3

:: هستيريا التقرير "يكاد المريب يقول خذوني!" ::

   
 

التاريخ : 27/08/2015

الكاتب : مصطفى محمد غريب   عدد القراءات : 1251

 


 

 

 

قبل أيام انتهت اللجنة التحقيقية البرلمانية في قضية سقوط الموصل من التحقيقات التي أجرتها خلال الشهور السابقة وقدمت التقرير إلى رئاسة البرلمان وصوّت عليه البرلمان بالأغلبية. وبمجرد نشر التفاصيل والأسماء ظهرت الأصوات المؤيدة وكذلك الرافضة، المؤيدة التي تأمل في تطبيق العدالة والقانون بحق كل من ساهم في تسليم الموصل وغيرها وتبرّئ الأبرياء منهم، والبعض من الأصوات الرافضة تلك الجوقة التي لا يهمها إلا مصالحها وليذهب الجميع إلى الجحيم فراحت تشكك بالتحقيق مع العلم أن اللجنة مكونة من أعضاء في الكتل البرلمانية بما فيها كتلتهم، والأعجب من كل ذلك تطالب هذه الأصوات بإعلان براءة نوري المالكي ورفع اسمه من تقرير الأسماء، كما أنها بدأت توزيع التهم ضد تركيا ومن ثم إقليم كردستان العراق، وأعلن نوري المالكي في طهران أن "سقوط الموصل كان نتيجة مؤامرة ومخطّط تم تصنيعه في إربيل في كردستان العراق، بالتعاون مع الأتراك وأجهزة الاستخبارات في أنقرة" وهو اتهام جديد إذا صح يحتاج إلى أدلة ملموسة! وكان المفروض بنوري المالكي أن يعلن عنه أثناء تواجده في العراق، لا بل والأفضل أثناء التحقيق من قبل اللجنة التحقيقية البرلمانية للاستفادة منه ، إلا أن الأمر أصبح في موضع الشك لان العلاقة المتشنجة مع حكومة الإقليم كانت قد سبقت سقوط الموصل واستيلاء داعش عليها وعلى المناطق الباقية كما أن علاقته بتركيا محطُّ استفسارات عدة، ومن هذا المنطلق أن نوري المالكي كالعادة يكيل التهم بدون إي إثباتات مادية ولن ننسى اتهامات الإرهاب وملفّات الفساد الذي ما زال يهدد بها، أما في قضية التقرير الذي ورد اسمه في مقدمة الأسماء، فكان المفروض بدلاً من الهستريا والنرفزة والاتهامات أن يحتكم إلى القضاء لتبرئة نفسه إذا كان بريئاً حقاً،  وقد وجهت رئاسة الإقليم انتقاداً حاداً لنوري المالكي واعتبرته المسؤول الأول عن تسليم الموصل إلى داعش، ورد المتحدث الرسمي باسم الإقليم بأن تصريحات نوري المالكي لا صحة لها وهي منافية للحقيقة لأنه يتهرب من المسؤولية باعتباره يتحمل مسؤولية سقوط الموصل وغيرها من المناطق. واستفسر المتحدث الرسمي ونشرته (ARA News): "من فتح الطريق لداعش بسياساته الخاطئة ولم يستمع للتحذيرات التي وجهها السيد رئيس إقليم كردستان، وأصبحت سبباً في سقوط الموصل هو نوري المالكي، ومن يقاتل اليوم في الصفوف الأمامية ضد الإرهابيين ويحطم أسطورة داعش هم قوات بيشمركة كردستان".

تركياً على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية تانجو بيلغيج قال عن نوري المالكي "لا يمكن أخذ هذيان نوري المالكي الناتج من شعوره بالذنب على محمل الجد" وتابع المتحدث أن "المالكي الذي أطلق في طهران اتهامات ضد تركيا.. بدعم داعش هو المسؤول الرئيس عن الأزمة التي يشهدها العراق اليوم والناتجة من سياساته القمعية والتمييزية والإقصائية"  وأضاف المتحدث "كلام المالكي ينافي العقل والمنطق".

