3

:: "يا قمر ضوّي عالناس" ::

   
 

التاريخ : 09/02/2016

الكاتب : ميشلين حبيب   عدد القراءات : 2660

 


 

 

لا أدري كم من الأهل يَرِدُ في خاطرهم اصطحابُ أولادهم إلى مسرحٍ ما، عندما يقرِّرون التَّرفيهَ عنهم، وقضاءَ وقتٍ ممتعٍ ومفيد، في نهاية الأسبوع.

ولا أدري، كذلك، كم منهم يفكّرون بنوعية المسرح الذي سيصطحبونهم إليه حيث يستفيدون ويخرجون من المسرح بخبرة فنية جمالية وليس حيث يحصلون على بعض الحلويات والبالونات ويقفزون ويغنّون.

ولا أدري، أيضًا، إن كانوا يعلمون أن هناك مَسرَحًا لِلدُّمَى في بدارو يدعى مسرح دُوَّار الشمس ويعتمد نظام الrepertoire، أي عرض المسرحيات بصورة مستمرة ودون توقّف على مدار الأسبوع وطوال السنة. وقد بلغت مدة عرض واحدة من تلك المسرحيات، "شو صار بكفر منخار"، 23 سنة.

"يا قمر ضوّي عالناس" للكاتب والمخرج المسرحي كريم دكروب هي مسرحية جديدة على مسرح الدمى؛ الموسيقى من تأليف المؤلف الموسيقيّ أحمد قعبور والسينوغرافيا لوليد دكروب. التوزيع الموسيقي لهاني سبليني، تمثيل: يكاتيرينا دكروب، فؤاد يمين، أدون خوري، وليد جابر، سيرينا شامي، صبا كوراني، أداء صوتي لرشاد زعيتر وبطرس روحانا. بدأ عرضها في تشرين الثاني 2015 وسيستمر دون توقف مثل جميع مسرحيات مسرح الدمى. تُعرض المسرحية كل يوم سبت عند الرابعة بعد الظهر. لا تختلف مسرحية "يا قمر ضوّي عالناس" عن باقي مسرحيات دكروب ومسرح الدمى من حيث الاحترافية والمستوى العالي في التمثيل والإخراج وتحريك الدمى والسينوغرافيا والجودة في تصنيع الدمى والموسيقى.

 

في هذا الصَّدَدِ، كان لي هذا الحوار مع الكاتب والمخرج كريم دكروب.

ما هي أهمية الدور الذي يلعبه مسرح الدمى بالنسبة للأطفال بشكل خاص؟

مسرح الدمى مهم بالنسبة للأطفال لأنه يشبه أول نمط من أنماط اللعب عند الطفل. عندما يبدأ الطفل باكتشاف محيطه، يكتشف الأشياء التي حوله ويحاول اكتشاف وظائفها، وخلال محاولته تلك يحاول أيضًا تغيير وظائف هذه الاشياء ويمنحها وظائف أخرى ويبدأ بالتكلم معها، وهذه واحدة من النشاطات المهمة التي يمارسها الطفل في الصغر، لذلك عندما يرى أحدًا غيره يحرّك أشياءَ معيّنة ويعطيها شخصيات، ويتكلم من خلالها، ويجعلها تتكلم، فهذا أمر بحد ذاته مهم بالنسبة إليه.

وتجدر الإشارة إلى أن الدمى ليست فقط للأطفال، وإنما للكبار أيضًا، لأن التفرّج على الدمى عند الراشدين يفتح نافذة في ذاكرتهم الانفعالية ويعيدهم إلى الطفولة، إلى طريقة لعب كان الشخص، الراشد الآن، يلعبها في طفولته، لذلك، أحيانًا كثيرة، يحب الشخص الراشد الدمى والتفرّج عليها ويجد فيها أمرًا مهمًا وقريبًا من انفعالاته.

 

 

 

لا بد أن المسرحية احتاجت إلى الكثير من الأبحاث المبنيّة على وقائع علمية، فهل هناك فريق يقوم بمساعدتك أم قمت بذلك وحدك؟

في العادة أقوم بعمل الكتابة لوحدي، أما في هذه المسرحية فقد ساعدتني السيدة أمل ناصر بالأبحاث والكتابة.

