3

:: مهرجان القلب الشاعري 2015 (3 - 3) - رؤى ثقافية 154 ::

   
 

التاريخ : 17/04/2015

الكاتب : أ. د. عبدالله بن أحمد الفَـيْـفي   عدد القراءات : 1533

 


 

 

 

-1-

تمثِّل اللغةُ في أيّ أُمَّةٍ حَيَّةٍ خطًّا أحمر، سياديًّا، انتهاكه يعني انتهاكًا لكرامة الأرض ومَن عليها. إلّا في ديار العرب؛ فمع الكرامة العربيَّة ذهبت اللغة العربيَّة أدراج الرياح. وهذا ما تشعر به على نحوٍ جارحٍ في العواصم العربيَّة، في المطار والشارع والسوق وفي المحافل العامَّة والخاصّة. وممّا يُحمد لمهرجان "القلب الشاعري"- الذي أقامته (منظمة سوكا جاكاي الدولية- فرع الخليج العربي) في مدينة دُبي، خلال الفترة من السبت ٧ فبراير إلى الأحد ٨ فبراير ٢٠١٥- مسعاه إلى منح المهرجان بعض هويَّته العربيَّة، بما أنه يقام على أرضٍ عربيَّة. ذلك أن الواجهة الدوليَّة، والتنوّع الإنسانيّ، لا يعنيان نكران المكان، وأهل المكان، ولا صبغ العالم بلونٍ لغويٍّ واحد. ومع هذا فما زال الأمر دون المأمول، فأنت تجد الإنجليزيَّة هي اللغة السيِّدة، بضرورة وبغير ضرورة، منذ التواصلات لترتيب الحضور إلى فعاليّات المهرجان. وإذا كانت اللغة الإنجليزيّة هي اللغة المشتركة بين المشاركين من أقطار العالم في مثل هذا المهرجان، فقد كان يجب أن تكون العربيَّة هي لغة الخطاب والإعلام؛ على الأقل لأسباب إعلاميّة وجماهيريّة من أجل استقطاب المتابعين في محيطٍ عربيّ. فحينما تُلقَى قصيدة بالإيطاليَّة، مثلًا، أو بالأوردو، أو الفارسيَّة، فما شأني أنا العربيَّ لتُترجم لي بالإنجليزيّة فقط؟! بيد أن الإشكال هاهنا بالغ التركيب، حضاريًّا وثقافيًّا؛ ذلك أن العربي نفسه يستنكف من لغته، ويعتزّ بالرطانة بسواها. لا أحد يدرك غالبًا من معنًى للغة سوى أنها وسيلة تواصل. لهذا ربما بدا موقفي المبدئي لفرض استعمال العربيَّة، على نفسي قبل غيري، إن في المراسلات أو الحفل أو الحوارات الإعلاميّة، محلَّ استغرابٍ واستصعابٍ أعقب احترامًا ورضوخًا. حتى لقد اكتشفتُ أن بعض الآخرين يُحسن التعامل بالعربَّية إلى حدٍّ مفهوم، لكننا نحن نصرّ على وأدها فينا وفيه، جهالةً وشعورًا حضاريًّا بالنقصان. وتلك جوانب لعل مهرجان "القلب الشاعري" يلتفت إلى ترميمها في الأعوام المقبلة؛ كي يعبِّر عن احترام سياقاته البيئيّة المكانيّة، لغة وشِعرًا وثقافة وفنًّا. عندئذٍ يغدو للإنسانيّة معناها؛ فالإنسانيّة تُنافي الاستنساخ الأبله لشخصيّة الآخر، والاستخذاء لهيمنة الثقافة الغالبة سياسيًّا والحضارة القاهرة ظرفيًّا.

