3

:: إثارة الفتن لتحجيم دور حيدر العبادي وإقالته وبوادر الانشقاق ::

   
 

التاريخ : 11/11/2015

الكاتب : مصطفى محمد غريب   عدد القراءات : 1471

 


 

 

لا يختلف اثنان على أن رئيس الوزراء حيدر العبادي يواجه تحديات ليس من القوى المتحالفة والمشاركة في حكومته فقط بل من داخل التحالف الوطني وبالذات من ائتلافه، ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي، وهذه التحديات تتركز في تحجيم دوره وتسيير الصلاحيات التي أطلقها نحو دهاليز مظلمة قد تكون مقبرة لها، بهدف إقالته من منصب رئيس الوزراء وإيجاد البديل، ويتصدر الموجة نوري المالكي الذي أعلن انه باقٍ في منصبه كنائب لرئيس الجمهورية وهذا تحدٍّ واضح بانتقال الرفض والتحدي من السرية إلى العلنية، وبذلك يتصدر الموقف الانشقاقي داخل ائتلاف دولة القانون بما فيها بوادر الإقالات الأخيرة وحسب ما نشر في البعض من وسائل الإعلام عن إقالة علي العلاق من قبل مجلس شورى حزب الدعوة بعد أن اتهم علي العلاق "الأعضاء بالمأجورين". إلا أن سامي العسكري القيادي في حزب الدعوة نفى هذا الأمر وأكد "عدم صحته" وحسب ما أكده سامي العسكري أن "علي العلاق قدم اعتذاره حول تصريحاته الأخيرة والتي وصف بها أعضاء الحزب بالمأجورين لدول الخليج ولقد تم قبول اعتذاره ولا توجد هناك أية نية لإقالته وهو مستمر بعمله داخل الحزب" لكن الخلاف مازال قائماً حسبما نعتقد ويعتقد غيرنا.. ثم عمليات الاقتراب بين حيدر العبادي وكتل داخل التحالف الوطني واصطفاف كتل أخرى مع نوري المالكي وفي مقدمتهم كتلة بدر، هذه الخلافات الداخلية التي أصبحت شبه علنية تقريباً لن تتوقف وسوف تستمر في التوسع وتجاوز الحدود إلا إذا سارعت هذه الجهات إلى عدم نشر غسيلها على الحبال والركون إلى صفقات المساومة وتسويق الأمور تحت طائلة أو حجة الاختلاف في الرأي، لكن إعلان نوري المالكي تأييد مساعي ائتلاف دولة القانون أو البعض منه عن سحب التفويض الذي منح لحيدر العبادي وحكومته دليل على عدم التراجع أو إجراء تسوية "بوس اللحى"، ففي المقابلة التلفزيونية مساء الخميس ونشرها من قبل (سكاي بريس) تابع نوري المالكي سيره نحو تحجيم حيدر العبادي وإصلاحاته بالقول إنه "يؤيد مساعي البرلمان العراقي لسحب التفويض من العبادي الذي منحه له لتطبيق الإصلاحات" وأكد أن  "العبادي اخترق الدستور والاتفاقات السياسية المبرمة" وبذات الوقت رفض الإقالة من منصب نائب رئيس الجمهورية وأعلنها نوري المالكي بصراحة أنه "لازال محتفظا بمنصبه كنائب رئيس الجمهورية، وأن إلغاء هذا المنصب غير دستوري" لكن إجابة مصدر مسؤول في رئاسة الوزراء حول قضية إلغاء منصب نائب رئيس الجمهورية يناقض ادّعاء نوري المالكي حيث أكد المصدر إن "نواب رئيس الوزراء ونواب رئيس الجمهورية قد تمت أقالتهم وإيقاف رواتبهم منذ شهر آب الماضي وسحبت منهم المكاتب الرسمية ولا يمارسون أية صفة حكومية في الدولة العراقية منذ إقالتهم ولحد الآن ولا تراجع عن ذلك"، مبينا أن "أي ادّعاء خلاف ذلك هو مجانب للواقع" لكن نوري المالكي مازال متشبثاً بالموقع رافضاً الاستدعاء القضائي وهو يتصرف ولسان حاله يقول "طز على المظاهرات والاعتراضات وعلى قرار رئيس الوزراء حيدر العبادي" ويتصرف كأنه مازال الحاكم الفعلي وصاحب القرار النافذ ويستطيع أن يفعل أي شيء كما كان في السابق بدون أدنى مبالاة لا بالبرلمان ولا بمئات الآلاف من الجماهير التي أدانته بالفساد واستخدام السلطة لصالحه ولا بتقرير اللجنة البرلمانية التحقيقية حول تسليم الموصل وباقي المناطق إلى داعش الإرهاب وهو أمر لا يستغرب منه لأن نوري المالكي يصر على خلق المطبات أمام حيدر العبادي وحكومته، وكان تصريحه بخصوص كركوك مؤخراً قد أثار استياء الكثير من السياسيين المعتدلين الذين وضعوا نصب أعينهم قضية محاربة داعش الإرهاب والحد من سطوة وتوسع الميليشيات الطائفية المسلحة وتحجيم دور الفساد، وفيما يخص كركوك فقد صرّح نوري المالكي لقناة روسيا اليوم الجمعة 6/11/2015 "بإعادة كركوك إلى السلطة الاتحادية" وهو دليل على  تدخل نوري المالكي في عمل الحكومة ومحاولة للضغط على حيدر العبادي نفسه وخلق مشاكل جديدة وهو ما قابله رفض من قبل النائب محمد عثمان من كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني الذي اتهم نوري المالكي بالفتنة وخلق المشاكل وطالبه بالتوجه لمساندة ودعم القوات المسلحة من الجيش والبيشمركة والحشد الشعبي والعشائر لتحرير المناطق التي احتلت من قبل داعش ورفض تسليم الملف الأمني في كركوك لقطاعات عسكرية مثلما كان في السابق لعمليات دجلة التي انهارت لولا دعم ونضال البيشمركة "لسقطت كركوك" مثل حال المناطق الأخرى بيد داعش الإرهاب. وقال محمد عثمان منتقداً نوري المالكي "ليس من واجبك المطالبة بإعادة كركوك إلى السلطة المركزية، ولا تخلق مشكلات جديدة للحكومة الاتحادية" ثم أضاف "الأجدر بك دعم القوات الأمنية في تحرير المحافظات التي سقطت في عهدكم بأيدي تنظيم داعش، بدلا من إثارة الفتن، فقوات البيشمركة والجيش والحشد الشعبي والعشائر يقاتلون لتحرير المناطق التي احتلها داعش في الوقت الذي كنتم فيه رئيسا للوزراء، سياساتكم الخاطئة أوصلت العراق إلى ما هو عليه" وهو اتهام صريح وواضح من قبل عضو في البرلمان وممثل كتلة نيابية يتطابق في الرأي  تقريباً ما نص عليه تقرير اللجنة التحقيقية البرلمانية في قضية سقوط الموصل.

