3

:: على أبواب الذكرى الرابعة للثورة السورية والربيع العربي ::

   
 

التاريخ : 20/03/2015

الكاتب : مازن كم الماز   عدد القراءات : 1778

 


 

 

أصبح لدينا حلم 

مع انطلاق الثورة التونسية ثم مع مشاهد معارك الشوارع في التحرير ثم المظاهرات الأولى في درعا ولد حلم.. حلم بدا حقيقيا جدا، أن نعيش أحرارا، أن نحول كل ذلك الكلام الذي كتبناه أو تخيلناه عن أننا بشر نستحق الحرية، عن المجتمعات "المثالية" التي حلمنا بها وتجادلنا حولها ورسمنا صورا بدائية لها، حيث يفترض أن يعيش الناس أحرارا ومتساوين، تباينت تلك الصور بين ليبرالية الغرب أو ليبرالية إسلامية مزعومة ودولة الخلافة والمجتمع الشيوعي حيث لا طبقات ولا سلطة.. ما حصلنا عليه حتى اليوم لا يمتُّ لذلك الحلم بصِلة، وهذا يفترض أن يستفزنا بالفعل.. مع انطلاق الربيع العربي اعتقدنا أننا قريبون من "تغيير" حقيقي، لم نرض يومها بأقل من "تغيير العالم"، لكننا اليوم نحاول فقط أن "نقاوم" القوى السلطوية السوداء (لأن كلمة الظلامية تستخدم اليوم للإشارة إلى بعضها فقط، مبرئة بعضها الآخر).. الحفاظ على الحلم في هذه الظروف، ظروف التراجع الثوري والجماهيري والنزيف المستمر في الأصدقاء والرفاق وانهيار الآمال بانتصارات سهلة قريبة، قد يكون صعبا.. من الغباء المطلق عدم الاعتراف بكل هذا، أن نسلم رقابنا لبعض الانتهازيين أو الوصوليين أو للقوى السلطوية التي تتجاذب تلك الثورات وتحاول أن تدفع الجماهير لتخوض معاركها هي، ليس فقط أني شخصيا لا أستطيع التصالح مع هذا العالم، مع ما فيه من قهر واستبداد، مع الزيف والكذب، ما زلت أعتقد أن تصالح ضحايا هذا العالم مع واقعهم هو أيضا صعب إن لم يكن مستحيلا.. قد تكون المقاومة صعبة اليوم، مؤلمة، مكلفة، وقد نحتاج للكثير من عشق الحرية لنفعل ذلك، أيضا كيلا نصبح مجرد ضحايا أغبياء في صراعات السادة على استعبادنا، لكن الحلم يبقى، وإن بصيغته الساذجة البدائية.. على كل في عالم كعالمنا ليس أمام الناس العاديين الكثير من الخيارات، يبقى أحدها هو أن يستمروا بالمقاومة، بالمحاولة، مع وعي كامل بواقعنا، يمكننا أن نكمل مسيرة الموت إن شئنا لكن دون أن نصبح ضحايا غبية في معارك السادة ولا عبيدا سعداء، واعين بأنه من الغبي جدا أن نموت في سبيل أي سيد أو مستبد أو في سبيل فكرة غبية.

