3

:: جائزة الأدب اللبناني 2014 إلى الشاعر هنري زغيب ::

   
 

التاريخ : 27/09/2014

الكاتب : جماليا - بيروت   عدد القراءات : 2600

 


 

"جماليا"- بيروت - خاص

 

 

درجَت مؤسسة "ميشال زكور" في بيروت، منذ إنشائها العام الماضي، على رَصْد مؤلّفات أدبية وفكرية، في إحدى اللغات الثلاث: العربية أو الفرنسية أو الإنكليزية، تتّفقُ وفِكْر الصحافي والسياسي اللبناني ميشال زكور الذي ناهض الانتداب الفرنسي في جريدته "المعرض" (بين 1921-1936) وفي مواقفه الوطنية نائباً في البرلمان اللبناني ووزيراً للداخلية والخارجية في الحكومة اللبنانية حتّى سقوطه صريع نوبةٍ قلبية داخل مكتبه في السراي الحكومي نهار 19 حزيران 1937.

نتيجة هذا الرّصد: إنشاء جائزة ميشال زكور السنوية للأدب والفكر، ذهبَت في العام الماضي إلى الدكتور أحمد بيضون على كتابه "لبنان الإصلاح المردود والخراب المنشود"، وذهبَت هذا العام عن الأدب اللبناني إلى الشاعر هنري زغيب على كتابه "الياس أبو شبكة: من الذّكرى إلى الذّاكرة" وعن الفكر اللبناني إلى الدكتور نبيل خليفة على كتابه "ميشال شيحا أول أنبياء لبنان وآخر أنبياء فلسطين".

 

"جماليا" التي تُهنّئ صديقها الشاعر هنري زغيب على هذه الجائزة الأدبية التي يستحقّها بجدارة، تنشرُ في ما يلي مقتطفات من وقائع الاحتفال الذي كان حدَثاً أدبياً كبيراً في بيروت، بتسليم هذه الجائزة في متحف "فيلاّ عودة"- الأشرفية مساء الأربعاء 17/09/2014، بحضور حشدٍ كبير من رجال الأدب والفكر والصحافة والثقافة في لبنان.

 

من كلمة لجنة الجائزة

افتُتُح الاحتفال بالنشيد الوطني اللبناني، وتولّى تقديم الخطباء الإعلامي والناشر أنطوان سَعد بدءاً من رئيس لجنة الجائزة المحامي والكاتب ألكسندر نجّار وجاء في كلمته:

"ارتأت لجنةُ تحكيم "جائزة ميشال زكور" هذا العام في دورتِها الثانية، أن تُتوِّجَ كِتابَين اثنَين: الأولُ في مجال الدراسة الأَدبية، والآخَرُ في مجالِ الدراسةِ التاريخية، يَـجمَعُ بينهُما تَــنَـاوُلُـهُمَا عَلَمَين عايَشا ميشال زكور، هُما ميشال شيحا الذي واكَبَ مغامرةَ الدستور، والياس أبو شبكة الذي واكَبَ مغامَرَةَ "الـمعرض". ويَـجمَعُ بين صاحِبَي الكتابَين، نبيل خليفة وهنري زغيب، أنهُما كاتبان يـتمَيَّزان برصانَتِهما ونِضالِهِما من أجل الثقافةِ والتراثِ اللبناني.

       فنبيل خليفة مؤلِّفٌ معروفٌ، وباحثٌ أكاديميٌّ رصينٌ في الفكر السياسي، أسّس "مركز بيبلوس للدراسات والأبحاث"، وشغَلَتْه القضيةُ اللبنانيةُ بأَركانِها وقضاياها فانصرفَ إلى البحثِ عن جذورِها وجذوعِها، ودافَعَ ولا يزالُ يُدافعُ عن تاريخيّة لبنان ودورِهِ في هذا الشرقِ وفي العالم.

