3

:: أوراق فكرية أم أوراق مالية؟ ::

   
 

التاريخ : 12/08/2015

الكاتب : د. أحمد الخميسي   عدد القراءات : 1267

 


 

 

تروج دور النشر المصرية والمكتبات وأصحابها من تجار الكتب الذين يلوكون عبارات فضفاضة عن الثقافة لمصطلح "أفضل المبيعات من الكتب"، ويرسخون بذلك لمفهوم أوسع يرى أن الثقافة ليست رسالة بل هي "سلعة" تقدر قيمتها بما تدره من أرباح بغض النظر عن قيمة البضاعة. يذكرني ذلك بكاتب لا يعرف أحد اسمه الآن هو "عزيز أرمان"، كان يمثل "أفضل المبيعات" في الستينات بروايات ذات عناوين مثل "خذني بعاري"، و"الليالي الحمراء" وكانت كتبه تكتسح في المبيعات كل أعمال نجيب محفوظ الذي لم يكن معروفا تقريبا! ولقد طمر الزمن بضاعة "أرمان" وبقيت أعمال نجيب محفوظ الذي لم يكن "من أفضل المبيعات". وقد وفد إلينا هذا المصطلح التجاري "أفضل المبيعات" من أمريكا، التي صارت فيها الثقافة الجماهيرية أكثر السلع تصديرا بعد الطائرات! حتى غدت الأفلام الأمريكية والمسلسلات، وأقراص الموسيقى المدمجة تشكل 40 % من السوق العالمية، وربع سوق التلفزيون العالمي. ويكفي أن تعلم أن 80% من تذاكر دور العرض في العالم تعود لأمريكا، وبذلك أمست هذه الثقافة مصدرا هاما من مصادر الدخل القومي الأمريكي. أمست الثقافة إذن مسألة أوراق مالية في الأساس وليست أوراقا فكرية، وقد دفعت تلك النظرة التجارية القاتلة منظمة اليونسكو لدراسة قضية "التنوع والخصوصية الثقافية" وجعلتها تؤكد في تقرير لها بعنوان" تنوعنا الخلاق في الثقافة والتنمية" على خطر العولمة التجارية للثقافة. ووقعت اليونسكو اتفاقية بهذا الصدد تشير إلى أن: "الأنشطة والسلع الثقافية تتسم بطبيعة مزدوجة اقتصادية وثقافية"، وإلى ضرورة: "الاعتراف بخصوصية السلع والخدمات الثقافية"، وإلى أهمية: "حماية المنتج الثقافي". الشيء المهم أن الاتفاقية جاءت ملزمة لمنظمة التجارة العالمية التي تعاملت مع الثقافة باعتبارها سلعة بحيث اضطرت منظمة التجارة لتعديل قوانينها. جدير بالذكر أن أحدا لم يرفض الاتفاقية سوى أمريكا وإسرائيل! وفي حينه صرح المسئولون الأمريكيون بأن من الممكن إساءة استخدام بنود الاتفاقية لتقييد حرية التجارة! وأعربوا صراحة عن خشيتهم من أن تضر الاتفاقية بصناعة السينما والموسيقى الأمريكية! أما الاتحاد الأوروبي فكان له موقف مختلف، فقد رفض إخضاع المنتجات الثقافية لاتفاقيات التجارة العالمية على أساس أن تلك المنتجات ذات طابع إنساني ولا يمكن التعامل معها وفق اعتبارات الربح والخسارة!

من المفهوم في أمريكا حينما تشكل الثقافة الشعبية المصدر الثاني للدخل بعد الطائرات أن تدافع أمريكا عن اعتبار الثقافة "سلعة". لكن لماذا ندافع نحن عن ذلك المفهوم؟ وهل يمكن أن تتحكم قلة من تجار الكتب وأصحاب محلات بيعها في ترسيخ مفهوم "المبيعات الأفضل" بحيث يطل علينا من جديد عشرات من "عزيز أرمان" في مواجهة عشرات من المواهب الشابة والكتاب الجادين؟ ونجد أنفسنا في بحر من الأضواء الأدبية الزائفة؟. الحق أنني كلما سمعت ذلك المصطلح "أفضل المبيعات في الكتب" أرى خلفه تاجرا أو تاجرة كتب تتحسس محفظة نقودها بسرور بالغ!

***

أحمد الخميسي – كاتب مصري

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.