3

:: حين يقف شعبك إلى جانبك... (من مظاهر نجاح إضراب مدارسنا الأهليّة) ::

   
 

التاريخ : 19/09/2015

الكاتب : حـنّـا نـور الـحـاجّ   عدد القراءات : 1646

 


 

 

 

منذ الفاتح من أيلول الجاري، تخوض معظم مدارسنا الأهليّة التابعة لمؤسّسات كنسيّة إضرابًا مفتوحًا، نظرًا للتقليصات الهائلة التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم في ميزانيّة هذه المدارس -ولا سيّما المدارس الابتدائيّة-، ونظرًا للرغبة غير الخفيّة لدى الحكومة الحاليّة وسابقاتها في القضاء على مدارس ذنْبُها أنّها عربيّة، وجريمتُها أنّها ناجحة، وخطيئتها التي لا تُغتفَر أنّ لها دَوْرًا تَوْعَويًّا اجتماعيًّا ووطنيًّا وإنسانيًّا حقيقيًّا!

من مظاهر نجاح إضراب مدارسنا الأهليّة أنّ أعداءها وخصومها ومبغِضيها بدأوا مؤخَّرًا بحملة تشويه لسمعة بعض المسؤولين في هذه المدارس، ولا أبتغي الخوض فيها، إيمانًا منّي أنّ الخوض في تفنيد الأكاذيب هو أحيانًا مضْيَعة للوقت وللكتابة وللطباعة وللحبْر وللقراءة. "قضيّة" الرواتب الضخمة التي يتلقّاها مديرو هذه المدارس، التي يتناولها بالنشر والتعليق والتشهير صيّادو "الحقائق" في الأيّام الأخيرة، ستتبعها -على ما أتوقّع- "قضايا" وَ "فضائح" أخرى. اعتدنا على الكذب، لكن لن نصدّقه ولن نعتمده، رغم أنّه سهل وكثيرًا ما يصدَّق.

لن نستغرب مطلَقًا تزايد الأكاذيب حين سيحصل، ولن يفاجئنا أبدًا؛ إذ هل يتوقّع العاقل من عدوٍّ له غيرِ شريف أن يتصرّف حياله بنُبلٍ وإنسانيّة؟! لن نكون سُذَّجًا فنصدّق أنّ العنصريّين وتوابعهم سيَدَعون مدارسنا الأهليّة وشأنها. لا، لن يهدأ لهم بال إلاّ بشنّ حرب هادئة مراوِغة تبدو سَلِسة. يزعجهم نجاحُ الإضراب وفشلُ أعوانهم، تمامًا كما أزعجهم ويزعجهم وجود مدارس عربيّة ناجحة بامتياز ويثق معظم الجمهور بها. كيف لهم أن يسمحوا بأن تكون بعض المدارس العربيّة ناجحة أكثر من كثير من المدارس اليهوديّة والعربيّة على حدّ سواء، رغم التضييق ورغم التمييز؟! لا، هذا لا يجوز. من غير المقبول أن يكون العربيّ ناجحًا أصلًا. وبتفوّق؟! كلّا، هذا خطرٌ أمْنيّ وُجوديّ ينبغي تَدارُكُه!

سيحاولون أن يشوّهوا ويلفّقوا أكثر. نتوقّع هذا. سيكذبون وسيكذبون وسيكذبون... كيف للعنصريّ ولمساعديه ألّا يكذبوا؟! الكذب سلاح الضعفاء. أجل، أجل... ضعفاء هم، مَهْما توهّموا، ومَهْما استعْلَوْا، ومَهْما تجبّروا. الحقائق الساطعة تُدينهم وتفضحهم وتكشف عن عنصريّتهم وحقدهم، فكيف لا يكذبون؟! نجاح الإضراب وما يرافقه من اعتصامات ومسيرات ومظاهرات ومنشورات، وحضور إعلاميّ، والتفاف جماهيريّ، وانضمام نقابتَيِ المعلّمين إلى الإضراب قطْريًّا، واحتمالات اتّخاذ إجراءات تصعيديّة أخرى من شأنها أن تحرِج أو تضايق أو تؤذي الحكومة العنصريّة، كلّ ذلك يغيظهم. يغيظهم لأنّه يُعَرّيهم أكثر فأكثر. وهنا، العاري لا يعرف العار! العاري الأرعن لن يتورّع عن أيّ فعلة ساقطة، كذبًا كانت أو افتراءً أو تزويرًا.

