المال لا يجلب السعادة. هذا صحيح. لكن أليس من الأفضل – إن كنتَ حزينا - أن تبكي داخل سيارة في الزمالك بدلا من البكاء في أتوبيس شبرا وأنت مهروس في الزحام تتابع ركض الكومساري وراء الركاب بالقبقاب ليدفعوا ثمن التذكرة؟! المال نعمة لا يرفسها إلا الأحمق. مع ذلك ثمة مالٌ لابدَّ من رفضه بوضوح. عام 1965 منحت مجلة "حوار"، التي ترأّس تحريرها من لبنان توفيق الصايغ، جائزة ليوسف إدريس بقيمة مالية كبيرة، لكنه امتنع عن قبولها حين علم بالعلاقة بين المجلة والمخابرات الأمريكية تحت ستار المنظمة العالمية للحرية والثقافة. وفي أغسطس 2009 رفض الروائي الإسباني الكبير خوان جويتيسولو "جائزة القذافي للأدب" (مئتا ألف دولار)! وفسّر ذلك في رسالته للجنة التحكيم بقوله: "أنا واحد من قلّة من الروائيين الأوروبيين المهتمّين بالثقافة العربية.. لكني بعد تردُّد قصير درست خلاله احتمالات قبول الجائزة أو رفضها اتّخذت الخيار الثاني لأسباب سياسية واخلاقية". نعم، ليس أجمل من أن يتوفر لك المال لتنعم بكل ما تشتهي، لكن عليك وأنت تكسب المال أن تتأكد من أنك لن تخسر شيئا لا يمكن شراؤه. المال في اعتقادي اختبار من نوع خاص يحدّد تكوين المرء ومستقبله خاصة إن كان كاتبا. وحين أراد الروائي العملاق فيودور دوستويفسكي أن يصور إنسانا رائعا يجمع بين عظمة المسيح الواعي برسالته وبين أحلام دون كيخوت الهوائية رسم شخصية ميشكين في رواية "الأبله" عام 1869 وجعل ميشكين يحرق مئة ألف روبل بالنار. المال مهم، وممتع، ويهب المرء حرية التنقل والعمل والراحة بلا حدود. المشكلة الوحيدة مصدر ذلك المال. هل هو مرتبط بشراء موقفك؟ هل هو استجلاب قلمك - كما تُستَجْلَبُ طوابير العبيد - للخدمة في قصور الأمراء؟. فكرت واعتذرت عن عدم الكتابة وأنا أقول لنفسي لا هي الأولى ولا هي الأخيرة. موقفي بسيط مقارنة بمواقف الآخرين لكنه أنا وكل ما لدي!