إن المحاولات الرامية إلى شلّ الإصلاحات وتبويش حيدر العبادي مازالت قائمة ولن تبخل لا في إيجاد الأساليب أو الطرق لكي يتم الإجهاض وتحويل الإصلاحات إلى مجرد شعارات فضفاضة غير فعالة محصورة في التصريحات الخطابية، وقد ساهمت هذه التحديات والمواقف الرافضة في خلق حالة من التشكيك وسوء الفهم وإبقائها في حالة من المراوحة وعدم التنفيذ ليس من قبل المواطنين فحسب بل حتى من قبل مسؤولين في السلطة التشريعية والقضائية، فبينما الصراع يشتد وتستمر المحاولات لإضعاف القدرات والتأثير على حيد العبادي وحكومته قام سليم الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي وأثناء محاضرة ألقاها في ملتقى الشرق الأوسط في اربيل بيّن رئيس مجلس النواب، أن "الحكومة تورطت بحزمة من التقشفات وارتبكت في تحديد مسار الإصلاح الذي كان يراد له أن ينشط باتجاهين، أولهما القضاء على الفساد وثانيهما تحسين الوضع المعاشي"، معرباً عن أسفه لـ"انتهاء كل التوقيتات الزمنية المحددة للإصلاحات والتي سبقها انتهاء توقيتات وثيقة الاتفاق السياسي التي تشكلت الحكومة على أساسها وهو ما يشير إلى خلل كبير وجوهري في العمل الحكومي" كما خصَّ سليم الجبوري البعض من النقاط وبخاصة سلم الرواتب الجديد وتخفيض الرواتب لأساتذة الجامعيين وغيرهم من الموظفين، بالإضافة إلى تصويت مجلس النواب بنفي تفويض حيدر العبادي البعض من اختصاصه مع العلم أن المجلس نفسه وافق بالإجماع قبل فترة ليست بالطويلة على ورقة الإصلاح "الحكومية والبرلمانية" مدّعياً ضرورة الفصل بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية حتى أن اللجنة القانونية البرلمانية شاركت بشكل ما في عملية الضغط والتحجيم عندما أكدت عدم السماح بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية وقد جاء على لسان ابتسام الهلالي عضو اللجنة القانونية ونشرته (سكاي برس) إن "إلغاء مناصب نواب رئيس الوزراء فهي من صلاحية رئيس الوزراء لكن إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ليست من صلاحياته كون الدستور العراقي نص في المادة 69 على أن يكون لرئيس الجمهورية نائبٌ واحدٌ أو أكثر" لكن الذي يُستغرب له عدم وضوح رأي رئيس الجمهورية فؤاد معصوم وموقفه من الإقالات بما فيها نوابه! وسكوته وكأن الأحداث في بلد آخر وليس العراق وهو رئيس الجمهورية.