الأكاذيب والتشويهات التي يطلقها هؤلاء العنصريّون وخدّامهم لن تنطلي إلّا على نفر منّا (منّا؟! أشكّ كثيرًا في ذلك!) ممّن تقلقهم وتزعجهم نجاحاتُ المدارس الأهليّة. أحد الرائعين قال يومًا إنّه لا يعترف بعظَمة العظيم إلاّ عظيمٌ مثْلُهُ. ومشكلتنا في هذا الشأن أنّنا لا نواجه أناسًا عظماء. إنّ من يعمل على عرقلة مسيرة الناجحين لا يمكن أن يكون عظيمًا، بل إنّه لا صلة له بالعظَمة إلاّ مَرَضيّتها وتَوهُّمها وتَمَنّيها. المدارس الأهليّة لا ينكر نجاحَها ودَوْرَها المتواصلَ المهمَّ أحدٌ حتّى مُعادوها. بل إنّ عدائيّتهم غير الخفيّة هي إقرارٌ بنجاحها، وإنْ لم يُقِرّوا. حلفاء الفشل وأنصاف الناجحين كثيرًا ما يعملون على أن يَظهروا بمظهر الناجحين عَبْر محاولة الحطّ من منزلة من يتفوّق عليهم، فيشوّهون سمعته ويختلقون الأكاذيب ويروّجون الإشاعات المغرِضة.

سيكون لنا لاحقًا حديث في هذا الموضوع أو أكثر؛ فما يحدث الآن معنا ولنا وبنا وبيننا، منذ مستهلّ أيلول الجاري، يستحقّ أكثر من حديث. يستحقّ أن يُكتَب عنه من قَبيل التحليل والنقد البنّاء واستخلاص العبر. لكن قبل الاختتام، بودّي الإشارة إلى أمرين:

أوّلهما أنّ لديّ ولدى غيري ما نقوله من نقد تجاه مدارسنا الأهليّة ومن اقتراحات لإجراء تغييرات ملحّة وضروريّة ومفيدة في هذه المدارس (فنحن حريصون عليها)، لكن من الأفضل إرجاء الحديث في هذا إلى ما بعد تكامل نجاح الإضراب وعودتنا إلى غرف التدريس. نمتنع الآن مؤقّتًا عن تناول ما هو نقديّ وموضوعيّ، إدراكًا منّا أنّ الخوض في "المعارك" الجانبيّة من شأنه أن يسيء إلى "المعركة" المركزيّة.

ثانيهما أنّ ما يرافق إضرابَ المدارس الأهليّة ومُرافقاتِه من بروز لبعض المتسلّقين والانتهازيّين والمدّعين ومحبّي الظهور والأضواء وغير ذلك، لا ينبغي له أن يحدّ من مشاركتنا في الإضراب وأنشطته المرافِقة، ولا ينبغي له أن يلغي ما نراه حقائق أساسيّة: مطالبنا عادلة، والمُجحِف ليس مُطْلَقَ الذكاء، وقَوْنَنة العنصريّة لا يجعلها مقبولة وشرعيّة.

وأمّا نجاح المدارس الأهليّة في معركتها التي تخوضها الآن حول حاضرها ومستقبلها، حول وجودها وبقائها، فمرهون بمدى إيماننا بما نسعى إلى تحقيقه، وبمدى مقدرة المسؤولين عن المدارس الأهليّة على استثمار وقوف قطاعات واسعة من شعبنا مع هذه المدارس العريقة وقفة نبيلة صادقة مشرّفة إلى جانبها، وبمجانَبة رُهاب الكفاح الفاعل والمطالَبة بالحقوق دونما تخوّفات ليس لها ما يبرّر وما يُقْنِع. تلك وقفة، بل وقفات، ينبغي التوقّف عندها تحليلاً وتقديرًا، واستخلاص العِبَر المتعمّقة بشأنها. حين يقف شعبك إلى جانبك، قويٌّ عزيزٌ حصينٌ أنت.

19.9.2015

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.