ولسنا منحازين بأن كلام نوري المالكي لا يطابق العقل والمنطق فحسب إنما هو ضد الواقع وضد الحقيقة التي لا يعترف لا نوري المالكي ولا من يطبل حوله وكأنه نسي (!!) أنه كان يقود وزارتي الدفاع والداخلية وباعتباره قائداً للقوات المسلحة، أي انه المسؤول عسكرياً وليس سياسياً فقط كونه رئيس الوزراء ويعتبر الرجل الأول في الدولة، هذه الحقيقة يتغاضى عنها المالكي شخصياً ويتغاضى عنها أتباعه من حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون ومريدوه الذين يرون الدنيا لون واحد بدون الالتفات إلى الألوان الأخرى.. والحق يقال أن حاكم الزاملي رد عليه يوم الأربعاء 19/8/2015 وبدون تشنج على الرغم من اتهام نوري المالكي له بالقتل واعتقاله في السابق،  وطالب نوري المالكي "إلى تقديم نفسه للقضاء لكي يبرئ نفسه من التهم الموجة له" أما حول اعتقاله فأشار أن "القوات الأمريكية اعتقلتني وبوصاية من نوري المالكي وتم إحالتي للقضاء العراقي وتم إثبات براءتي بعد أن سجنت لسنة ونصف" وأكد الزاملي في سياق حديثه "أن المالكي قد يحاكم بـ الخيانة العظمى" بسبب  ما تضمنه تقرير اللجنة التحقيقية من اتهامات وتورط بالدم العراقي حسب قول الزاملي كما أوضح إذا "كان المالكي لا يعترف بلجنة التحقيق ورئيسها فلماذا رد على أسئلتنا التي وجهت له؟" وقد لوحظ عدم اختصار الردود النقدية لنوري المالكي وجماعته في مجال واحد بل تضمنته عشرات التحليلات والتقارير والمقالات وتناقلت أخباره وسائل إعلام عراقية وعربية وأجنبية وأجمعت الأكثرية على الرأي: بمسؤوليته في تسليم الموصل والمناطق التي احتلتها داعش إضافة لقضايا الفساد والاضطراب الأمني وتردي الخدمات...الخ ولم يقتصر الأمر بل هناك العديد من الآراء  في التحالف الوطني وحتى ائتلاف القانون لم تتفق مع ما جاء على لسان نوري الملكي من اتهامات ومحاولاته التملّص من المسؤولية عندما أعلن أن "لا قيمة للنتيجة التي خرجت بها لجنة التحقيق البرلمانية حول سقوط الموصل" وهو أمر مؤسف للغاية لان نوري المالكي لم يستفد حتى من تجربته وفشله وبقى يعتقد انه القيمة الوحيدة المسموح بها في العراق أما الملايين التي تعارضه فليس لها أي قيمة تذكر، لكن احد نواب ائتلاف دولة القانون عباس البياتي صرح لوكالة كل العراق [أين] أن "الاعتراضات على تقرير اللجنة كانت إجرائية وفنية، وبالتالي فان تقرير سقوط الموصل لم يكن لائحة اتهام أو إصدار أحكام، وإنما أراد الإجابة على ثلاثة أسئلة هي ماذا حصل؟ وكيف حصل؟ ولماذا حصل؟".

إن العظة التي كان من المفروض أن يتّعظ منها رئيس الوزراء السابق وحزبه وائتلاف دولة القانون والذين يرون الحقيقة بعين واحدة أن هناك حرباً تدور في ثلث العراق ونتائجها من الضحايا والدمار واسع النطاق وهذه الحرب كانت نتيجة للنهج السياسي والطائفي الذي لم يؤجج النزعة الطائفية بل ساعد على توسعها، هي الحقيقة الأولى، والحقيقة الثانية أن أي سياسي مسؤول يشعر بالكرامة الوطنية عندما تتعرض بلاده إلى هزيمة أو نكسة عسكرية مثلما حدث للموصل يتنحّى من منصبه حتى لو لم يكن هو السبب الرئيسي لأنه  يقود البلاد، ولنا أسوة حسنة ببعض أسماء وتجارب البلدان في العالم، والحقيقة الثالثة أن الاضطراب الأمني الواسع وتنامي قدرة وإمكانيات المليشيات الطائفية جعلها، بسبب نهجه، توازي القوات المسلحة عدداً وتعداداً وسوف يكون لها شأن خطير على مستقبل البلاد بما فيها الحرب الطائفية والأهلية، أما الحقيقة الرابعة، وهي احتلال الأنبار وتداعياتها السابقة منذ مهاجمة ساحة الاعتصام من قبل القوات العسكرية وبأمر من نوري المالكي، والحقيقة الخامسة أن بيان حزب الدعوة حول نزاهة وتبرئة نوري المالكي زاد من شكوك الكثيرين فالبيان يصور المالكي بشكل مغاير للواقع مما يذكر العراقيين ببيانات حزب البعث العراقي وتمجيده للدكتاتور صدام حسين "والبصرة خربانة" وما نص عليه بيان حزب الدعوة "إنّ كل أبناء العراق الشرفاء يعرفون جيدا نزاهة الأخ المالكي ووطنيته وإخلاصه وتفانيه من أجل العراق ويشكر الحزب جميع الأحرار الأوفياء الذين وقفوا مواقف البطولة والإباء أمام هذه المؤامرة المكشوفة الأبعاد التي تهدف إلى إيقاع شرخ كبير بين أبناء الشعب العراقي الواحد".

