3

:: لا تزال تنتظرُ! ::

   
 

التاريخ : 05/01/2016

الكاتب : إيلي مارون خليل   عدد القراءات : 1992

 


 

 

ı

       زارتْني، اليومَ، جارتي الأربعينيّةُ الجميلةُ، والّتي أجهلُ اسمَها. كانت تلفُّ جسدَها الدّهشةَ عباءةٌ حريريّةٌ سوداءُ، طويلةٌ، جميلة. ومُثيرة! همستْ بدفءٍ حميمٍ، تغلبُ عليه بُحّةٌ تخرقُ العظمَ:

       - أحتاجُ إليكَ!

       قلتُ:

       - في أيّ شأن؟

       - في بيتي أفعى!

       - أفعى! من أين أتت!؟ كيف تصل إلى طابقٍ ثالث؟

       - لا أدري! عجّل! عجِّل معي قبل تختفي!

       سحبتُ مفتاحَ بابي، وبه أقفلتُ، وأسرعتُ معها.

       بدتْ خطواتي المُتَعَجِّلةُ مُتَأرجِحةً. لكنّي تجاوزتُ مسافةَ العشرة أمتار خافِقَ الفؤاد، مُشَوَّشَ الذّهن. صحيحٌ أنّي ابنُ جبل، لكنّي، للمرّة الأولى، أُواجِهُ أفعى! حاولتُ أعودُ لآتي بعصا. قالت لي: حضّرتُها، لا عليك. دفعتْ بابَها، وكانت تركتْه مفتوحًا. توجّهتْ إليّ:

       - تفضّلْ!

       - لا! ليس قبلَكِ!

       - ندخل معًا.

       أخذتْ بيدي. ناريّةً، كانت يدُها. سألْتُ:

       - بكِ شيء!؟

       - دفعتْني، فجأةً، أمامها، وبشيءٍ من القوّة. ردّتْ بابَها بإبْهام قدمِها اليُمنى. أدارت فيه المفتاحَ، فأقفلَتْه. قادتْني أمامَها إلى غرفة النّوم. ازدادَ خَفَقانُ قلبي. سألْتُ: أين الأفعى؟ قالت:

       - كانت هنا!

       وأشارت إلى غير مكان في الآن عينِه.

       شككتُ في الأمر. وإذ عدتُ بنظري إليها، بدا وجهُها مُخْتَلِجًا. وقبل أسألُها السّؤالَ المُوارِب، أَفلتَتْ عباءتَها، فانسلّتِ انْسِلالًا مُتَمَهِّلًا، مُحدثةً حَفيفًا مُغرِيًا عَبْر تَهَدُّلِها المُثيرِ. بانتْ في عُريها الأوّل، صافيةً كفكرة مشرِقةٍ، مُتَحَفِّزةً كاسْتِعارةٍ جريئة، مُشْتَعِلةً كقلبٍ عاشق. فوجئتُ. وقبل تتصاعدُ دَهْشتي، دفعتْني فوق السّرير. ورَمَتْ بنفسِها فوقي. انحرفْتُ، فسقطتْ إلى جانبي، همسْتُ عاليًا:

       - مجنونة!

       - أرغبُ فيك أنت! أنفردُ بك. أكون معك لك من دون سواك!

       - متزوِّجٌ، أنا!

       - أعرفُ، وأنا أيضًا!

       - لا! يا ستّي!        

       - بلى يا سِيْدي! اخترتُكَ أنت!     

       - لكنّي...

       أَقْفَلَ فمُها فمي. كانت مفاجأة. أخذتْ تضغطُ عليّ. حاولتْ يداها العبَثَ بي. لكنّي تمكّنْتُ منَ الإفْلاتِ. إنّما بابُها مُقفَلٌ. فكيف العمل!؟                                                          خطرتْ لي فِكْرةٌ:

       - دعيني أهدأ قليلًا منكِ! كدتِ تَخنُقينني!

       - أنتَ تخنقُني من بداية آب! خلال تمّوز درستُكَ! حَييٌ. صَموتٌ. عاشقٌ للوحدة. وغالب الأيّام  وحدك. تقرأ وتكتبُ على أنغامِ الموسيقى الهادئة. تُثيرُني حياتُكَ!

       - وزوجُكِ؟

       - انطوتْ ورَقتُه، ومن زمان! ألا يُعجِبُك الأمرُ؟

       - ولماذا يُعجِبني؟

       - أكوننّ لك وحدك!

       ثمّ سألتْني:

       - ماذا تشرب؟

       - ما تشائين!

        وإذ اتجّهتْ إلى مطبِخها، فكّرتُ: كيف أنجو!؟ لا مفتاحَ في الباب. عباءتُها على الأرض. قلتُ: أَلُمُّها، آخذُها وألفُّها بها لأُخفي جسدَها. ولْأكنْ صريحًا: مُغْرٍ جسدُها. قامةٌ كما أرغبُ، وترغبُ شَهوتي! لونٌ كما أحلم. عطرٌ هو الأكثرُ نَفاذًا. فمُها طَيِّبُ النّفَس. لا تشكو من شيء، قلتُ في نفسي. لكنّي لا أُحِبُّها.

       وطلعْتِ في بالي! لم تكوني غائبةً، أصْلًا، ولا مُخْتَفية. فأتتْني حيلة. سألْتُها:

       - هل لديكِ فودكا؟

       - لا! فلْنشربْ ويسكي! ألنّوع الّذي تريد!

       - لا! آتي بالفودكا من بيتي!

       - مَن يَضمن لي عودتَكَ!؟

       - جسدُكِ!!

       أشرقَ وجهُها فرحًا. انتفض جسدُها ارتعاشًا.

       تهادتْ مُثيرةً، مُغْوِيةً، مُغْرِية. تتلوّى أُفْعوانيّةَ الحركات. تبتسِمُ مُحَرّكةً لِسانَها تُثيرُ، حتّى، الصُّخور. وإذ طوّقتْ عنقي بحرارةٍ، سمِعْتُ نبْضَ قلبِها. هَمَسَتْ:

       - ألا أُعجِبُكَ!؟ ألا أُثيرُكَ!؟

       - تُذيبينني!!

       - ستعود حالًا، أليس كذلك!؟ إنّي إليكَ شوقٌ واهتياجٌ لا يَرتَوِيان!

       وما فتحتْ بابَها، حتّى خرجتُ أتنفّسُ الهواءَ والحرّيّة.

 

ıı

       ما زالت جارتي الأربعينيّةُ الجميلةُ المُثيرةُ الّتي لا أزالُ أَجهَلُ اسمَها... تنتظرُ!

       ليس لأنّي عفيفٌ!.. بل لأنّي أُحِبُّكِ!

ألأربعاء 16 أيلول 2015

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.