3

:: أعداء الديمقراطية هم أعداء الشعب العراقي ::

   
 

التاريخ : 09/10/2015

الكاتب : مصطفى محمد غريب   عدد القراءات : 1531

 


 

 

 

على طول الحقب التاريخية التي مرت على البشرية ومنها العراق لم نلمس يوماً أن يصطف أعداء الديمقراطية إلى جانب الشعب ولمصلحة الوطن ومهما ادعى هؤلاء بالوطنية والقومية والدين والتراث والتقاليد فهم على الأرجح يقفون موقفاً طبقياً من مفهوم الديمقراطية الحقة التي تعبر عن المصالح السياسية والطبقية للشغيلة، وأولئك الأعداء يتشبّثون بتلك المقولات التي يرون الديمقراطية من خلالها مستورداً أوربياً غربياً أو يرغبون أن تكون الديمقراطية حسب قياسات تتماشى مع عقلياتهم ومصالحهم وبالإمكان تجزئتها في هذا المجال أو ذاك. إلا أن ذلك لم يجد نفعاً لأن وعي الشعوب آخذٌ بالتطور نحو مفهوم الحريات العامة والشخصية ومبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية، ولم تكتف الشعوب في نضالها من اجل تحقيق الديمقراطية على البعض من النجاحات بل استمرت في سبيل أن تكون إنجازات التحقيق أكثر ايجابية ولا تتوقف عند حدود يضعها الحكام والطبقات المُستغِلة، ولهذا يستمر النضال من اجل تحقيق المزيد من الحقوق وانتزاعها من القوى التي ستظل تسعى للتجاوز والهيمنة والاستغلال. لقد عانت الشعوب وبخاصة الشغيلة وسائر الكادحين الكثير من التعسف والاضطهاد والاستغلال جرّاءَ النهج التعسّفي والدكتاتوري والعنصري. واليوم عندما نشاهد ونلمس البعض من النجاحات في مجال حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية فذلك ليس بمنّة قدمتها الرأسمالية أو هبة من عندها بل أنها ثمرة للصراع الطويل والتضحيات الكبيرة التي كانت السبب الحقيقي لتحقيق هذه الإنجازات، ولو تسنى للنظام الرأسمالي وأقطابه من الرأسماليين وحلفائهم الطبقيين العودة إلى الوراء في عدم تحديد ساعات العمل والعمل بالسخرة وإلغاء الأحزاب التقدمية والاشتراكية والشيوعية والتنظيم النقابي والقوانين التي حققت بفضل النضال حقوق الإنسان والحقوق النقابية والديمقراطية والحريات وغيرها فإنهم لن يتأخروا في التنفيذ، وما نراه في أوربا والغرب بالذات ليس بالأمر الطبيعي لجوهر النظام الرأسمالي الذي نشأ على استغلال قوة الإنسان وزيادة الإرباح، والهدف الأساسي للنظام الرأسمالي لاستمرار النهب والاستغلال للبقاء وإيجاد طرق وأساليب جديدة للاستغلال، ولهذا نجد أن الادعاء بالديمقراطية وحقوق الإنسان مثلاً من قبل الإدارة الأمريكية مغاير لما قامت عليه الرأسمالية الأمريكية ولسياستها الداخلية والخارجية، وعندما نذكر الولايات المتحدة الأمريكية فذلك نعني أنها الدولة الرأسمالية الأكبر في العالم ونعتبرها مثالاً للنظام الرأسمالي فعدد سكانها تجاوز (320) مليوناً واقتصادها اكبر اقتصاد وطني في العالم حيث بلغ الإنتاج المحلي لعام (2008) نحو (3. 14) تريليون دولار أمريكي إي (23%) من المجموع العالمي لكنها في الوقت نفسه اكبر مسرحاً للبطالة والفقر والجريمة المنظمة وغير المنظمة حسب تصريح الرئيس الأمريكي اوباما حول جريمة جامعة اومباكو في ولاية اريغون حيث قال إننا لسنا البلد الوحيد على وجه الأرض الذي لديه أشخاص يعانون من أمراض نفسية أو يريدون أن يلحقوا الضرر بآخرين، لكننا الدولة المتقدمة الوحيدة على الأرض التي تشهد مثل هذه الحوادث لإطلاق النار الجماعي". وأكد اوباما: "أكثر من عشرة آلاف شخص يموتون سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة أعمال العنف المسلحة، وهذا يجب أن يتغير". ونحن نعرف لن يتغير لا في أمريكا ولا في إي نظام رأسمالي إذا ما تابعنا تصاعد وتزايد نسبة الجريمة خلال الثلاثين سنة الأخيرة أكثر من (5) مرات حسب الإحصائيات الرسمية وان عدد الفقراء ارتفع بمستويات قياسية حتى بلغ حسب البيانات الرسمية في عام (2012) حوالي (49) مليون أمريكي تحت عتبة الفقر أي (16 %) من إجمالي السكان بينهم (16) مليون طفل فقير، أما ارتفاع معدلات البطالة التي لم يتم معالجتها فحسب بل هي في ارتفاع مضطرد فقد أشارت إحصاءات مكتب العمل الاتحادي في أمريكا نفسها إلى ارتفاع معدلات البطالة ولهذا حذرت الأمم المتحدة عام (2014) من ارتفاعها في العالم حيث لم تشهد سنوات ما بعد الحرب الباردة إي هبوط في هذه المعدلات إن كان في الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوربي وبخاصة البلدان الصناعية والمتطورة صناعياً، ورغم الإشارات حول ارتفاع إنتاجية الشغيل الأمريكي بالنسبة لأوربا والعالم فقد أشارت الإحصائيات الرسمية إلى ارتفاع البطالة إلى (9) ملايين عاطل أي بارتفاع (700) ألف عاطل عن 2014 وهي أرقام غير عادية بالمقارنة مع الدول الأوربية الرأسمالية الصناعية والمتطورة صناعياً في الاتحاد الأوربي "كألمانيا وفرنسا" فهي لم تقل أو تتراجع بل العكس هو الصحيح، وهناك قضية مهمة وهي قضية انتشار الدعارة والمتاجرة بالنساء التي تحتل حيزاً غير مشهود بسبب الفقر والتفاوت الاجتماعي حتى أصبحت ركناً مهماً في السياحة الجنسية تديرها شركات متعددة الجنسيات تسعى للاعتراف بها قانونياً كقطاع اقتصادي لجنى الإرباح بالمفهوم الرأسمالي.