هذا السرد القصصي الخيالي الذي  يكرر عقلية المؤامرة التي كان نظام صدام يتمتع بها بشكل فريد وكأننا لم نعش فترة أل (8) سنوات، سنوات القهر والفساد والقتلى والمهجرين والمهاجرين حيث لم يوضح البيان "من هم كل أبناء العراق الشرفاء؟" هل يعني أن هناك شرفاء جاؤوا من الزهرة وليس هؤلاء الذين يتظاهرون ويحتجون الآن وهم يعدّون بمئات الآلاف في كل أنحاء العراق! أليسوا هؤلاء أبناء العراق وهم الشرفاء المخلصون في إدانتهم للنهج الطائفي والسياسي الذي اتبع خلال (8) سنوات من حكم نوري المالكي!  لكن على ما يبدو أن بيان حزب الدعوة  في وادٍ والشعب العراقي في وادٍ ثاني لأنه يعتبر من يختلف معهم ومع سياستهم غير شريف وعدو  يحيك المؤامرات الجبانة ضد الأخ الشجاع نوري المالكي!! وعلى ما يظهر أن من كتب البيان  يقفز على حيثيات التقرير والأسماء التي ذكرتها اللجنة التحقيقية التي نشرت في أكثرية وسائل الإعلام حيث قدروا بـ(36)  اسماً، أما ما جاء على لسان عضو لجنة  التحقيق في سقوط الموصل حنين قدو الثلاثاء 18/8/2015 أن "توصيات تقرير لجنة الموصل غير ملزمة للقضاء وبالامكان عدم الأخذ بها" فقد رد عليه وعلى نوري المالكي رئيس اللجنة البرلمانية التحقيقية الزاملي تهكماً "إذا لم يكن ملزما فلماذا تخوّف البعض وحرّك دولاً وأجاب على الأسئلة".  بدورنا نستفسر ــــ إذا كان التقرير غير ملزم فلماذا هذه الضجة والخوف من التقرير؟ ولماذا هذه الهستيريا العجيبة التي  تظهر العدوانية وتكيل الاتهامات بان التقرير "مسيس خال من الموضوعية والمهنية" وما دام الأمر غير ملزم لماذا ثارت حفيظة رئيس الوزراء السابق وجماعته ولم ينتظروا لكشف الحقيقة عن "المتورطين الحقيقيين" حسب ما ذكر البيان الذي لم يكشف عنهم، وهنا وأمام هذه الضجة وهذا الصراخ واتهام الآخرين وكأنهم حسب المثال المعروف "يكاد المريب يقول خذوني" ويعني أن المشبوه يورط نفسه بنفسه..

إن جميع المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات في العراق  منذ (2006) وحتى إزاحة نوري المالكي في (2014) كانت ضدّه وضدَّ نهجه الطائفي والسياسي، وكلنا يتذكر المظاهرات والاحتجاجات التي جابهها نوري المالكي بالحديد والنار والاعتقال والسجن والتعذيب وحتى التغييب، أما الاحتجاجات والمظاهرات الأخيرة التي عمّت المحافظات والعاصمة بغداد وعند تتبُّعها ومتابعة شعاراتها وهتافات الجماهير سنجد أنها تحمّل نوري المالكي مسؤولية سقوط الموصل وغيرها وتحمّله ونهجه آفات الفساد ومحاولاته تأجيج الطائفية بين أبناء الشعب العراقي.. وهناك الكثير والكثير من الأقوال والوقائع في هذا المجال نستطيع أن ذكرها! منها لماذا سافر نوري المالكي إلى طهران وما هي المصلحة في هذا الوقت بالذات؟! مع العلم أن التظاهرات التي كانت ضدّ الفساد أصبحت تشمل مطالبَ لوقف التدخل الإيراني في الشأن العراقي.

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.