3

:: فلسفة مبسطة: الثورة، النظام والشعب ::

   
 

التاريخ : 26/06/2015

الكاتب : نبيل عودة   عدد القراءات : 1312

 


 

 

 

لم تنشأ الفلسفة لتضحك الناس، بل نشأت لتنشط العقل، تعمق الوعي، تزيد المعارف توسع الإدراك.

 

تقوم نظرية الثورة الماركسية على مبدأ يقول ان "على الثورة ان تستمر حتى القضاء على الطبقات المالكة بشكل عام" فيما بعد طور ماركس نظريته بقوله أن "الكلام لا يدور حول تغيير الملكية الخاصة او القضاء على قسم من قوانين البرجوازية، بل إنشاء "المجتمع الجديد" طبعا هذا التعريف عقلاني. رغم ذلك عانت الماركسية من عدم وضوح وقصور فكري لقادة "المجتمع الجديد" (الاتحاد السوفييتي) ينبع أساسا من عدم تطوير الماركسية لمفهوم الدولة الاشتراكية، الدولة التي ستبني المجتمع الجديد. وظلت الدولة الرأسمالية هي الجهاز الذي كلف ببناء النظام الاشتراكي الجديد.. كل ما جرى ان السيد تغير ولم يتغير نهج الدولة او النظام. الدولة البرجوازية واصلت تطورها في الغرب، النظام الديمقراطي البرجوازي حقق انجازات هامة جدا، في مجال حقوق الإنسان والمواطن، لكن الدولة الاشتراكية لم تكن إلا أداة قمع، فكريا ضد البرجوازية، المحلية والعالمية وعمليا ضد المواطنين لدرجة ان الشك أصبح قانونا سائدا قد يقود الى القتل بدون محاكمة او التحقيق باستعمال وسائل تعذيب قاتلة، ليعترف المواطن بما يطلب منه، لا أبرياء إطلاقا.. يعقب ذلك، لمن يبقى حيا، النفي إلى مناطق بعيدة للعمل بنظام أشبه بنظام العبيد، او النفي إلى سيبيريا لفترات طويلة قد تصل إلى 25 سنة لمجرد الشك، حيث معسكرات الغولاغ للعمل ألقسري.

 قرار ما يسمى أمن الدولة في النظام الستاليني مقدس وساري المفعول وقرارات المحاكم مجرد توقيع على الحكم الصادر من أمن الدولة... وإمكانية ان يصمد الإنسان لفترة طويلة مستحيلة إذ ان أنواع العمل هناك هي قتل بطيء للمنفي. كذلك طورت الدولة وأجهزتها وحزبها القائد عقلية الاستبداد وقمع حرية الرأي او التعددية الفكرية. أحيانا لا يصل المنفي للغولاغ لأنه يموت في عربة القطار التي يحشر في داخل كل عربة مئات المنفيين، رجال ونساء سوية، تستغرق الرحلة حتى يصل القطار الى الغولاغ تستغرق أيام كثيرة جدا، القطار بطيء والمسافة آلاف الكيلومترات. تقدم وجبة أكل حقيرة كل يوم وماء مرة كل 24 ساعة، وقضاء الحاجة بحفرة مكشوفة داخل العربة. اقرؤوا الرواية التاريخية الوثائقية "ولد 44"، للكاتب البريطاني طوم سميث. التي اعتمد فيها على تسجيلات لرجل أمن سوفييتي، أو روايات ومسرحيات الأديب الروسي (السوفييتي) الكسندر سولجنيتسين عن منافي سيبيريا (الغولاغ) خاصةً روايتيه "أرخبيل غولاغ" و "يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش".. واليوم هناك فيض من كتب التأريخ والأعمال الأدبية والوثائقية التي تصف ما يمكن اعتباره جرائم قتل بشعة، تحسنت الصورة بعد وفاة ستالين وانتخاب خروتشوف لقيادة الحزب والدولة السوفييتية.. وهناك مصادر كثيرة أخرى صدمتني، لشدة تناقضها مع الفكر الإنساني وفكر العدالة الاجتماعية والتحرر من الاستبداد والاضطهاد الذي طرحته الماركسية.. لكنه استبدل بفكر ستاليني قراقوشي، قاد إلى تصفية ملايين كثيرة من المواطنين السوفييت لمجرد الشك.. وما زال البعض أسيرا للستالينية!!

يمكن تلخيص مفهوم الثورة الماركسي بطريقة بسيطة وسطحية جدا، وسطحيتها من التراث الماركسي نفسه، حيث طرحت الماركسية رؤيتها التي تحدد الثورات بنوعين، او شكلين لحربين أهليتين- اجتماعيتين، الأولى: "العمال ضد الرأسماليين"، والثانية: "الفلاحون ضد الإقطاعيين"!!

هذه النظرية ظلت حبرا على ورق لأن تطور النظام الرأسمالي تجاوزهما بمراحل شاسعة جدا في الاقتصاد، الرفاهية والخدمات الاجتماعية. بل وتجاوزت الرأسمالية النظام الاشتراكي في تكديس رؤوس الأموال والثروات الهائلة بكل أنواعها.. وأيضا في رفع مستوى الحياة للمواطنين، تعميق الخدمات الاجتماعية والصحية، ضمان الحريات الشخصية وهو ما لم يتحقق في النظام الاشتراكي، بل بُني نظام إرهابي سفّاح لا يخجلُ أيُّ نظام ديكتاتوري استبدادي من أكثرها سوادا في تاريخ البشرية!!

أمام سقوط هذه النظريات الواضح حتى في بداية القرن العشرين، ظهرت نظرية لينين الذي اعتقد انه يجب الانتظار خمسون عاما عل الأقل حتى تصبح البروليتاريا أكثرية.. فكرة انطلقت من فهم نظري خاطئ بأن النظام البرجوازي يقف مكانه ولا يتحرك. لكن التطور نفى البروليتاريا كليا من الصورة الاجتماعية في أوروبا (ولم تنشا بروليتاريا خارج أوروبا، لأنها أصلا ظاهرة أوروبية) إلا إذا اعتبرنا الأطباء والمهندسين ورجال الهايتك والمحامين ومدراء الشركات والبنوك وأصحاب المتاجر والحرفيين بروليتاريين!!.

كل هذه النظريات ظلت حبرا على ورق، بعيدة عن واقع التطور الاجتماعي والفكري، حتى شهدنا سقوط النظام الاشتراكي بدل ان يحقق انتصاره التاريخي حسب نظريات ماركس ولينين. لكن الاستبداد الرهيب الذي واجهه المواطنين في النظام الاشتراكي هو شبيه بحالة الزوج في قصة "النظام والشعب"*.

*القصة منشورة في موقع جماليا. وهذا رابطها.

النظام والشعب..

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.