ولعلنا بهذه الأمثلة القليلة نكشف أكثر عن مفهوم الاستغلال الرأسمالي وعدم عدالته ليس بالنسبة للديمقراطية والحريات العامة فحسب بل حتى مفهوم العدالة الاجتماعية التي طبّل ويطبّل البعض من المبهورين الذين يحاولون تجيير البعض من الإنجازات وبخاصة مجال الاجتماع والصحة والتعليم والمساعدات الاجتماعية وغيرها بدون التدقيق أن هذه الإنجازات تستغل في جوهرها لمصالح الرأسمالية وتتوافق مع سياسة الاستغلال وهي إنجازات سببها الصرع الطبقي والاجتماعي وتنامي وعي الشغيلة وإصرارها على تحقيق مطالبها المشروعة.

 ان هذه الإحصائيات وغيرها عن الاتحاد الأوربي لا يمكن مقارنتها بما هو الحال في ما يسمى سابقاً "الدول النامية" أو الدول غير الصناعية، فالبطالة وعدم توفر فرص العمل، والفقر ودون خط الفقر والجريمة المنظمة وسوء الخدمات تفوق التصورات وهي نسب عالية جداً وأكثرية هذه البلدان تتبنى اقتصاد السوق وتنتهج الطريق الرأسمالي، فضلاً عن وجود فرق شاسع في قضايا الحريات العامة والشخصية ومفهوم الديمقراطية، فالعداء للديمقراطية نهج سارت عليه أكثرية حكومات هذه الدول وابتلت شعوبها وقواها الوطنية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات بنهج التسلط وانعدام حريات التنظيم والانتماء، وثبت بالملموس إن أعداء الديمقراطية من الحكام والطبقات الرجعية والعقليات الظلامية الدينية والطائفية مازالوا ينتهجون هذا النهج المدمر وان ادعوا بالديمقراطية، وعانت الكثير من الدول العربية من النهج المعادي للديمقراطية وحجب الحريات ولو اتخذنا أمثلة فسوف نجد أكثر من دولة تنهج نهجاً لا ديمقراطياً والبعض منها نهجاً دكتاتورياً، في مقدمة هذه الدول وخير مثال هو الأنظمة المتتالية على العراق التي لم تكن يوماً من الأيام تتطابق ما تعلنه بالأقوال وما تعمله على ارض الواقع في مجال الحريات والديمقراطية على الرغم من أن هناك فترات على وجود حياة برلمانية لكنها في الواقع شكلية "لا تهشّ ولا تنشّ" وبمجرد ظهور أية معارضة سلمية أو مظاهرات أو اضرابات عمالية سرعان ما تكشر السلطة عن أنيابها، وبدلاً من تنفيذ البعض من المطالب البسيطة التي لا تتعدّى كونها مطالب معيشية أو سياسية حتى يتم إلغاء الهامش من الحريات نحو الأحكام العرفية وحالة الطوارئ وتفتح أبواب السجون والمعتقلات والاعتقالات التعسفية والتعذيب حتى الموت وتصدر الأحكام العرفية الطويلة الأمد بما فيها الحكم بالإعدام، وعلى امتداد حقب تأسيس الدولة العراقية ولن نذهب ابعد من تاريخ التأسيس المذكور فطوال العهد الملكي لم ير الشعب العراقي فسحة من الديمقراطية الحقيقية ولا صحوة برمانية إلا لفترات قصيرة جداً تكاد لا يحسب لها إلا للإشارة والمقارنة، وطوال فترة ثورة 14 تموز 1958 والفترات التي تلت هذه الثورة وأثناء حكم عبد السلام عارف وأخيه عبد الرحمن عارف لم يشهد العراق دستوراً يقر الحياة السياسية البرلمانية أو التوجه لبناء الدولة المدنية أما الحديث عن الانقلاب الثاني لحزب البعث العراقي وحلفائه في (17 تموز 1968) فهي المأساة الثانية بعد