3

:: فاشل في اختيار الأصدقاء ::

   
 

التاريخ : 17/01/2015

الكاتب : فاطمة المزروعي   عدد القراءات : 1366

 


 

 

 

رسالة تلقيتها من قارئ جعلتني أتوقف مليّاً وأراجع طبيعة كل تلك الصداقات التي نقوم ببنائها ونرسّخها، لنفاجأ بعد مضي الوقت أن تلك الصداقات لم تكن وفق تطلعاتنا، ولم تكن في مستوى وحجم ظنوننا. أعتقد أن لدينا صورة ضبابية لروح ومعنى الصداقة، وأخشى أننا بتنا نحمّلها أكبر مما تحتمل، لذا نشاهد كل تلك الانهيارات والعداوات بعد المحبة.

أعود لرسالة القارئ التي حملت توقيع سالم، حيث يقول: «لن تجدي شخصاً كان يؤمن بمعنى الصداقة مثلي، فلم أكن اعتبر أصدقائي إلا بمنزلة إخوتي، وكنت أوليهم العناية والرعاية، حتى فوجئت في نهاية العام الدراسي بإخفاقي في ثلاث مواد دراسية، بينما أصدقائي جميعهم تمكّنوا من النجاح وليست هذه هي المشكلة، بل المشكلة تكمن في أنني كنت أُمضي نهاري بينهم، فلم يعد لدي متّسع من الوقت للدراسة والاستذكار، فمرّة أذهب لفلان وبعده أتوجّه إلى لثاني ثم الآخر.. وهكذا يمضي يومي.

ولكن لا تحسبي أنني ألومهم وأنسى نفسي، أو أنني أبحث عن شمّاعة أعلّق عليها إخفاقي، لأن ما سبّب الألم البالغ لي أنني اكتشفت بمحض الصدفة أنهم، أي أصدقائي، كانوا يجتمعون كل أسبوع مرتين أو ثلاثاً للاستذكار ومراجعة الدروس سويّاً، ولم يكلّفوا أنفسهم مرّة دعوتي للانضمام إليهم، بل خلال فترة الاختبارات كانوا يلتقون كل يوم في منزل واحد منهم للاستذكار.

لقد حزنت جداً وظللت فترة من الزمن أتساءل، لماذا كانوا يجتمعون للاستذكار دون دعوتي؟ لذا واجهتهم بهذا السؤال، وقد يفاجئك أنهم برّروا هذا التصرّف بعدم جدّيتي وأنني مهمل. وهنا لا أخفيكِ أنني سعدت بإجابتهم، لأنني أدركت أن تجاهلهم لي كان مصدره سوء أدبهم وافتقارهم للأخلاق وليس لعَيبٍ صادرٍ مني، فغيرُ صحيح كلامُهم بأنني مهمل، لأني منذ أن تخلّيت عنهم لم تنزل درجاتي عن الامتياز، وصدق من قال إن البلاء قد يحمل لنا الخير».

هذه كلمات سالم، وبطبيعة الحال وكما يظهر كان ممسكاً بزمام الأمور، فلم يستسلم للإحباط ولم يصدق أكاذيب من اختارهم أصدقاء عندما قالوا إنه مهمل، لأنه أثبت لهم ولنفسه أولاً أنه جادٌّ وعلى قدر المسؤولية دون شكٍّ. فالدرس من قصة سالم أن نضع الصداقة في ميزان دقيق، فلا اندفاعَ مطلقاً في المشاعر ولا شحَّ واضحاً في الأحاسيس، وإنما نختار منطقة الوسط، نصادق لكن ليس على حساب حياتنا الدراسية والعملية والاجتماعية.

الصداقة هي العقل.

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.