3

:: هذا القومي لحقوق الإنسان المصري ::

   
 

التاريخ : 17/09/2014

الكاتب : د. أحمد الخميسي   عدد القراءات : 1662

 


 

 

عام 1973 زرت بلدا عربيا زيارة قصيرة لم تتكرر. أيامها قلت لنفسي لكي أتعرف إلي هذا البلد لابدّ من مشاهدة مسارحه. قيل لي إن أهم مسرح موجود بوسط العاصمة. اتّجهتُ الى هناك ظهرا وتوقّفت أمام قوس كبير بلافتة ضخمة باسم المسرح القومي. لم أر سوى حارس وحيد جالس تحت الشمس. رجوته أن يسمح لي بالدخول لمشاهدة المسرح لأني ضيف عابر فهزّ رأسه بالسماح. دخلت، فوجدت نفسي في الناحية الأخرى من الشارع واقفا بين السيارات العابرة ! عدت إلى الحارس مدهوشا فقال لي: "المسرح تحت الإنشاء"! لا شيء سوى يافطة تدخل من الهواء تحتها لتخرج إلي الهواء!.

أتذكر هذه الحادثة كلما سمعت عندنا عن "المجلس القومي لحقوق الانسان"! يافطة ضخمة تقودك من الفراغ إلى الفراغ. مجلس مركون سنوات لحست الشمس لونه فأمسى كابيا متربا ولم يترك الزمن على قشرته الخارجية سوى بقع "حقوق" إنسان. مع ذلك يتأمّله الناس ويفكرون "من يدري؟ ربما ينفع في شيء!".

ولد المجلس في ظل حكومات "مبارك لحقوق الإنسان" في يونيو 2003، بقانون رقم 94، من باب الزينة والوجاهة في حال جاء مصر زوار أجانب. وحسب القانون فإنه تابع لمجلس الشورى هو الذي يعين رئيس المجلس ونائبه وأعضاءه الخمسة والعشرين. ولهذا وصفه مراقبون في الخارج بأنه "شركة استثمارية تابعة لمجلس الشورى". وعلى مدى أكثر من عشر سنوات من وجود "القومي لحقوق الإنسان" لم يسمع أحد بإنجاز واحد ذي شأن – أو حتى غير ذي شأن -حقّقه مجلس الأنس للكسل التاريخي. وهذا مفهوم، لأن حكومة مبارك حين أقامته كانت كالبلطجي الذي يطعم شهود الزور. ولذلك كانت عضوية المجس في معظمها من عظماء المتموّلين أمثال نجاد برعي، وناصر أمين، وأبو سعدة الشهير بأبو شيك نظرا للقضية التي رفعت ضده بشأن شيك تسلَّمه من السفارة البريطانية، مع عدد من شخصيات أخرى من الحكوميين. ويتبع المجلس ستَّ لجانٍ للحقوق المدنية والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والتشريعية، والدولية. فهل سمعت يوما بموقف واحد للمجلس في أي من تلك المجالات؟!. أسأل على سبيل المثال: ما هو موقف المجلس من قانون التظاهر؟ ما هو موقفه من اعتقال العديد من الشباب؟ وبدلا من الإجابات أخرج من الفراغ إلى الفراغ.

وإحقاقا للحق، ولكي لا نجرّد المجلس من جوانبه الإيجابية فقد نجح المجلس على امتداد عشر سنوات في استلام رواتب أعضائه في المواعيد المقررة بانتظام وكفاءة يشهد بها القاصي والداني، وبدّد من المال العام ما كان كافيا لبناء عدد من المدارس أو إصلاح طرق أو ترميم آثار مهملة. مرة واحدة أصدرت إحدى لجان المجلس تقريرا عن مسؤولية مبارك ووزير داخليته عن قتل المتظاهرين! لكن التقرير صدر بعد الإطاحة بمبارك فذكّرني ذلك بكاتب مسرحي ظلّ يتنبّأ في مسرحياته بقيام ثورة يوليو بعد وقوع الثورة بخمس سنوات! ليتهم مع تقليص النفقات الحكومية يغلقون هذا القومي لحقوق الإنسان ويحوّلون ميزانيته لصالح مشروع ينفع الناس كبناء مصنع لتعليب السمك، أو توزيع بطاطين على ملاجئ اليتامى، أو جمع القمامة، خاصة أن النظافة - في اعتقادي - تأتي في مقدمة حقوق الإنسان بينما تأتي "الوجاهة" في مقدمة حقوق إنسان آخر يعمل في المجلس.

أحمد الخميسي. كاتب مصري

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.