 

حول ماذا تدور مسرحية "يا قمر ضوّي عالناس"؟

تدور حول احترام الإنسان للإنسان، لأننا وصلنا إلى عصر أصبح الإنسان فيه يعتقد أنه لديه الإمكانية والحق بإنهاء حياة إنسان آخر دون وجود سبب واضح لذلك غير الطمع والاستفراد وكل ما يتعلق بالجانب الشرير في نفسه. إذًا نتكلم عن الإنسان وقلّة احترامه للإنسان، لإنسانيته، لنفسه، لذاته هو كإنسان، لوجوده ولحياته.

لماذا هذه المسرحية الآن؟

لأني أرى ما نشهده اليوم في العالم على أنه أزمة الإنسانية الكبرى. ما نشهده يتجاوز برأيي الحرب العالمية الثانية وبشاعتها. نحن لم نرَ بطريقة مصوّرة ما جرى خلال الحرب العالمية الثانية التي من المؤكد أنها شهدت الكثير من الفظائع، لكن مجرد أن نعرف، أو نفكر، أو نرى كيف أن إنسانًا يقتل إنسانًا آخر أمام الكاميرا ويعرضها على الملأ للمشاهدة ومن ثم يشاهد هؤلاء الناس ذلك وربما يستمتعون في سرّهم بما يشاهدونه، فهذا بحد ذاته هو أزمة الإنسانية.

 

 

إلى أي فئة عمرية تتوجه هذه المسرحية؟

مبدئيا، عمر الست سنوات وما فوق، لسبب أنَّ الطفل، قبل السادسة من عمره، لن يفهم هذه الأمور، وهذا أعرفه من طبيعة اختصاصي في علم النفس حيث أعلّم تطور النُّمُوِّ الفكري والعاطفي عند الطفل. لكن من عمر الست سنوات وما فوق تبدأ الأسئلة الكبرى بالظهور وبخاصة في هذا الوضع الذي نعيشه في أيامنا هذه. فإن الأطفال يرَون ويسمعون عن كل العنف والجرائم التي تحصل حولهم بخاصة في منطقتنا ويشاهدون ذلك على التلفزيون. سيقول الأهل إِنَّنا لا ندع أطفالنا يشاهدون ذلك، وهذا ليس صحيحًا، إذ إنَّ الأطفال يشاهدونه من دون انتباه الأهل. كما أن الأطفال يسمعون أحاديثنا حول الموضوع ويسمعون كذلك قلقنا دون أن ننتبه نحن أنهم سمعوا. وهم كذلك لا يَدَعُونَنا نعلم مدى تأثير هذا القلق عليهم وكيف أنه انتقل إليهم، وكم يعذّبهم، وكم لديهم من أسئلة حَولَهُ، كما أنهم يعلمون أيضا أننا لا نملك أجوبة.

كل هذه الأمور جعلتني أكتب هذه المسرحية لفئة عمرية تتراوح بين الست سنوات والتسع وتسعين سنة، لأني أريد الصغار والكبار أن يسألوا أنفسهم عن إنسانيتهم، عن معنى هذه الإنسانية، عن كيف يتعاطون مع الآخر، وعن كيف يرَون الإنسان الآخر.

في المسرحية تساؤلات حول أمور كثيرة، الطائفية، العنصرية، فكرة الشر، وفكرة العنف. كل هذه الأمور هي للكبار لكنها أيضًا للصغار لأن هؤلاء الصغار هم الذين سيصبحون مستقبلنا. آمل وأتمنى بقوة أنها ستؤثر بشكل أو آخر في لاوعيهم.

يعتمد مسرح الدمى بشكل عام على احترافية الممثلين في تحريك الدمى وجعلها حية على المسرح حيث يلعب الممثل دورًا أساسيًا في تحريك الدمى دون أن يظهر هو. كيف يتم اختيار الممثلين للمشاركة في هكذا عمل؟

معظم الممثلين المشاركين هم من طلابي أو من خرّيجي معهد الفنون الجميلة. أنا أدرّس مادة اسمها "تمثيل بواسطة الدمى"، و"تحريك دمى". وأختار الطلاب أو الأشخاص الذين شغفوا بهذا النوع من العمل وتطوروا ويريدون أن يزيدوا خبراتهم في هذا المجال.