       أما هنري زغيب، فهو شاعرٌ مُـمَيَّـزٌّ وكاتبٌ وناقدٌ معروفٌ في الصحافةِ المكتوبة والإعلامِ المسموعِ والمرئيّ، ومسؤولٌ عن مراكزَ عدَّةٍ بينها "مركزُ التراث اللبناني" في الجامعة اللبنانية الأميركية، وهو مُـحَــرِّكُ مشاريعَ تُعنى بالتراث اللبناني، وكرَّسَ عدداً من مؤلَّفاتِهِ والكثيرَ من محاضراتِهِ للأدبِ اللبناني وأَعلامِه أمثالَ جبران وسعيد عقل والياس أبو شبكة موضوعِ كتابِهِ الأخير الذي نالَ "جائزةَ ميشال زكور" لأنه أدخَلَنا إلى عالم أبو شبكة. وما يَلْفِتُني في هنري زغيب هو اندفاعُهُ المتواصِلُ في الدفاع عن الثقافةِ اللبنانية، ونشاطُهُ المستمِرُّ، فهو مناضلٌ يحمِلُ القلَمَ سلاحَه وبه يُحاربُ على جميعِ الجَبَهات من أجل نُصْرةِ الفكْر والثقافة في لبنان".

من كلمة المؤسسة

ألقاها مؤسِّسُها مكرم ميشال زكور تكريماً لذكرى والده. ومِمّا جاء فيها:

"تتشرّف "مؤسسة ميشال زكُّور" هذه السنة بتكريم الكاتبَين نبيل خليفة وهنري زغيب. فــ"جائزةُ ميشال زكُّور" ترصُدُ الأَعمالَ الفكريةَ والأَدبية، لتكافِئَ أَفضلَ بحثٍ عن الأَدبِ والفكْرِ اللبنانيَّـين.

  وإِنّ لجنة الجائزة اختارَت كتابَ الدكتور نبيل خليفة "ميشال شيحا أَوّلُ أَنبياء لبنان وآخرُ أَنبياء فلسطين" لِـما فيه من تَـلاقٍ مع رؤْية ميشال زكُّور حولَ لبنان الذي تصوَّره وحَلَمَ به: الاستقلال، الديمقراطية، الجمهورية، الحرية في ميادينها، الانفتاح على العرب والعالم، تأْييد الحق العربي في فلسطين.

       كما اختارَت اللجنةُ كتابَ الشاعر هنري زغيب "الياس أَبو شبكة من الذكرى إِلى الذاكرة" لكَون أَبو شبكة من ركائز "معرض" زكُّور، وفي مكاتبِها تأَسسَت "عصبة العشرة" من أَربعة عاملين فيها: ميشال أَبو شهلا، فؤاد حبيش، الياس أَبو شبكة، وخليل تقي الدين.

وتُذكَرُ لأَبو شبكة عبارتُه في الوفاء: "إِني لا أَعرفُ صحافياً أَخلَصَ لعقيدتِه اللبنانية وثابَرَ على هذا الإِخلاصِ كصاحب "المعرض"...  فمن يتصفحُ جريدة "المعرض" منذ نشْأَتِها إِلى آخرِ نشرةٍ من حياتها الشريفة، يرى روحَ ميشال زكُّور متجسِّدَةً فيها، تَتَمَشّى في صفحاتِها، على غرارٍ واحد، ودستورٍ واحد، وعقيدةٍ واحدة"...".

من كلمة الطيّب وِلْد العَروسي

في مناسبة منحِ هذه الجائزة أرسَل الباحث الطيّب وِلْد العَروسي (تالمدير السابق لمكتبة معهد العالم العربي في باريس) رسالةً إلى المحتفلين جاء فيها:

"ثلاثٌ وسبعون سنةً مرَّت على وفاة ابن لبنان البار الشهيد ميشال زكور. وإِنما نَصِفُه بــ"الشهيد" لأنه تُوُفّيَ رافعاً رايةَ الواجب الوطني، مثقلاً بهموم وطنية كبيرة حَمَلَها قلبُه الكبيرُ الفيّاضُ بالعطاء والحبّ للبنان.

هذا الرجل، قامةٌ فارعة في سماء الكلمة الحرة والانعتاق. إنه أحد الآباء المؤسسين للصحافة اللبنانية، كان دوماً يُنادي على كل المنابر التي تبوّأها، برصّ الصفوف وتعزيز أَواصر اللُحمة الوطنية وبناء العلاقة الفطرية بين كل مكونات الشعب اللبناني. 