فترة (9) اشهر من هيمنة حزب البعث العراقي بعد الانقلاب الدموي في (8 شباط 1963) أما الفترة التي تلت (17، 30 تموز 1968) على الرغم من بعض الانفراج السياسي وقيام فترة التحالف التي كانت عبارة عن خدعة لتثبيت أقدام أعداء الديمقراطية والحريات الحكام البعثيين وحزبهم، إلا أن تلك الفترة تعتبر المأساة الثانية بالنسبة للحياة الديمقراطية وبالضد من الحريات السياسية والاجتماعية وعندما اسقط النظام البعثصدامي وجاء الاحتلال الأمريكي البريطاني تصور البعض أن الوعود الأمريكية بإقامة النظام الديمقراطية قريبة التحقيق، إلا إن ذلك حسمته الوقائع بعد تسليم واستلام أحزاب الإسلام السياسي الشيعية وحلفائها من الجهة الثانية، فالديمقراطية النسبية التي تحققت بفعل نضال القوى الوطنية والديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي والأوضاع الداخلية المأزومة بسبب المحاصصة والإرهاب والميلشيات الطائفية جعلت الاستقرار في مهب الريح ودلت أكثرية الممارسات التي قامت بها الأحزاب والكتل صاحبة القرار بما فيها سن القوانين عبارة عن ديمقراطية على مقياس هذه القوى السياسية والدينية والطائفية وبالحقيقة هو تشويه للمفهوم الديمقراطي الذي تسعى له القوى الوطنية وأكثرية الشعب العراقي.

ان أعداء الديمقراطية من طبقيين ورجعيين وإرهابيين وعنصريين ودكتاتوريين في كل زمان ومكان يستغلون الديمقراطية بديمقراطية مشوهة أو جزء منها حسب المصالح أو تحقيق البعض منها على حساب ملايين الناس، وهذا الاصطفاف لم ينبع من فراغ لأنه يرتبط بالمصالح الطبقية ويعتبرون الديمقراطية والديمقراطيين من ألد أعدائهم، ولكن ما في اليد حيلة فالممارسات التي مورست لمقاومة المطالب المشروعة للشغيلة وأكثرية فئات الشعب كانت بدافع عدم تحقيق الديمقراطية النسبية أو جزء ضئيل من الحقوق المشروعة ولا توجد فوارق في الممارسة الإرهابية السلطوية ما بين أعداء الديمقراطية في أوربا أو أمريكا أو عموم الاتحاد الأوربي وبين حكام الدول النامية أو الفقيرة وفي مقدمتها العراق الذي مازال يعاني من هؤلاء الأعداء الذي يختفون تحت عباءة أو البعض من العمائم بعدما فشل أولئك الذي كان يرتدون قبعات وجبب التقاليد والتراث وأولئك الذين لبسوا جلباب القومية العربية والقضية المركزية التي دمروها بمواقفهم وجميعهم تتساوى عندهم مسالة العداء للديمقراطية وجميعهم ينضوون تحت سقف الكراهية لحقوق الشغيلة وسائر المطالبين بالحريات والحقوق وبالضد الديمقراطية، والعراق اليوم شاهد على ما نقول، كيف يتصرف ويعمل ويتجه الإرهاب والميليشيات والأحزاب الطائفية المتنفذة وممثليهم في السلطات الثلاث، وهذا الذي نشهده من كوارث ومآسي الحرب مع داعش وما تقوم به الميلشيات المسلحة والقتل والخطف والتفجيرات والفساد وعدم الاستقرار والبطالة والفقر وتردي الخدمات والصراع على السلطة والخلافات بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان.. أنهم مازالوا أعداء الديمقراطية لأنهم أعداء الشعب العراقي!

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.