3

:: مشروع تقسيم العراق بين الحقيقة والخيال ::

   
 

التاريخ : 26/09/2015

الكاتب : مصطفى محمد غريب   عدد القراءات : 1508

 


 

 

 

تقسيم العراق بشكله المخيف خطوة يُحضَّر لها وفق حسابات ستنجز في الوقت المناسب وتحت طائلة من الظروف المستجدة التي تُهيّئ للتقسيم وإنجاحه وهو سيكون بالأساس بدعم داخلي ودعم خارجي مستمر منذ زمن لإنجاحه من أجل خدمة المصالح وفي مقدمتها التبعية والتدخّل في الشؤون الداخلية، وشهدنا ونشهد ما يطرح من مشاريع  مختلفة تصبّ في آخر الأمر في صالح التقسيم وضدّ وحدة العراق، وتبقى مخاطر التقسيم اقرب منها للحقيقة وليس الخيال كما يتصور البعض من الساذجين.. 

منذ أن طرح جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي اوباما رأيه بالوضع الراهن في العراق والمشاكل الكبيرة بين القوى السياسية والدينية والطائفية وازدياد الاضطراب الأمني ودور الإرهاب والميليشيات والفساد المالي والإداري طارحاً مشروعه التقسيمي إلى ثلاث دويلات "شيعية وسنية وكردية" (على ما يبدو انه تناسى وجود قوميات أخرى وحقوقهم المنصوص عليها في الدستور أو في المواثيق الدولية وحقوق الإنسان) وبمجرد طرح مشروعه قامت قيامة من الاعتراضات منددة بالمشروع مؤكدة على وحدة العراق وعدم التفريط فيها، وانكفأ المشروع حسب الاعتقاد إلى حين وبقى الهاجس يشغل الكثير من مختلف المشارب والمكونات متوقعين بروز الفكرة ثانية وبخاصة بعد تدهور الوضع السوري، ولم تجد الحلول المقدمة من قبل القوى السياسية لإصلاح الأوضاع نفعاً لا بل دخلت القوى الإرهابية على الخط من حزب البعث المنحل والقاعدة المتمثلة بجبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" والهيمنة على أراضٍ واسعة في العراق وسوريا، وجاهدت القوى الوطنية والديمقراطية والحزب الشيوعي العراقي في الإعلان عن معارضتهم واتهام نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن بتهم "ما أنزل الله بها من سلطان". مشروع جو بايدن لم ينطو وظل يتنفس في الخفاء وبقت القوى المتنفذة وبخاصة البعض من أحزاب الإسلام السياسي صاحبة القرار متمسكة بنهج المحاصصة ولم تنزل عن صهوة حصانها الطائفي ولا من الهيمنة وتزوير الانتخابات وانتشار الفساد أكثر من السابق، ولم تلتفت بشكل جدي إلى تطهير المؤسسة الأمنية المخترقة، ولم تعر انتباهاً في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات معتمداً على العقلية القديمة التي تعتبر القوة والعنف سياسة للسيطرة والتحكُّم وهي عقلية استحواذية سرعان ما خلقت نوعاً من الاستياء العام مما سهّل في بداية  الأمر الاستيلاء على الموصل ومناطق أخرى ثم بعد ذلك الأنبار من قبل داعش فأدّى إلى شبه عزل للمحافظات الغربية ثم الظروف الخاصة في وضع إقليم كردستان العراق وهذه الحالة الراهنة شجّعت الاستنتاجات بخصوص التقسيم مع ضبابية حول مستقبل العراق، وساهمت سياسة نوري المالكي في تعميق الأزمة بدلاً من إيجاد حلٍّ منطقي يبعد البلاد عن حمامات الدم والتفرقة.