وهو تقلد مناصب عدةً، بينها وزارة الداخلية وأَول وزير للخارجية. لكن الصحافة كانت دَيْدَنه. بدأ يراسل صحفاً لبنانية وعربية قبل أن يؤسس جريدة "المعرض" التي كانت منبر مواجهته الانتدابَ الفرنسي، وفتح صفحاتها لأقلام لبنانية وعربية كبرى كأحمد شوقي وجبران خليل جبران والياس أَبو شبكة وميخائيل نعيمه وسواهم.

واسمحوا لي هنا أن أقدم شكري العميق للأستاذ مكرم ميشال زكور الذي لا يكل ولا يتعب من المساهمة مادياً ومعنوياً في التعريف بإِرث والده، واعياً أن التعريف بهذا الوالد الشهم تعريفٌ بحقبة مهمة من تاريخ لبنان خصوصاً والعالم العربي بشكل عام".

من كلمة الدكتور نبيل خليفة

"أشكر "مؤسّسة ميشال زكّور" التي منحتني جائزة الفكر اللبناني على كتابي: "ميشال شيحا: أول أنبياء لبنان وآخر أنبياء فلسطين". وإنّي فخور أن أكون صلة وصل بين الميشالين اللذين كانا، منذ الثلث الأول من القرن العشرين، في أساس العقيدة اللبنانويّة: بتشديدهما الدائم على فكرة الأمّة اللبنانيّة، إيماناً بها وتعبيراً عنها وتمثّلاً لها ونضالاً من أجلها.

كلمتي تستوحي المناسبة ومحورها الفكر اللبناني في ثلاثة عناوين:

أولاً: ميشال شيحا والأمّة اللبنانيّة.

ثانياً: ميشال زكور والأمّة اللبنانيّة.

ثالثاً: العلاقة بين معركة الميشالين في الماضي من أجل الأمّة والكيان اللبنانيّين وما يجري الآن من أحداث في لبنان والمنطقة؟

فأين هما ممّا يجري اليوم عندنا وحولنا؟

بين النصف الأول من القرن العشرين والنصف الأول من القرن الحادي والعشرين، لا يزال محور الصراع هو نفسه. إنّه محور الكيانيّة الدولاتيّة: من ترسيخ كيان لبنان بالأمس، إلى ترسيخ كيان إسرائيل اليوم. فما يحدث الآن من حولنا، والمخطّط له منذ أكثر من ربع قرن ويجري تنفيذه، هو في وجه أساسي منه العمل على دمج كيان إسرائيل في المنطقة، فلا تبقى جسماً غريباً فيها، جسماً معرّضاً بعد سنوات معدودات لأن "يغرق" في بحر الديمغرافيا العربيّة السنيّة!

كان الميشالان محاميين كبيرين جعلا همّهما الدائم، كما رأينا، المرافعة والمدافعة والاجتهاد لترسيخ لبنان النهائي: لبنان الإنسان الحرّ، ولبنان الدولة الديمقراطيّة، ولبنان الكيان النهائي.

لطالما سألت نفسي: ماذا بقي، أو ماذا سيبقى من ميشال زكّور وميشال شيحا لنا ولأجيالنا الآتية؟

كان جوابي الواضح والحاسم: وهل سقط أيّ شيء ممّا قاله وفعله ميشال زكّور وميشال شيحا من أجل الأمّة اللبنانيّة؟

نحن إذن موضوعون جميعاً أمام جديّة التاريخ، كما كان يقول هيغل، نحن في حضرة مفكّرَين عملاقَين جذّرا الفكر اللبنانويّ وشرّفا تاريخ لبنان. المجد والخلود لميشال شيحا وميشال زكّور.

عشتم وعاش لبنان حقيقةً جغرافيّة وتاريخيّة، كما أراده وعمل له ميشال شيحا وميشال زكّور!!"

من كلمة هنري زغيب

"إِخالُهُ داخلاً علينا، متأَبِّطاً حُزمةً من "معرِضِه" يُسرةً، وفي يُمناه قلمٌ سَنّه بضميره اللبناني، يُحيِّينا ويجلس بيننا يتابع احتفالاً باثنَين غاليَين على قلبه: ميشال شيحا خاتِم "الحدْس الفلسطيني"، والياس أَبو شبكة مُـخاصِرِه في عرس لبنان اللبناني.

