3

:: التفاؤل ثقافة والتغلب على العقبات معرفة!! ::

   
 

التاريخ : 08/04/2015

الكاتب : فاطمة المزروعي   عدد القراءات : 1245

 


 

 

 

عندما يقع أحدنا في مشكلة أو تعترض مسيرة حياته عقبة، فإن خير وسيلة للتغلب عليها هو شحن النفس بطاقة من التفاؤل والأمل وملء الروح بهذه المشاعر، لكن الذي يحدث في حياتنا اليوم مختلف تماماً عن هذا الجانب. فبنظرة سريعة لمواقع التواصل الاجتماعي أو ما يصلنا عبر التطبيقات الذكية في الهواتف، نجد أنها كلمات وأقوال تنم وتدل على حالة من البؤس والقنوط، وتأنيب النفس، كمٌّ هائل من الكلمات السوداوية تحيط بالكثير من الناس فتتلبس يومهم وتغذي أوقاتهم والسبب أنهم أخفقوا أو تعثروا. وعندما تؤنبهم وتبلغهم بأنهم يسيئون لأنفسهم ولمستقبلهم يقولون:

إنه لا شيء بأيديهم، وغني عن القول أن هذا التبرير غير صحيح إطلاقاً، والعلم الحديث يثبت افتقاره إلى الصحة، فقد ثبت علمياً بما لا يجعل مجالاً للشك أن الإنسان قادر أن يغذي نفسه بمشاعر الاطمئنان والتفاؤل حيث ذكرت منظمة الصحة النفسية في عام 2004 أن التفاؤل عملية نفسية إرادية تولد أفكارَ ومشاعرَ الرِّضى والتحمُّل والأمل والثقة، وتبعد أفكار ومشاعر اليأس والانهزامية والعجز، فالمتفائل يفسر الأزمات تفسيراً حسناً، ويبعث في النفس الأمن والطمأنينة، كما أن التفاؤل ينَشِّط أجهزة المناعة النفسية والجسدية، وهذا يجعل التفاؤل طريق الصحة والسعادة والسلامة والوقاية. في حين يُعتبر التشاؤم مظهراً من مظاهر انخفاض الصحة النفسية لدى الفرد؛ لأن التشاؤم يستنزف طاقة الفرد، ويقلل من نشاطه، ويُضعف من دوافعه، كما أن أسلوب التفسير التشاؤمي، هو أحد الأسباب المؤدية للإصابة بالأمراض الجسمية المختلفة، وانخفاض مستوى الأداء الأكاديمي والمهني. هذه كلمات علمية بمنزلة دليل وشاهد على أن الإنسان هو الذي يستطيع أن يقرر مصيره أو مستقبله، وهذا يبيّن لنا أن التشاؤم سبب في بقاء الشخص على حاله وعدم تقدمه أو تغيره للأفضل.. وأن التفكير الإيجابي هو الطريق لرسم نجاح أبدي.. وهذا يقودني إلى قصة حصلت مع أديب ألمانيا العظيم جوته الذي فوّت على نفسه أن يقدم للعالم اختراعاً مذهلاً، وهو التحليق بالمنطاد وذلك بسبب تقاعسه وتردُّده والذي نتج عن تشاؤمه. فقد بدأت القصة عندما فكّر الأخوان مونجولفييه باختراع أداة تجعل الإنسان قادراً على الطيران وتوصلا لفكرة المنطاد وباشرا العمل على صنعه.. وبالفعل تمكّنا بعد عمل مُضْنٍ وعدة تجارب فاشلة أن يخترعا النموذج الصحيح لمنطادهما، وفي باريس عام 1783 اجتمع حشد غفير من الناس ليشهدوا أول صعود ناجح لمنطاد منذ تاريخ البشرية، وفي أثناء هذا النجاح الباهر الذي حققه منطاد الأخوين مونجلفييه كان هناك من يعمل على تطوير هذا الاختراع وهو الأستاذ شارل.. فقد صنع منطاداً آخرَ يختلف عن منطادهما، إذ استعمل غاز الهيدروجين لرفع المنطاد ووضع الرمال لجعل المنطاد راسياً وغيرها من العمليات التطويرية وعندما أتى يوم إقلاع المنطاد واجتمع عدد هائل من الناس أتى رسول من ملك فرنسا يقول إنه منع عملية الإقلاع لخطورة استخدام غاز الهيدروجين كونه سريع الاشتعال، لكن شارل كان مصمماً على التحليق بمنطاده، فقال إنه سينتحر من فوره إذا تمسك الملك بقراره، وبالتالي فإن سر المنطاد سيذهب معه إلى القبر! -الإصرار على تحقيق الأهداف والثقة- فلم يجد الملك سبيلاً سوى أن يرفع المنع وحلق المنطاد في سماء باريس في العام نفسه الذي أطلق فيه الأخوان مونجلفييه منطادهما!  وعلى الرغم من أنه جاء بعدهما فإنه أنه ظلّ مستخدَماً قرناً كاملاً.. في خضم هذا التسابق العلمي المبهر والذي نقل البشرية نقلة قوية وجعلها قادرة على الطيران، كان الشاعر جوته يراقب المناطيد تحلّق وبحسرة شديدة، فالمفاجأة كانت تكمن في أن جوته خطرت له فكرة اختراع المنطاد قبل الأخوين مونجلفييه وشارل، لكنه تقاعس عن العمل بها ولم يؤمن بأهميتها.. وقد كتب بحسرة عبارته الشهيرة التي قال فيها: "لقد خرجت المناطيد للوجود، وما كنت إلا قاب قوسين أو أدنى من اختراعها، وهذا هو الأسى يتملكني لأن الحظ جانبني فلم أكن السباق لابتداعها."

التفاؤل ليس هبة أو خصلة في شخصية الإنسان إنما مهارة يتعلمها الفرد حتى يتقنها تتمثل بالصبر والتفكير بشكل إيجابي والاستمرار بالمحاولة وامتلاك إرادة حديدية وقناعة جازمة أن الهدف قابل للتحقيق.. أيضاً التشاؤم لا يتعلق بشخصية الإنسان أو أنه يولد متشائماً، بل هو ما نكتسبه من خلال تعرضنا لإحباطات وصعوبات مستمرة، وهذا ما ذهب له مؤسس علم النفس الإيجابي مارتن سليجمان في كتابه "تعلم التفاؤل" إذ قال: "إن التفاؤل يمكن تعلمه، فنحن لسنا متفائلين بالفطرة أو متشائمين بالفطرة. لذا أعتقد اليوم أكثر من أي يوم مضى إلى أن التفاؤل والتشاؤم معديان.. بمعنى آخر يمكن اكتسابهما من الاحتكاك بالآخرين.. فملازمة المتشائمين بكثرة تجعلك مثلهم ذا نظرة سوداوية للحياة ومتردد وغير مقدام.. ولكن صحبتك للمتفائلين تجعل الحياة بنظرك أبسط وأكثر إثارة ويمكنك مواجهة العثرات بشكل إيجابي، انظر حولك جيداً وأحسن اختيار الرفقة والأصدقاء أولاً، ثم غذي عقلك وروحك بالأفكار الجميلة، واغْمر وجدانك بالصبر والتفاؤل، وستجد النتائج الإيجابية تنهال عليك تباعاً، فالحقيقة تقول لك وبوضوح: التفاؤل هو ما يقودك نحو مجدك.. والتشاؤم يبقيك حيث أنت.

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.