3

:: عندما تختلف الآراء! ::

   
 

التاريخ : 23/11/2014

الكاتب : فاطمة المزروعي   عدد القراءات : 1473

 


 

 

"الحقيقة"، على الرغم من وهن هذه الكلمة وفرديتها، فإن مفهومها ودلالاتها خطيرة، فالحقيقة عندما يدّعي أحدهم التمسُّكَ بتلابيبها وعدم السماح حتى بالنقاش، إنما ينطلق من مفهوم راسخ لا يتزعزع بصحة ما يملكه ووهن أو كذب ما يملكه الطرف الآخر، وبالتالي فإن الهوّة بين الطرفين تتّسع وتتعطّل لغة الحوار تماماً، وعندها يتمّ الانتقال للغة السلاح والخصام والتنافر والعداء.

بنظرة سريعة نحو كافة تفاصيل حياتنا من الصغيرة حتى الكبيرة، ومن داخل الأسرة التي تتكون من فردين أو ثلاثة، وصولاً للمجتمع بأسره أو بالعلاقات بين الأمم والشعوب، نجد أن بؤرة كل صراع هي ادّعاء أحد الأطراف امتلاكه للحقيقة وأن الآخر يعتدي عليها.

يمكن رصد وملاحظة هذا التباين بسهولة في كافة المجالات الحياتية؛ الرياضية والعلمية والسياسية، وحتى في الناحية الفكرية والأدبية يحدث خصام بين تيارات ثقافية مختلفة على قضايا لم تحسم حتى اليوم، وكل فريق يناصب الآخر العداء والهجوم بحجة أنه يملك الحقيقة، وأن الآخرين لا يملكون إلا الزّيف والتشويه ومحاولة إطفاء نور الحقيقة لأن عندهم مطامع وأغراضاً وصولية.

تتحفنا كتبٌ كثيرة بين وقت وآخر بعناوين برَّاقة، مثل: "لنحمِ الحقيقة"، و"دفاعاً عن الحقيقة"، و"في حماية الحقيقة"، و"حتى لا تضيع الحقيقة"، و"الحقيقة والتاريخ"، و"الحقيقة والمجتمع".. إلخ. وقد نصاب بالدهشة والذهول من أن بعض هذه العناوين قد تمرّ علينا وهي مدوّنة لكتب عدة، بمعنى أن هناك نسْخاً حتى لعناوين الكتب التي تتحدث عن الحقيقة! ولم يقتصر النسْخُ فقط على فكرة امتلاك الحقيقة، والذي أحسبه أقدم عملية نسْخ إنسانية تمّت منذ عصور سحيقة وحتى العصر الحديث.

غنيٌّ عن القول إن هناك حقائقَ في هذا الكون مسلَّمٌ بصحّتها وأن هناك اتفاقاً عاماً على حقيقتها المطلقة، ويدعم هذا الاتفاق والتسليم العلم الحديث، لكن حديثنا عن آراء أو عن قضايا إذا صحَّت تسميتها جدلية لم تُحسم سواء في مجال العلوم أو في مجال الطب أو حتى في التاريخ والعلوم الإنسانية الأخرى، وهناك مواضيع جدلية لم تحسم منذ عصور غابرة وحتى يومنا هذا، والبعض منها تحوّل مع مرور الزمن لفكاهة ومضرب مثل في عدم الاتّفاق وادّعاء كل طرف بأنه يملك الحقيقة، وهذا الجدل العقيم كان على حساب أمور عظيمة أهم وأخطر، لعلّ خير مثال في هذا السياق القصة التي تروي أنه عندما حاصر السلطان العثماني محمد الفاتح القسطنطينية، وكان البيزنطيون خلال حصار مدينتهم في نقاش محتدم وملتهب حول عدة موضوعات، مثل هل الملائكة إناث أم ذكور؟  في الوقت الذي كانت القذائف تدكُّ أسوارَ عاصمة بلادهم.

هذه النقطة تحديداً جديرة بالانتباه لنفهم طبيعة الأمور، فكل شيء له ضوابط وشروط حتى في الحوار، مثل أهمية الموضوع وحجمه ومدى الوقت الذي يستحقه في النقاش حوله، كذلك التوقيت الذي يتم فيه مثل هذا الحوار، والفائدة المرجوة أو النتيجة المتوقعة، وقبل هذا جميعه، هل الذي أمامك يملك معلومات ورأياً يثري ويفيد، أم هو فقط يجادل؟

أعتقد جازمة بأن العالم بأسره يجب أن تسوده لغة الحوار والتفاهم، وفي عالمنا العربي نحن لسنا بمعزل عن مثل هذه الحاجة، بل هي ضرورية بالنسبة لنا اليوم أكثر من أي زمن مضى.

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.