 

كيف يتم تدريب الممثلين على تحريك الدمى والتحرك على المسرح، وما هي المهارة التي يجب أن يتمتعوا بها؟

مهارة الدمى هي مهارة بحد ذاتها وهي لغة مثل اللغات الأخرى، الأوبرا، الباليه، السيرك، المهرّج، الدمى هي إحدى هذه اللغات ولها مهارتها الخاصة بها. وما قمت به معهم لم يكن تدريبًا بقدر ما كان تدريبًا فكريًا على اللغة التي يستخدمونها على المسرح.

لماذا يعتمد مسرح الدمى في دوار الشمس نظام الريبيرتوارrepertoire؟

نعتمد نظام الريبيرتوار، الذي يعني أن المسرحية الناجحة تستمر إلى جانب أُخَرْ جديدة دون توقف، لأنه يسمح لنا بإنتاج مسرحيات والسخاء عليها ماليًّا دون أي أسف أو قلق، وأيضا لأن هذا النظام يمكّن الناس من مواكبة وتطور هذا النوع من المسرح مباشرة. من هنا، فإن هذه المسرحية الجديدة "يا قمر ضوّي عالناس" باقية إلى أمد غير محدد مثل رفيقاتها.

 

رائد المسرح الإيمائي والمسرحيّ التربويّ، الفنان الكبير فائق حميصي، يرى أن مسرحية "يا قمر ضوّي عالناس" تمتاز بالنضج الفني وذلك احتراماً لقدرة الطفل على التذوق الجمالي. وقال إِنَّ "في المسرحية رسالتين أو هدفين، الأول في الحكاية وتعريف الطفل على المرونة في التفكير والإعتراف بمنظور الآخر حول نفس الحكاية، أقصد قصة يوسف والبير من وجهة نظر الذئب، والثاني تعدد الوسائط الفنية التي قدّم بها كريم دكروب القصة وجودتها من تصنيع الدمى إلى خيال الظل وتغليف كل ذلك بشاعرية في التعبير مضموناً وشكلاً".

بالنسبة للسينوغرافيا فقال: "احترافية جدًا وذكية وفنية بامتياز إذ إنَّها تعتمد على الشكل الدائري والألوان الفقيرة في ثياب المحرّكين حتى لا يزعج الدمى والموسيقى وكذلك اختيار ممثلين محترفين لتسجيل بعض الحوارات بالإضافة إلى الدلالة الكبرى للخلفية (القمر) وربطها بقصة الذئاب ... هناك وعي فني يربط كل عناصر الفرجة في العمل".

أما بالنسبة للموسيقى التي هي من تأليف أحمد قعبور، قال حميصي إنَّ "الموسيقى لعبت في العمل دورًا دراميًّا وارتبطت بالسياق العام للرؤية الإخراجية. هي فَرِحة في البداية ثم تتجه لمواكبة النص تصويرياً فقط مع انكشاف مدى وحشية الإنسان... الموسيقى تصبّ في رؤية المخرج لعالم الذئاب البريء والمَرِح ولعالم البشر الدنيء".

في النهاية، يبقى أن نقول، بين المسرح والتلفزيون اختاروا المسرح لأطفالكم ولكم، بين المسرح والسوق التجاري أو "المول"، اختاروا المسرح. فالسوق التجاري لن يتزحزح من مكانه هو وتجارته وسينتظرونكم دائمًا من أجل إنفاق المال، والتلفزيون هو موجود قبل أفراد العائلة في البيت ولا يتخلى بسهولة أبدًا عن موقعه المميّز. أما المسرح فيحترم طفلكم ووجودكم وفكركم. ولماذا الأفضل اصطحاب الأطفال إلى مسرح الدمى؟ لأنه يحترم خيال الطفل وفكره وعقله ويحترم كذلك العمل المسرحي، بالإضافة إلى تعامله باحترافية عالية مع نفسية وذهنية الطفل والمساهمة في نموه الاجتماعي والفكري والفني والنفسي. ولا بدّ من التذكير أنه يجب التفريق بين المسرح الحقيقي والمسرح الاستهلاكي إن كنا نريد المساهمة بطريقة صحيحة في نمو الطفل وفكره ونفسيته.

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.