3

:: مزالق عدم حل الأزمة في إقليم كردستان العراق ::

   
 

التاريخ : 20/10/2015

الكاتب : مصطفى محمد غريب   عدد القراءات : 1541

 


 

 

إن الإيمان الصادق (هناك إيمان للغشّ وإيمان للضلالة) بلغة الحوار هو الطريق العاقل، فيه الموعظة والعِبَر لحلّ أية نزاعات أو خلافات وللتخفيف من حالة التوتر وصولاً للتفاهم ودونه قد يؤدي إلى مخاطر ومزالق لا حدود لها ولا يُحمد عقباها، ولغة الحوار هي الطريق الحضاري الذي يُبعد الإنسان والجماعات والدول عن العنف والحرب والتخريب ويقرّب من الحلول السلمية والتفاهم وان كان على البعض من القضايا وصولاً للحلول النهاية أو حلول التوافق التي تقضي على لغة استعمال القوة والعنف، من هنا نجد أن العودة للتاريخ لاستخلاص الحكمة من النتائج المؤذية غير الحميدة عملية صائبة لكي لا تتكرر وتؤدي إلى أضرار أكثر مما كانت عليه، ونتذكّر مخاطر الخلافات والمشاكل بين القوى السياسية الكردية وكيف كانت النتائج وخيمة بجوانبها العديدة، ومن المفيد أن نستنتج الحكمة والفائدة من تاريخ الكرد على امتداد حُقَبٍ طويلة فقد خسروا الكثير من القضايا ذات المشروعية لحقوقهم بسبب تفرُّقهم وعدم وحدتهم وتحاربهم حتى أنهم غُبنوا وضاعت حقوقهم في قيام دولة كردية على أرضهم ممّا أدى إلى تقسيم كردستان وفق معاهدة سايس بيكو عام 1916 إلى خمسة أجزاء وتبعتها معاهدة لوزان 1923 التي طمست حقوقهم، وإذا ما أردنا التحديث عن مواجع التفرقة والتفرّد والخلافات والتطاحن فسوف نضع أيدينا على الكثير من النزاعات والخلافات ولغة السلاح، كما أننا سنضع أيدينا على الكثير منها في الماضي البعيد، أما الحاضر ونقصد بها قيام الحكم الذاتي في عهد النظام الدكتاتوري بعد اتفاقية 11 آذار 1970 أو إقامة الإقليم بعد انتفاضة 1991 ثم إجراء الانتخابات أيار 1991 في المناطق الخاضعة لسيطرة الكرد وحسب إعلان النتائج التي "لم يزكّها أحد ولا حتى رئيس الإقليم السيد مسعود البرزاني نفسه حينذاك" حيث حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 50.8% من الأصوات والاتحاد الوطني الكردستاني على 49.2% من الأصوات ولم تحصل جميع الأحزاب الباقية حتى على 1% وهو أمرٌ عجيب لكنه معروف، فهناك قضايا مازالت عالقة في الذهن وكيف كانت التفرقة والتحارب والخلافات قد وصلت إلى استعمال السلاح ومع مَنْ! وضد مَنْ؟! وبخاصة في 13 آب 1996  ولا نريد أن نعلق على ما نتج عنها من ضحايا وخسائر وضياع حتى البعض من المكاسب، ونؤكد أن طاولة الحوار سوف تجنب كل القوى السياسية الكردية مطبات الاقتتال والانشقاق والتفكير الجدي بالمستقبل.