إحدى العلامات شديدة السوء في احتفالات الذكرى الرابعة للثورة السورية هي أنها تحولت إلى طقس أشبه باجتماعات الأحزاب التقليدية والرسمية القديمة، طقس يمتزج فيه الملل والشعور بالعبث مع ترديد بعض الكليشهات التي ما زال من المقبول ترديدها بشيء من الجدية، طقس أشبه بكتابة وظيفة مدرسية.. إحدى تلك الكليشهات وإحدى العلامات شديدة السوء أيضا في احتفالات الذكرى الرابعة هي استخدام كلمة العظيم كلازمة ضرورية في كل مرة يذكرون فيها اسم الشعب السوري، الثورة السورية، السوري عموما.. كم أنت "عظيم" أيها الشعب السوري وأنت ترقد في قعر البحار، في المخيمات، في العراء، في المقابر، أو في الآبار.. كم أنت "عظيم" وأنت تجوع، وتعرى، وترتجف بردا، وتموت، وتذَّل، والعالم بأسره "يتآمر" عليك.. خلافا لما يردّده أزلام الاستبداد، لم يخسر السوريون الأمن الذي كانوا "ينعمون" به في ظلّ الاستبداد، ما جرى هو أن موتهم البطيء قهر وفقر.. صار موتا عاجلا بالبراميل والدبابات والكيماوي، المصيبة هي أكبر وأقصى، فـ"الشعب العظيم" ليس مطالبا اليوم أيضا إلا بالتصفيق والصمت وانتظار أن يقوم "سادته الجدد" "بتحريره".. ليس فقط الموت بصمت، بل أيضا الصمت عن النفاق الجديد والفساد الجديد والأكاذيب الجديدة والأوهام الجديدة التي تردد على مسامعه وتكاد تتحول إلى قهر جديد ضده.. المطلوب من الشعب "العظيم" اليوم هو أن يرفع مرة ثانية (المرة الألف ربما أو المليون) سادته الجدد فوق ظهره، فوق أشلاء أطفاله.

ما تزال خطة المعارضة السورية، بكل تلاوينها وفصائلها، هي هي: محاولة استدعاء تدخُّل أمريكي أو دولي عسكري يقضي على الأسد (أضيفت إليه الآن داعش)، تدخُّل يتوقع أن يؤدي إلى تسليم السلطة لتلك المعارضة.. ومن الواضح جدا أن هذا لن يتحقق في ظل الظروف القائمة، عدا، طبعاً، عن أن هذه الخطة لا تتّفق أصلا مع طبيعة وأهداف ثورة شعبية ضد نظام استبدادي قامت في سبيل الحرية الحقيقية للناس العاديين.. المعارضة، المسلحة والسياسية بفصائلها المختلفة، ليست اليوم قوة فعلية على الأرض، وبشكل من الأشكال، لم يكن هذا أحد خياراتها، على عكس الإسلاميين، الجهاديين خاصة.. وهذا يعود بنا إلى الفارق المهم بين الحلم الذي راود السوريين العاديين، وبين الحلم الذي راود المعارضة مع اندلاع الثورة.. الحلم الذي راود المعارضة كان أن تصبح سيدة سوريا "الحرة"، وهذا يتفق مع حلم الجماهير فقط حتى إنجاز مهمة إسقاط الأسد.. عملت المعارضة على "الاحتفاظ بقواها" لمرحلة ما بعد الأسد، خلافا للثوار الذين استهلكوا قواهم في المعارك الأولى للثورة، وأيضا خلافا للإسلاميين، الجهاديين أساسا، الذين زجّوا بكل قواهم في المعركة وتمكّنوا بالنتيجة من تحويل مشروعهم إلى واقع على جزء مهم من الأرض السورية (لا أقصد داعش فقط، بل أيضا النصرة وأحرار الشام الخ).. 