 

-2-

من أهم الكُتب التي حظيتُ بها خلال المهرجان كتاب "في يديك تغيير العالم"، للدكتور (دايساكو إكيدا)، رئيس منظمة (سوكا جاكي) الدوليَّة، الذي تطرَّق المقال السابق إلى التعريف به. طُبع الكتاب في اليابان (مطبعة أساهي، 2002)، وترجمتْه إلى العربيَّة (هناء جميل زكريّا)، وصدر عن (سوكا جاكاي الدولية - فرع الخليج، 2011)، بتقديم الدكتورين (أيوب كاظم وشهاب غانم). وقد تضمّن موضوعات حول السلام، تحت العناوين الدالّة الآتية: "شجاعة اللَّا عُنف"؛ "جِسر بين الحضارات"؛ "طريقة أخرى لرؤية الأشياء"؛ "أوقفوا القتل!"؛ "وُجِدَ الدِّينُ من أجل السلام"؛ "ما زالت القلوب مغلقة تجاه العالم". إنك، كما يقول المؤلِّف، لا تستطيع إطفاء النار بالنار؛ ولذلك فإن إطفاء نيران الكراهيّة والإرهاب لا يتأتَّى بكراهيّةٍ وإرهابٍ مضادَّين؛ فالسلام لا يولَد إلّا من الرغبة في الإصغاء. كما يتناول الكتاب، في شأن تجسير الحضارات، أوّل قاموسٍ عربيٍّ يابانيٍّ، والصورة النمطيّة في اليابان عن العرب، وهي صورة منتَجة في الغرب، بطبيعة الإعلام المعاصر. والكتاب يرتكز بصفةٍ أساسٍ على فكرة العمل الروائي للكاتب نفسه بعنوان "ثورة الإنسان"، الذي يؤكّد فيه "أن ثورة عظيمة في حياة فردٍ واحدٍ قادرة على تحويل مصير مجتمع بأسره، بل على تغيير قدَر البشريَّة جمعاء." وهو كتاب جدير بقراءة مستقلة. كما حظيتُ بنُسخة من كتاب إكيدا الآخر بالإنجليزيّة "رِحلة الحياة Journey of Life"، (مختارات شِعريَّة). أمّا الصديق (الدكتور شهاب غانم)، وهو عرّاب المهرجان، فقد اقتنيتُ من نتاجه الغزير كتابين جميلين هما: "مئة قصيدة وقصيدة"، وكتاب "بين قصيدتين: المنفصل-المتصل في زمن الإبداع"، وفيه مقاربات قرائيَّة وترجميَّة لقصائد عربيَّة وأجنبيَّة. ولا غرو فالرجل خرّيج المدرسة الغانميَّة الفيّاضة بعطائها الشِّعري والفنّي والعِلْمي كابرًا عن كابر. وكذا سعدتُ بالتعرّف إلى السيّد (شرف عبده الهاشمي)، الرجل العصامي، الذي طوّف العالم من (عدن) إلى (القاهرة) إلى (لندن) إلى (الإمارات)، وتفضّل بإهدائي نُسخة من كتابه القيِّم "وفي بيتنا رجل حالم"، (السيرة الذاتيّة للأستاذ عبدالله عبده الهاشمي)، في نسختين بالعربيّة والإنجليزيّة. وهو كتاب يتجاوز السيرة الذاتيّة الفرديّة إلى سيرة جيلٍ مكافحٍ من أبناء اليَمَن، الذين خاضوا غمار الحياة بحُلوها ومُرّها. 

 

-3-

 وجاءت قصيدتي الثالثة في المهرجان بعنوان "راقصة التَّنْغُو"، التي تضمّنها ديواني الشِّعري الثالث، الذي صدرَ الشهر الماضي، بعد تعثُّرٍ وطول انتظار، "متاهات أُوليس/ قيامة المتنبِّي"، (الدار البيضاء- بيروت: المركز الثقافي العربي- نادي الرياض الأدبي، 2015، ص211- 220)، وقد تلقّاها الحاضرون وزملاء الشِّعر والنقد بأصداء مميَّزة. 

 

 

أَغْمِـضْ عَـيْـنَـيْـكَ، تَعَــــــــــــــالَ  نَـطِــيْـرْ!     فـي غَـيْــــــــــــــمٍ  فـي  إِغْـمَــــــــــــاءِ  حَـرِيْــرْ

شَـــــــــــــلَّالٍ   مِــنْ  عِطْــــرٍ  غـَــــــــــــافٍ     لا  شَــــيْءَ   لَـهُ  بِــــــــــــــــــرُؤَايَ  نَـظِـــيْـرْ

هَـتَـفَتْ .. أَخَـذَتْ  بِـيَـدِيْ ..  هَــيــــَّــــا،     هَــــــــلَّا    لِلرَّقْصَ  دَعَـــــــوْتَ  أَثِـيـْـــرْ؟!