وهكذا تتضح محاولات تحجيم حيدر العبادي وإفشال تنفيذ الإصلاحات بالاعتماد على البعض من القوى السياسية المتنفذة وصاحبة القرار وعلى الجهاز الحكومي القديم الذي يناطح كي لا يتم كشف ما هو خافٍ من الفساد والفاسدين على الرغم من رفض المرجعية  6/2/2015 لما يجري من التفاف ومماطلة بالدعوة إلى التنفيذ وبدون إبطاء، كما يتضح من سير الأحداث ومن الصراع الجاري في التحالف الوطني وداخل ائتلاف دولة القانون والبعض من القوى السياسية الأخرى أن هناك بوادرَ قويةً لحدوث انشقاقات داخلية وبين الأطراف المتحالفة وان لم تظهر للعلن في الوقت الراهن إلا أن الذين يتابعون الأوضاع السياسية والحرب الطاحنة في ثلث البلاد ضدّ داعش وتوسُّع نشاطات المليشيات المسلحة لتأخذ في الكثير من الأحيان دور المؤسسات الأمنية الحكومية وكبح عمليات الإصلاح بما فيها إصلاح الجهاز الحكومي وتقديم الفاسدين إلى القضاء. أما التصريحات التي تطلقها البعض من القوى السياسية القريبة حول المناصفة والإنصاف وتعزيها إلى أحكام الدستور وخير مثال تصريح ابتسام الهلالي  بان البرلمان يدعم إصلاحات العبادي ولكن وحسب تعبيرها "بشرط" وفق الدستور وعدم التجاوز على صلاحياته الدستورية، فأي دعم وأي تأييد بوضع الشروط واستغلال "كلمة حق يراد بها باطل"، كل ذلك يكاد أن يكون ضمن الجوقة التي ترى في الإصلاحات تحديد نشاطاتها وتحركاتها السياسية والطائفية مستفيدة من عدم الاستقرار واستمرار عمليات الفساد.

إننا نعتقد إن عملية الإصلاح تجابه جملة من التحديات من قبل المستفيدين من بقاء الفساد والاضطراب الأمني ونحن نؤكد أن الجهاز الحكومي والمهيمنين هم أول حجرة عثرة أمام التنفيذ والإصلاح وقد تحركوا باكراً منذ أو جملة أطلقها حيدر العبادي ولهذا تحتاج هذه العملية إلى أول ما تحتاج إلى جهاز الدولة غير الفاسد المؤمن بالإصلاح وكذلك مواصلة الضغط الشعبي واستمرار دعم المظاهرات وتفويت الفرصة على القوى السياسية المناهضة للإصلاح وفضح المحاولات الرامية لإجهاض العملية وجعلها محصورة في التصريحات والخطابات الإعلامية الفارغة أو امتصاص غضب الجماهير وانكفائها وتفويت الفرصة بخلق اليأس والنكوص من المطالب الجماهيرية.    

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.