3

:: لئلّا يُساءَ الفهم ولا الظنّ... ::

   
 

التاريخ : 22/09/2015

الكاتب : حـنّـا نـور الـحـاجّ   عدد القراءات : 2767

 


 

 

(بشأن المدارس العربيّة الرسميّة، والمدارس العربيّة الأهليّة)

 

كلّما أشار أحد إلى مدارسنا الأهليّة مُشيدًا بها وبإنجازاتها وبتاريخها وبعراقتها، ظنّ البعض أنّ في الإشادة تعريضـًا أو تشهيرًا بغيرها من المدارس، أو بهم هم شخصيًّا. كلّما قيل إنّها مدارس عـريقة، ظنّ البعض أنّ المقصود بذلك أنّ كلّ مَن سِواها هي مدارس غـريقة. إن قال أستاذ لأحد طلبته: "رائع!"، فهل ينبغي للطالب الآخر أن يفهم من ذلك أنّ الأستاذ يقصد أنّه هو تحديدًا لا يستحقّ أيّة كلمة طيّبة؟! إن قالت الأمّ لابنها إنّها تحبّه، فهل على ابنتها أن تستنتج من هذا أنّ الأمّ لا تحبّها؟!

أعرف (وربّما أكثر من كثيرين سواي) أنّ بعض المدارس الرسميّة لها تاريخ مَجيد وإنجازات حاضرة تُشرّف كلَّ من انتسب وينتسب إليها. بعض تلك المدارس (الرسميّة /الحكوميّة) ناجحة ومشرّفة بكلّ المقاييس، رغم سياسة التمييز العنصريّ والإهمال الحكوميّ. ولولا خَشْيتي من أن يَغمط نسياني حقَّ بعض منها، لأشرت إليها بأسمائها متغنّيًا. بعض هذه المدارس الرسميّة كانت ناجحة وحافظت على نجاحها، وبعضها خَبا نجاحُها أو انحسرَ أو تضاءلَ أو تَبدّدَ، وبعضها بزغ نجمها اللامع منذ مدّة قصيرة (دام نجاحها ودام تألّقها). وليس في الأمر تَجَنٍّ إن توخّينا الدقّة فاعترفنا أنّ عددًا غير قليل من مدارسنا الرسميّة يعاني ضعفًا وتدنّيًا في مستويات النجاح، وأنّ الحكومات الإسرائيليّة تتحمّل قسطًا كبيرًا من المسؤوليّة عن هذا الوضع المؤسف. أقول "قسطًا كبيرًا"، لأنّي أعرف كالكثيرين أنّ هنالك أسبابًا أخرى داخليّة "يمكن تبرئة" الحكومة من وجودها. وأضع "يمكن تبرئة" بين مزدوجين لأنّنا نعرف أنّ الحكومة لا تعمل بما فيه الكفاية لأجل تحسين أوضاع تلك المدارس، ولأنّ هذه الأسباب الداخليّة ومعالجتها هي في نهاية المطاف ضمن مسؤوليّات /تقصيرات الحكومات والوزارات المتعاقبة.

كثيرون من الزملاء الرّائعين (ومنهم من تجمعني بهم صداقة صادقة عميقة) يدرّسون في المدارس الرسميّة. لوجود هؤلاء دَوْر في تحقيق النجاحات والإنجازات التحصيليّة في مدارسهم الحكوميّة /الرسميّة. وللاستدراك نقول: حين نشير أنّ لهؤلاء الزملاء في مدارسنا الرسميّة دورًا في النجاح، هل سيفهم البعض من هذا أنّنا ننكر دَوْر الطلبة والإداريّين والأهالي في هذا النجاح؟! هي جهود تتضافر فتَخلق ما تَخلق من نجاح حقيقيّ غير مزيّف. ولو كانت الظروف المتاحة لهم أفضل، لتضاعفت إنجازاتهم ونجاحاتهم.