الإسلام السياسي، الجهادي تحديدا مرة أخرى، في أزمة.. لكنه لا يرى أو لا يشعر بعمق أزمته وجديتها، لسبب بسيط هو أنه أصبح يملك الكثير من السلاح، والمال، لذلك فهو يرى أنه في صعود، هو اليوم قوةٌ فعلية على الأرض، رقمٌ صعب في الثورة أو في سوريا "الحرة" وسوريا عموما، وهناك قوى سلطوية إقليمية عدة مستعدة للتعامل معه، مباشرة أو تحت الطاولة، انطلاقا من مصالحها في إضعاف النظام الأسدي وحليفه الإيراني أو للحصول على هامش مناورة أكبر في العلاقة مع الأمريكان الخ.. أزمة الإسلام السياسي والجهادي تتحدّد أساسا في انهيار المثال الذي كان يبدو حقيقيا ومغريا بالنسبة للكثير من السوريين قبل الثورة أو في مراحلها الأولى.. الاقتتال الداخلي والبيني الذي وصل حدودا شديدة التطرف من حيث طرق القتل وعدد القتلى وتبادل الاتهامات كشف الغطاء الميتافيزيقي الذي كان يلتحف به أصحاب هذا المشروع، كشفه "دنيويته"، انطلاقه من مصالح دنيوية خالصة واستخدامه أساليب دنيوية بحتة.. عدا عن أن استدعاء المقدس والسماء إلى ساحة المعركة، بقوته المطلقة المفترضة، كان من المنتظر أن يحسم المعركة.. لكن "التمكين" لم يتحقق، إلا بشكل محدود وضمن شروط "دنيوية" تماما.. يستطيع الإسلام السياسي والجهاديون تغطية أزمتهم تلك، على الأقل أمام جماهيرهم الأقرب، بتغطية صراعاتهم على السلطة والنفوذ بالتوسع في ممارستهم للتكفير ضد الآخر "الإسلامي"، بحجة الانتماء للصحوات أو الخوارج، لكنها بداية نهاية المشروع الإسلامي، بما في ذلك الجهادي.. لا يعني هذا أنه على وشك أن يهزم بالضرورة أو أنه ليس أحد أهم المشاريع القائمة بالفعل.. بدأت نهاية المشروع البلشفي اللينيني منذ تباين عن مشروع الجماهير بعد ثورة أكتوبر 1917 بوقت قصير مع بداية المقاومة الجماهيرية ضده رغم نجاحه في القضاء على مشروع الجماهير بحكم نفسها بنفسها بقضائه على مؤسسات الحكم الذاتي للجماهير أو السوفييتات والمجالس، رغم أن الانهيار النهائي لذلك المشروع تأخر خمس وسبعين عاما...

لا شك أن أي إنسان يعيش في سوريا يشعر بثقل ووطأة النفوذ الإيراني ودعمه لاستبداد النظام، أن يرفضه ويقاومه، هذا أكثر من طبيعي.. لكن هناك أكثر من سؤال مهم يجب توجيهه للقوى السلطوية المعارضة والإقليمية التي تهاجم احتلال نظام الملالي وبيروقراطيته العسكرية الدولتية لسوريا، خاصة أنها إما تدعو السوريين للموت في سبيل أنظمة استبدادية لا تختلف كثيرا عن نظام الملالي، كنظام آل سعود و"أشقائه" في الخليج، أو أنها تريد بناء نظام يشبه نظام الملالي تماما.. هذه القوى لا يضايقها الاحتلال الإيراني إلا لأنه شيعي.. المعارضة بغالبيتها تعتبر أن السوريين يموتون اليوم دفاعا عن نظام آل سعود أو آل فلان في أبوظبي أو علتان في الدوحة.. هذا ليس مجرد هراء، هذه إما هرطقة ثورية، أو خيانة ثورية.. أما "النظام" الذي يسعى إليه الإسلام السياسي فهو ليس إلا نسخة كربونية عن نظام الملالي.. إن الحديث الدارج عن الاحتلال الإيراني (احتلال نظام الملالي) لسوريا يخفي وراءه إما محاولة تجيير دماء السوريين لصالح أنظمة سلطوية تشبه نظامي الأسد والملالي أو تفوقهما في الاستبداد أو لتغطية الرغبة ببناء نظام استبدادي يشبه أو يزيد استبداد نظامي الأسد والملالي.

كم نتمنى أن يكون أكراد روجافا، وإخوتهم العرب والآشوريون وغيرهم في روجافا، قد أصبحوا سادة أنفسهم بالفعل.. لكن حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري مازال حزبا سلطويا مركزيا يسخر إيديولوجيا دوغمائية لتثبيت ولاء الجماهير له.. إن الإدارة الذاتية في روجافا، نظريا، تحقق بالفعل جزءا من طموح الجماهير الكردية في سوريا، وغير الكردية.. لكن الإدارة الذاتية لا يمكنها في ظل الظروف الراهنة في روجافا أن تكون أكثر من ظل لهيمنة حزب سلطوي، كما مسخت السوفييتات في بلاد الرفاق لينين وتروتسكي وستالين.. يجب أيضا تحية نساء روجافا، لكن مرة أخرى، فإن الحزب المركزي ليست إلا مؤسسة بطريركية تقوم على هيمنة الهيئات الأعلى على الأدنى وتحاول أن تكون رأس حربة لهيمنة قيادته على المجتمع، إنها تستخدم الإيديولوجيا فقط لخدمة أغراض قيادتها لا العكس..

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.