إن تجربة الانتفاضة في إقليم كردستان والعراق عموماً عام 1991 غنية بسلبياتها وإيجابياتها لكن أهم ايجابية حصل عليها الكرد بعد ذلك الخروج من هيمنة وسطوة النظام الدكتاتوري وتطور وضع الإقليم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والمعيشي والعمراني حتى بدأت الأنظار تتجه إليه وتقارن ما بين تطوره المتلاحق من جهة والمناطق العراقية الأخرى التي بقت متخلّفة وفعلاً حظي باهتمام وإعجاب داخلي وعربي ودولي وتوجهت رؤوس الأموال للاستثمار والمساهمة في البناء وبخاصة بعد تطور القطاع النفطي واهتمام الشركات والدول بالتعامل مع حكومة الإقليم على الرغم من المحاولات التي كانت تهدف إلى زعزعة الاستقرار وإفشال عمليات التنمية وإجهاض التجربة وخلق الخلافات مع الحكومة المركزية في قضية استخراج وبيع النفط من قبل البعض من القوى السياسية الطائفية والشوفينية داخل العملية السياسية ومن قبل القوى الإرهابية والطائفية المعادية لتطلعات وحقوق الشعب الكردي فضلاً عن عرقلة تنفيذ المادة 140 من الدستور وخلق المشاكل أمام قيام الاستفتاء السكاني في كركوك أو المناطق المختلف عليها، وفي هذا المضمار يتحمل أيضاً رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري، ورئيس الوزراء السابق المالكي وقوى مشاركة في حكومته المسؤولية في خلق وتعميق الخلافات حتى وصلت تقريباً إلى القطيعة والتآمر على الإقليم، ولا نريد التطرق إلى الخلافات ونوعيتها ما بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم لأننا نهدف إلى موضوع آخر وهو عدم حل المشاكل التي كانت معلقة داخل الإقليم بين القوى السياسية الرئيسية ووصولها إلى الأزمة الراهنة وما جرى من احتقانات جماهيرية ومظاهرات واحتجاجات استغلت أيضاً بتدخلات ومحاولات لخلق الفتنة واستغلال النواقص لكي يتم الإجهاز على بعض الإنجازات التي تحققت بسبب نضال الشعب الكردي الطويل وتضحياته الجسام.