إشاراتنا المتكرّرة إلى حقيقة نجاح مدارسنا الأهليّة لا يُقصَد بها المناكَفةُ، ولا الحطُّ من شأن غيرها من المدارس. تُكرَّر حقيقة النجاح هذه لأنّنا نعتقد أنّ الإشارة إليها ضروريّة في مُقارعتنا لسياسة الحكومة المعادية. حكومةٌ تُناهِضُ الناجحَ حكومةٌ سيّئة. الحكومات التي تريد أن تستولي بغير حقّ على مدارس غير رسميّة (أهليّة) ناجحة، فتسعى حثيثًا إلى تجفيفها بحرمانها من الكثير ممّا تستحقّه من ميزانيّات وغيرها، وتحاول بخبثٍ تأليبَ الرأي العامّ على هذه المدارس وعلى مسؤوليها (عَبْرَ التصريحات الكاذبة وغير الدقيقة، وإخفاء المعطيات الحقيقيّة والدقيقة؛ وعَبْر التربُّص بمدارسنا وأنشطتها؛ وعَبْرَ تقارير صحافيّة مزوِّرة ومحرِّضة ومفترية)، تلك حكومات عنصريّة بدرجة "امتياز"! حكومات كهذه لن نواجهها بأن نقول لها: نتوسّل إليكم... نستجديكم... نحن فاشلون فساعدونا كي ننجح... ينبغي أن نواجه مثل هذه الحكومة دونما تراجُع، ودونما خضوع، ودونما خنوع. نحن ناجحون (إلى حدّ التألّق في أحيانٍ غير قليلة) ونرغب في الحفاظ على هذا النجاح. ليس في ذاك تبجُّحٌ ولا تَعالٍ ولا انتقاصٌ من أحد. لست أدّعي الثوريّة، ولا أزاود على أحد. أقول ما أراه صوابًا -وهذا هو عين الصواب.

من جهة أخرى، كغيري أنا أعرف عددًا غير قليل إطلاقًا من خرّيجي المدارس الرسميّة تابعوا دراستهم الأكاديميّة وتمكّنوا من بلوغ أرفع المراتب العلميّة، وتمكّنوا من الإسهام في تطوّر مجتمعهم /مجتمعنا. تمكّنوا من ذلك رغم قسوة الظروف. تمكّنوا من ذلك بفضل مقدراتهم الفائقة ومواهبهم الحقيقيّة، وبفضل بعض الأفاضل ممّن درّسوا في مدارسهم الرسميّة وممّن تولّوا إدارتها، وبفضل أهاليهم المساندين المشجّعين المضحّين. هؤلاء الرائعون حكاية نجاح تغرورق عيوننا كلّما تذكّرناها (وكثيرًا كثيرًا ما نتذكّرها).

أساتذتنا الذين درّسونا لم يكونوا جميعًا خرّيجي مدارس أهليّة. هؤلاء الأجلاّء الأحبّاء، بعضهم لا كلّهم، لولاهم لخسرنا الكثير. هؤلاء كانوا فخرًا للمدارس الرسميّة، فخرًا ذا رصيد فعْليّ.

نجاح مدارسنا الأهليّة أثار ويثير غيظ وحنق الحاكم العنصريّ. إن كان لا بدّ ممّا لا بدّ منه، فإنّنا لا نريد أن يثير نجاحُ مدارسنا الأهليّة إلاّ حفيظتَه هو، وَ "تَحفُّظَهُ" هو.

وأكرّر من القلب أمنية حقيقيّة لا تَظاهُرَ فيها ولا تَعْمِية (لكنّها قد لا تخلو من الرومنسيّة أو السذاجة!):

أتمنّى أن تهتمّ الحكومات الإسرائيليّة بمدارسها (/مدارسنا) الرسميّة وبتطويرها اهتمامًا فعليًّا يُتَرجَم إلى نهضة حقيقيّة لا زَيْفَ فيها ولا ادّعاء. أتمنّى أن تصل مدارسنا الرسميّة يومًا إلى وضعٍ تُنافِسُ فيه جميعُها (جميعها. أجل جميعها) مدارسَنا الأهليّة منافَسةً حقيقيّة شريفة. من هذا التنافس المأمول، سيجني أبناء شعبي فوائد جمّة -وهو المطلوب. وهو المطلوب.

 

مـدرسـة مـار إلـيـاس الـثـانـويّـة - عـبـلّـيـن

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.