية وهي قطعاً تتناقض مع مفهوم الإصلاح والتغيير الحقيقي وتعتبر حالة غير صحية تؤدي إلى نتائج سلبية لا تخدم الأوضاع في البلاد، فلا بد من إصلاح يشمل جميع المرافق السياسية والاقتصادية والتشريعية والاجتماعية والثقافية والأمنية وذلك يتأتى بالاستقرار الأمني والتخلص من الإرهاب وداعش والميليشيات الطائفية المسلحة لكي يعود العراق آمناً يتمتع بسلام حقيقي وبعودة المهجرين والنازحين والهاربين بسبب السياسة الطائفية الرجعية ويقدم الفاسدين للقضاء العادل.

     

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.