*  *  *

كَــبَـــقـــــايــــا  مِـنْ   فُـرْسَـــــــانٍ  فـــــــــــي      صَــــــدْرِيْ  وعلـــــى كَـتِـفـَــــيَّ  تَـسِـيْـــــــــــرْ

ضَـجَّــــتْ:   كَــــــــــلَّا !   لا أَلْــــــــوَانَ،      لا  مُـــــوْسِـيْـقَــى.. اغْـتِيـْــــلَ  التَّعْبِيْـــــرْ!

لا   أُحْـسِـنُ  هــــــــــذا  الـرَّقْـــصَ  أنــــا      ومَـعَـــــــــــارِكُ   فــي  قَـدَمَــــيَّ  تَـــــــــــدُوْرْ

لا  أَدْرِيْ  مـا رَقْــصُ  «الـتَّـــــــــنْـغُـوْ»،       أو   حـتـــــى  ما  رَقْــصُ العُصْفُـوْرْ!

*  *  *

يا  سَـيِّـــــدَتِـيْ  ،  مُــــــــوْرِيْ   فِـيْـــكِ،   والأَرْضُ..  دَعِـيْهـا   فِـيَّ   تـَـمُــوْرْ

هــــــــذا   القَـصْـــرُ   الكِـيْــــرِسْـتَــــالِـــيُّ   [م]   فَــــــــرَاغٌ    فَـــنِّـــيٌّ    وخُـصُــــوْرْ

ونُـهُـــوْدُ   «السِّـيْـلِـيْـكُـوْنَ»   جِــرَارٌ،    لا  تـــُـــــرْوِيْ   ظَـمَــأَ   الجُـــمْـــهُــــــوْرْ

وقَــــــوارِيْـــــرُ   الـشَّــبَـــــقِ   الـعـَـــــــارِيْ   تَـنْــــدَاحُ  علـى  شَـفَـةِ  الـمَـخْمُــــــوْرْ

حَـمَـلَـتْ  نُطَــفَ  الـزَّيْـــتِ  الأُوْلـَى     مِـــنْ  قَـلْبِ  النِّـفْـطِ  إلـى  التَّـنُّــوْرْ

لَـهَــــبٌ ،  بُـرْكـــَــانٌ  ؛  لا  عَـقْـلَ،    فالعَـقـْــــلُ  كُـوًى   والنـّـاسُ  طُـيُـوْرْ

والإِنســــــــــــانُ   الأَعْــــدَى   أَبـَــــــدًا     لِلإِنســـــانِ  ،  الأَدْعَـــــــى  لِلــــزُّوْرْ

*  *  *

يـا لَـلأُنـــْـثَــى، كَـمْ  شَـــــــــادَتْ  مِـنْ     مُـــدُنٍ،  ولَـكَــــمْ هَـدَّتْ مِـنْ  دُوْرْ!

يـا لَـلأُنـْـثَـى،  الأُمِّ ،  الأُخْـتِ ،  الــــحُـبِّ ، الكَـنْــزِ ، الـمَعْــنَى المَهْــــــدُوْرْ

كَـمْ   عَـــــزَّتْ  مِــنْ  أُمَــمٍ  بـالأُنـْــ      ــثَــى / كَمْ  ذَلَّـتْ  حِقَبٌ  وعُصُـــوْرْ

يـا  راقِـصَـتِـيْ ، الأُنـْـثَـى:  أَمْـــنٌ       وسَــلامٌ  ،   أو  جَـيْتتـشٌ  وعُــبُـوْرْ

كُـلُّ   الدُّنْـيَــا    الأُنـْـثَـى ،   وعَلَـيْـــ     ـها  كُـلُّ  الأُخْـرَى سَـوْفَ  تَـدُوْرْ

*  *  *

مَـنْ  قـــالَ: «الأُنـْـثَـى   شـَـيْـطـَانٌ»؟   فابْـنُ  الشَّيْطَـــانِ  هُـوَ  الـمَـغْـرُوْرْ!