إن الأحداث المتسارعة التي وقعت في الإقليم هي إنذار حقيقي على مدى انحدار الأوضاع نحو التأزم وتحويلها من الاحتجاجات والمظاهرات السلمية إلى استعمال العنف من قبل البعض وحرق المقرات الحزبية والعنف المضاد من قبل الأجهزة الأمنية غير الموحدة بإطلاق الرصاص والقمع وهي بادرة خطرة لإشعال فتيل الصراع المسلح مهما قلّل البعض من خطورتها بتصورات ساذجة وخطابات عقيمة لأن التاريخ أثبت أن الحالة الراهنة والاحتراب الذي بدأ بشرارة صغيرة أو حدث صغير جداً ممكن حلّ إشكالاته بالحوار واللقاء والتفاهم، وفي هذا الصدد فقد أشار بيان الحزب الشيوعي الكردستاني الذي نشر في 10/10/2015 "أن حزبنا يندد بكافة أشكال العنف ضد الجماهير وضدّ المَقرّات الحزبية ويرى أن ائتلاف الحاكم المتكّون من الأحزاب الخمسة يتحمّل المسؤولية إزاء تدهور الوضع في كردستان كنتيجة لاحتكار السلطة" كما أوضح الرئيس العراقي السيد فؤاد معصوم  بصراحة أن "الإقليم يواجه أزمتين بارزتين، أزمة سياسية قانونية تخص رئاسة الإقليم، وأخرى اقتصادية تواجه الحكومة والمواطنين في آن واحد، فضلا عن خطر عصابات داعش الإرهابية" وقد دعا الرئيس العراقي بـ"ضرورة تضافر الجهود الحثيثة لمعالجة كلتا الأزمتين من جهة والتفرغ إلى مجابهة داعش". وأضاف موضحاً وبكل وضوح أن "الجماهير الكردستانية ناضلت منذ بدايات القرن العشرين وقدمت تضحيات جسيمة من أجل كوردستان والعراق، وما يلزم الجميع هو بذل قصارى الجهود من اجل إجهاض أية محاولة تهدف إلى جعل الإقليم محورا للصراعات السياسية وتصفية الحسابات" نعم بالذات تلك الصراعات السياسية غير المبدئية التي تقوم على المقولة السيئة الصيت "فرق تسد" وسدّ الطريق أمام إي خيار وطني وقومي نزيه ومخلص لتوحيد الجهود بين القوى السياسية الكردية لتوحيد الإدارات والمؤسسات الأمنية بما فيها البيشمركة واعتماد الديمقراطية والشفافية، ولهذا يرى كل الذين تعزُّ عليهم هذه الإنجازات أن تؤدي الخلافات والصراعات إلى عواقب سيئة تصيب أول ما تصيب الجماهير الكردستانية الكادحة والفقيرة وان تُستغّلّ لتوسيع رقعة المصادمات وتعطيل عملية الحلول السلمية ودفع الأمور إلى حافة الحرب ولغة السلاح المنتشر والعودة إلى الإدراتين المنقسمتين وهذا ما يشكل عودة إلى الوراء، إلا أن تصريحات مسؤول مكتب العلاقات العامة في الاتحاد الوطني سعدي احمد بيرة يدلّ على أن هناك البعض من الأصوات مازالت تسعى لحلّ المشاكل وتقريب وجهات النظر للخروج من الأزمة حيث قال سعدي إن "الاتحاد الوطني الكردستاني ليس جزءا من المشاكل بل يبقى دائما جزءا من الحلول. وعليه بدأ أول أمس، اجتماعاته لاحتواء الأزمة والتقارب بين الأطراف لحل المشاكل ونبذل قصارى جهودنا لاحتواء الأزمة بالحوار والتفاهم" وهي خطوة ايجابية لسدّ الطريق أمام المحاولات لتوسيع رقعة الشقاق، لكن أهم قضية تواجه الإقليم وحكومته هو الإسراع في حل مشاكل الجماهير ومنها معالجة قضية تأخير الرواتب بأسرع وقت ممكن فالناس تريد الخبز بالمعنى تريد أن تعيش ورواتبها تعد المصدر الوحيد لاستمرارها وعائلاتها في الحياة، وقضايا أخرى تخص حياة المواطنين وبخاصة الكادحة منها فضلاً عن ضرورة الانتباه إلى مسألة الحريات العامة والشخصية وحرية التعبير والالتزام بمسألة الديمقراطية والابتعاد عن التأثيرات والتدخّلات الأجنبية المتربصة وبخاصة البعض من دول الجوار التي تسعى إلى خلق الاضطرابات في الإقليم وتهيئة الظروف للانقسام وشقّ الوحدة وبذر الخلافات كي تنهي التوجّه العام للبناء وان تتحكم في القرارات السياسية وغيرها التي تتخذها حكومة الإقليم بشكل مستقل لفائدة الشعب الكردي، وفي هذا المضمار أشارت آواز حميد عضو لجنة الأمن الداخلي في برلمان الإقليم لجريدة للشرق الأوسط "بأن التحقيقات الجارية حول أسباب اندلاع أعمال العنف في الإقليم أسفرت عن إلقاء القبض على نحو 400 شخص غالبيتهم من الإيرانيين من القومية الفارسية، وبعض السوريين الذين كانوا يتواجدون في المناطق التي شهدت المظاهرات" إذ ثبُت ومن خلال تأكيد أواز حميد أنهم "غيروا اتجاه هذه المظاهرات من مدنية سلمية إلى أعمال شغب" وقد تكون البعض من القوى المتنفذة في العراق لها يد غير مباشرة في خلق الفتنة للاحتراب وهناك أدلّة ملموسة سابقة على النهج العدائي للشعب الكردي والإقليم، فطريق الحوار والمفاوضات بين الفرقاء سيقف ضد التدخل الخارجي وهو سُلَّم الأمان لأبعاد الشعب الكردي في الإقليم عن المأساة التي قد تكون أكثر مما سبقها من مآسٍ، وإبعاد الشعب الكردي عن خطر التقسيم والاقتتال والعودة للمربع الأول الذي يتحكم بالمصير بما فيها فشل الفيدرالية وضياع المكاسب لتحقيق العراق الفيدرالي التعددي الديمقراطي، قمة الحوار في الموعظة والعبرة وتدقيق المواقف وتصليح الأخطاء وتعديل المسار لفائدة الجميع ليس في الإقليم فحسب إنما في العراق كله.

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.