       وإِخالُهُ بيننا مغتبطاً بذينِك الرفيقَين الاستقلاليَّين، ذاكراً لشيحا وضْعَه دستور لبنان 1926 مع عمر الداعوق ورفاق، وراوياً لنا "نتعات" الياس أَبو شبكة في غرفةٍ من مكاتب "المعرض" وُلِدَت فيها "عُصبة العشْرة" وظلَّت مشدودةَ الأَعصاب حتى تراخى "المعرض" باحتجابه فتشظَّت "العصبة" من غرفة "المعرض" ليولدَ منها "مكشوف" فؤاد حبيش (1935) و"جمهور" ميشال أَبو شهلا (1936) وينصرفَ خليل تقي الدين إِلى المجلس النيابي والتأْليف، ويبقى "الجوكر" الياس أَبو شبكة، كما أَمدّ "الـمعرض" وميشالَه الزَّكُّور نصوصاً ووفاءً، يمدُّ "مكشوف" حبيش وجمهور "أَبو شهلا" بكتابات غزيرة وفيرة أَثيرةٍ كان لها "المعرض" لـمعة المنارة.

       وبقيَ لنا "المعرض" (بين أَول أَيار 1921 و21 حزيران 1936) 1106 أَعدادٍ ناريةٍ شاهرةً لبنانيَّتَها في وجه انتدابٍ "ضيّفنا" لبنان الكبير لـ"يستضيفنا" في أَحضانه فانتفض ضدَّه ميشال زكور لا راضياً إِلاّ باستقلال لبنان التامّ، مُقْلقاً لأَجله راحةَ مفوَّضين سامين فرنسيين وموظّفيهم، حتى ضجَّ منه الكونت ده مارتِل وسمّاه "الفتى المتمرِّد".

       إِخالُهُ بيننا الآن يبتسم، مغتبطاً من مُكْمِلي رسالته اللبنانية، في طليعتهم وَلِـيُّ إِرثِـه "مَكْرَمُ"ـهُ الحارسُ غيابَه فيبقى حُضُورُه نابضاً بإِعادة طبع باقاتٍ من "الـمعرض"، بإِنشاء مؤسسة باسْمه، وبـتَـبَـنّي جائزةٍ تَستَذْكرُهُ سنوياً في اختيارها أَثراً أَدبياً يعكس لبنان ميشال زكور الذي كان غُرُوبُ عينيه قبل شروق استقلال لبنان بِسِتّ سنوات، بعدما عمِلَ له في كتلةٍ دستوريةٍ ربما كان بين نواياها أَن ترشِّحَهُ أَولَ رئيس جمهورية للبنان الاستقلال.

       وإِخالُهُ، قبل أَن يودِّعَنا، يتركُ لنا تحية ووصية:

أَما التحية فشكرانُ أَعضاء لجنة الجائزة في دورتها الثانية على استحضار ميشال شيحا والياس أَبو شبكة في كتابَين أَنصفاهما ضدّ عُقُوق هذا الزمن اللبناني الجاحد.

وأَمّا الوصية فأَلاّ تبقى أَعدادُ "المعرض" على رفوف بعض المكتبات العامة، يَزورُها نَفَرٌ ضئيل ونسيانٌ ثقيل، وأَن تتوزَّع على طلاّب جامعيـين يَدرُسُون موادَّها للماجستر والدكتوراه، لأَنّ في ثنايا صفحاتها ما يُغني  أَكثرَ من أُطروحةٍ وبحثٍ ودراسة بِإِرثٍ لبناني يشرّف باحثين معظمُهم يبحث في مواضيع غريبةٍ مغتربةٍ غاربةٍ عن تراثنا اللبناني الأَغلى ما ورثناه من حضارةٍ لعصرنا وكل عصر.

هنيهاتٍ أَمضى بينَنا، ثم تأَبّط حزمةَ "معرضه" وقلمَه وخرَج لكنه دخَل القلوب والنفوس، بلبنانيّته الناشبةِ نجماً في ليل لبنان، ليبقى - مع ميشال شيحا والياس أَبو شبكة - حضوراً حيّاً يَمتدُّ من هَلَّة الذكرى إِلى هلال الذاكرة".

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.