3

:: جنس... وإِيحاءات – أزرار 925 ::

   
 

التاريخ : 29/01/2016

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 1361

 


 

 

لعلّ سُوءَ الظَنّ من أَقسى ما يُطالع الإِنسان، مُـلْــقِــيًا أَو مُـتَـلَـقِّــيًا، لِما يَـنجُمُ عنه من إِشكالات وشكليّات وتَشكُّلات اجتماعية أَو مصيرية.

من ذلك ما يَرشح عن إِيحاءٍ في كلمةٍ أَو صورةٍ أَو ملمَح، كما حصل قبل أَيام في مطار تورُنـتـو حين قبطانُ الطائرة (في رحلة من تورُنـتـو إِلى نيويورك) أَمرَ بــإِنزال أَربعة مسافرين أَميركـيّـي الجنسية "ارتاب" من ملامحهم، وليس فيها سوى لِـحًى وبَشَرة سمراء، لـمجرد أَنهم لا يُشبهون سائر الركاب الذين، عندئذٍ، نظروا إِلى أُولئك الأَربعة نِظرةَ ريبة.

وفي حادثة ثانية: تم جَـمْعُ كتاب "بلانش نيج والأَقزام السبعة" (منشورات "ﭘــنـغـوان"- "سلسلة وُولت ديزني للأَولاد") عن الطاولات المدرسية في دولة عربية لامتعاض المسؤُولين فيها من غلافه الذي يصوِّرُ أَميرًا يحمل الأَميرة الصغيرة "بلانش نيج" بعدما أَنعشَها بقُبلةٍ سحريةٍ إِثْــرَ غيبوبتها بسبب أَكْلها تفاحةً مسمومة، وهي قصة بسيطةٌ عاديةٌ من قصص الجن وحكايات الأَساطير، وليس فيها قَطُّ أَيُّ إِيحاءٍ جنسيّ.

وفي حادثة ثالثة: أَمَرت السلطاتُ في دولة عربية أُخرى أَن تُضرَبَ بالقلم الأَسود العريض، على صفحةٍ من كتاب مدرسي غربي عن "علوم الحياة"، رُسومٌ يدوية تمثّل كيفيةَ تَـحَــوُّل جـسَـد المراهقين عند سنّ البلوغ، وأُخرى لأَعضاء الخصوبة عند المرأَة.

هذه التدابير تنُمّ عن هاجسٍ وإِيحاءٍ، لا في الكُتُب ولا في الملامح، بل في العقول والتداوُل جراء سياسات التمييز العنصرية واتهامات متبادلة بين ما في الشرق من تقاليد وما في الغرب من حريات.

طبعًا ليس كلُّ ما في نصوص الغرب من علاقات هو بالضرورة إِيحاء جنسي، وليس كلُّ ملمح شرقي ذي شَعر أَسود وبَشَرة سمراء هو بالضرورة إِيحاء بالعنف والإِرهاب.     هو الخيَال، عند سَــيِّـــئِـي الظنّ شرقًا وغربًا، يُـقَـنِّـع الواقع ويغطّي مدلوله الحقيقيّ بإِيحاءات وتصوُّرات و"فانتاسمات" يُوغل الـمبالغون في استـنباطها من عبارةٍ أَو مقطعٍ أَو صورةٍ أَو رسم. فما في "بلانش نيج"، نصًّا ورُسُومًا، ساذجٌ وبريءٌ أَمام نُصوص "أَلف ليلة وليلة" وقيام شهريار بقتْل كل امرأَة مع الفجر، إِلّا شهرزاد أَبقاها تلك الليالي الأَلف والإِحدى لا لــ"عبقرية" قصصها بل لـمِتعته بأُنوثتها واشتهائِه إِياها أَمامَه.

فلا نختزلنّ الشرق والغرب بهذا الشكل المطلق. ليس كلُّ ما في الغرب يتوقَّف سطحيًا عند لون البَشَرَة، ولا كلُّ ما في الشرق يتوقَّف تحتياً عند النصف الأَسفل من الجسد.

مَن كان في تفكيره هاجسُ الجنس يظلُّ تفكيره إِيحاءً دائمًا في كلِّ ما يَسمع أَو يَـقرأ أَو يَرى. ومتى انحدَر التفكير إِلى النصف الأَسفل من الجسد، سيطرَ هذا على النصف الأَعلى، وكان الدماغُ أُولى ضحاياه.

 

 

يتمّ نشر هذا المقال بالتّزامن مع نشره في صحيفة "النهار" بتاريخ 30 كانون الثاني 2016

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.