 اليوم راحت ترتفع الأصوات حول عدم بقاء العراق وسوريا كدول وهما في طريق التقسيم فقد أعلن مدير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية الجنرال فنسنت ستيوارت إن "العراق وسوريا قد يكونان قد تشظيا إرباً على نحو دائم بسبب الحرب والتوترات الطائفية وارى أن البلدين يمرّان بمحنة عصيبة يتعذّر عليهما الرجوع لما كانا عليه" وعبّر عن شكوكه في استيعاب رجوع الإقليم والكرد إلى "حكومة العراق المركزية" كما أن جون برينان مدير وكالة المخابرات المركزية الـ (CIA) فقد قال إن "حدود البلدين، العراق وسوريا، ما تزال قائمة على حالها ولكن حكومات البلدين فقدت السيطرة عليها" الاستخبارات الأمريكية وعلى لسان مديرها ومسؤوليها تؤكد على عدم اعتبار تقسيم العراق وسوريا هدفاً للولايات المتحدة الأمريكية لكن الأوضاع التي تمرّ بالبلدين تشجع الاستنتاج بالاحتمال الممكن للتقسيم، إلا أن وكالة الاستخبارات الأمريكية تتغاضى عن مشروع جو بايدن الذي دعى بالأمس القريب إلى تقسيم العراق لثلاث دويلات. أما الادّعاء بأن ذلك ليس ضمن أهداف الولايات المتحدة الأمريكية فيُعتبر من فنون التمويه لسبب بسيط هو احتلال العراق 2003 وتشكيل مجلس الحكم على أسس المحاصصة وبهذا خَطَت الولايات المتحدة الأمريكية أول خطوة نحو التقسيم وساعدت على تشجيع التوجه الطائفي، ولسنا بصدد تقييم سياسة الحكومات العراقية منذ وزارة إبراهيم الجعفري ونهجها المدمر الذي ساعد على انتشار رقعة الإرهاب والميليشيات والاحتقان الطائفي، وإنما كيف ستتم معالجة هذه القضية الخطيرة والعمل على بناء الدولة المدنية الاتحادية بدلاً من بعثرة البلاد إلى دويلات متطاحنة مثلما حدث في يوغسلافيا السابقة، والبحث عن الكيفية لدرء المخاطر داخلياً إضافة إلى التدخلات الخارجية هو أمر صعب للغاية، وما يزيد الوضع تعقيداً أكثر أن من سعى إلى خلق هذه التداعيات الطائفية مازال يقف ضدّ المفهوم الوطني للمواطنة وهو يمتلك القرار والإمكانيات الداخلية والدعم الخارجي للاستمرار في النهج التقسيمي، ففي الوضع الداخلي نجد بدلاً من التوجه نحو مفهوم المواطنة والوحدة الوطنية أصبحت الطائفة والعشيرة والأفخاذ قاعدة للانطلاق في بناء العلاقات وهذا يعيد الوضع في العراق إلى المربع الذي اعتمد عليه النظام السابق في سنواته الأخيرة. أما التوجه الخارجي فنجد أن البعض من أقطاب أحزاب الإسلام السياسي يغضّ النظر عن التدخل الإيراني في الشأن العراقي ويعتمد على الدعم المباشر وغير المباشر الذي يقدم بسخاء مقابل الطاعة، بينما يهاجم قطر والسعودية والإمارات وبعض الأحيان الأردن، بينما الجهة الأخرى تهاجم إيران وتتهم بشتى التهم وهذا دليل على عدم الولاء للوطن، بينما نجد أن القوى خارجية تهتم بمصالحها الوطنية وتفضّلها على مصلحة العراق، وهنا تكمن عقدة الاختلاف في المفهوم الوطني ودليل على عدم وحدة الرأي وضعف الانتماء، ففي أوضاع البلاد المأساوية بدلاً من خوض الحوار والنقاش الايجابي المثمر بخصوص الإنقاذ والبناء نرى تفاهة المناقشات حول منْ الأصلح والمخلص من قبل دول الجوار وبخاصة البلدان التي ذكرناها مسبقاً، ففريق يزكّي ويدافع بشكل تحسّ معه انه ليس بالعراقي وفريق يدين ويصطفّ مثل الفريق الأول وتحسبه ليس بالعراقي أيضاً. والمتابع للحوارات والمناكفات لكلا الطرفين سيجد الحقيقة المؤلمة وكأنما الأطراف هذه ليس لها بالعراق "لا ناقة ولا جمل" ولا مسحة وطنية بل تجد كل فريق منهم تابع بالسر أو بالعلن لدولة خارجية أخرى وقد نعطي عشرات الأمثال والتصريحات الموثقة لكننا نكتفي بمثل جديد جداً فقد أكد القيادي في الحشد الشعبي ريان الكلداني ، الثلاثاء  22/8/2015 أن "إيران دعمتنا بالتسليح والاستشارة ولولاها لكان أبو بكر البغدادي في المنطقة الخضراء" (الرئيس الإيراني حسن روحاني الأربعاء 23 أيلول 2015 أكد على وجود قوات إيرانية في العراق: الجيش الإيراني الوحيد القادر على الإرهاب) ويسترسل الكلداني ويقول "هناك أقنعة كثيرة لسياسيين مازالوا في الحكومة العراقية تعاملوا مع داعش وساعدوه على دخول الموصل ولدينا أدلة سنقدمها بعد تحرير المدينة لفضحهم" ــ هل يفهم الفقهاء معنى لولا إيران لدخل داعش إلى المنطقة الخضراء، ــــ  فكيف يمكن تبرئة  نوري المالكي وحكومته التي بذخت مليارات الدولارات على الجيش والشرطة وأجهزته الأمنية التي مازال البعض منها تحت قبضه يديه يستعملها متى يشاء؟! ــــ لماذا لا يفضحهم ريان الكلداني الآن ويقول كلمته ؟ ماذا ينتظر؟ ــــ وهل سيسمح له نوري المالكي والكبار الآخرون أو رؤساؤه بقول ما يريد إثباته؟ الله العالم..

هؤلاء الذين قصدهم ريان الكلداني يحملون الوثائق العراقية للضرورة لتمشية أمورهم في العملية السياسية والعراق، وهذا تقسيم آخر يضاف للمشروعات التقسيمية التي تحيط بالوضع العراقي، ويأتي البعض ليفلسف الوحدة العراقية التي "ستتحطّم عليها جميع مؤامرات التقسيم!!" هذه الأدوات والآليات هي قاعدة تهيئة لتقسيم البلاد عاجلاً أم أجلاً إذا لم تسارع القوى السياسية المخلصة للعمل المثمر من اجل عدم نجاحها وبضرورة حل المشاكل المتعلقة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والخدمية وتطبيق الدستور وبخاصة بناء الدولة الاتحادية وتحقيق المصالحة الوطنية وحل المشاكل مع الإقليم وإيقاف التداعيات المعادية بين الطرفين لخدمة المواطنين.. ولا بد من الإشارة أن قضية التقسيم والحرب الطائفية وقضايا المصالحة والعلاقة مع الإقليم تحظى بقبول أكثرية شعبنا وقواه الوطنية والديمقراطية.. تدعم وتؤيد التوجه نحو الإصلاح الحقيقي، وتغليب العام على الخاص فيما يخص المصالح الوطنية والانحياز لمصالح الشعب في المواطنة والمساواة في الحقوق.

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.