مَـنْ قـــــالَ:  «الـمَـرأةُ  عـــارٌ» فَـــهـْـ    ـــوَ  وَلِـيْــدُ  الـعَــــارِ  أَتــــاكَ  يَـخُـــوْرْ

الـمَـــرأةُ      مَـنْــزِلَـــــةٌ     عُــلْـــيــَـــــا    بَـيْـنَ الإِنسـَــــــــانِ  وبَـيْـنَ   النُّـــــــــــوْرْ

وُئِـدَتْ  فـي  بَـحْـــرِ  غِـيَــــابٍ،  وابْـــ   ـــتُـزَّتْ - دَجَـلًا - في بَـرِّ حُضُوْرْ

*  *  *

سَـلْ (لَـيْـلَــــى) / (لُـوْ  أَنـْـدِرْيـَــاسَ):    ما ذَنـْـبُـهُـمـــا إنْ  جُــنَّ  صُقُــــوْرْ؟!

مَـنْ    كُــلُّ   الـمَـــــرأةِ  صَــيْـدُهُــمُ:    جِـنْـسًا،  أو مُـلْكَ  يَـــــدٍ،  وبَخُـــــوْرْ

مُـذْ (قَـيْــــسٍ) حـتى (نِـتْـشَـةَ) والسَّــــ     ــوْطُ الـضَّــــارِيْ  بـَـــرْقٌ  مَـسْطُــــوْرْ

وكــــــذا   يَـحْـكِــــــيْ   (زارادِشـْـــتُ)     فـــي  جَـهْــلٍ  نِـسْـبِــيٍّ   مَشْهُــــــوْرْ

كَـتَـبُـــوا:  هِـيَ   حَـيَّــــةُ  آدَمَ،  أو     قـالُوا : مَـــوْتُ الرَّجُـــلِ الـمَغْــــدُوْرْ

*  *  *

أَ ذُكُـــــوْرَةُ  هـذا  الكَــــوْنِ   بِـــنـَــــا؟     أَمْ   أَنَّ  الأُنــْــثَـــى  داءُ ذُكُـــــوْرْ؟

هَـمَـسَـتْ،   فـارْتَـــفَّ  نَــوارِسـُـهـــا،     وتَـكَـسَّــرَ صَمْـتٌ   مِـنْ   بَـلـُّـوْرْ:

أُنـْـثَـى.. ذَكَــرٌ.. ذَكَــرٌ.. أُنـْـــثَــى،      لا  فَـرْقَ،  ضَحـــايـا  هُمْ ونُـــذُوْرْ

تَـئِـدُ  الأُنـْـثَــى  الأُنـْـثَــى،  وتُـمَـــزِّ      قُ   شَـــرْنَـقَـــةً  أُنـْـثَى  الزَّنْـبُــــوْرْ!

وسَـيَــلْـتَـهِــمُ   الجُـــــبُّ   يُـــوْسُـــفَـــهُ     ويـُحَمْلِـقُ  فـي  وَجْهِـيْ  كالعُـــوْرْ

*  *  *

لا  تُـغْمِـضْ  عَـيْـنًا، وافْـتَــحْ  بِــــيْ     فـي الشَّمْسِ نـَهـارًا.. جَنَّـةَ حُــوْرْ!

وارقُصْ- قالتْ- رَقْـصَ «التَّـنْـغُـوْ»    بـِيْ  مُلْـتَـحِـمًـا  وبِـــلا  مَـحْـظُــــــــوْرْ

تَـرَ (مَـــرْيَــمَ) فـي عَـيْـنِـيْ  تَصْحُـوْ     و(خَـدِيْـــجَـةَ)  مِنْ  شَفَـتَــيَّ  تَـفُـــوْرْ

فالـمَـــــرأةُ   مَعْـدِنُــــكَ   الأَرْقَـــــــــــى     وبِمَعْـدِنِــــكَ  الأَرْقَـــــى  سَـتَـثُـــــــــوْرْ!

 

(*) الموقع الإلكتروني للقلب الشاعري

مشاهدة مقتطفات من مهرجان "القلب الشاعري" على موقع "اليوتيوب":

*

 

مهرجان القلب الشاعري 2015

(2 - 3)

أ. د. عبدالله بن أحمد الفَـيْـفي

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.