3

:: هَـــبَّـــة نُـــور – أزرار 849 ::

   
 

التاريخ : 05/07/2014

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 1162

 


 

 

 

       قبل سنةٍ تماماً (28 حزيران 2013) تَـمّ في مدينة بْوَازِيه (Boisé- مقاطعة سان لوران- مونريـال) افتــتاحُ المكتبة العامة "هَبَّةُ عاصفة" (La Bourrasque) صمَّمها المهندس غْوينيل بيلانجيه "صديقةً للبيئة" بشكل طليعيّ جديد: هَــبَّــةٌ تأَتي من الخارج تنحني وتدخل نفقاً واطئاً تمر به لتخرجَ منه صُعُداً إِلى النُّور، إِلى فضاء وسيع هو مدخل المكتبة الزجاجي تتناثرُ فيه أَحرُف الأَبجدية وأَوراقُ الشجر منحوتةً من فولاذٍ رماديّ لا يصدأ، ثم تتبعثر على وَسَاعة النور في الخارج.

       التصميم مبنيٌّ على جماليا هندسيةٍ مستوحاةٍ من بيئة الطبيعة الخضراء حول المكتبة، وفي الداخل أَحدثُ التجهيزات العصرية الإِلكترونية موزعة على أَجنحة للأَولاد وأُخرى للمراهقين والكبار، وأَشرطة الـﭭـيديو وقاعات للاجتماعات وأُخرى للمطالعة، وأَجهزة كومـﭙـيوتر موصولة بالإِنترنت، ومركز متعدّد الوسائط الإِلكترونية (ملتيميديا) وصالة عرض للفنون التشكيلية وسواها.

هي ثاني أَكبر مكتبة في مونريـال بعد المكتبة الوطنية. بلغَت تكاليفُ بنائها وتجهيزاتها 24 مليون دولار. تمتد على بساطٍ أَخضر جميل من 6000 متر مربع.

       في الافتتاح أَلقى الكاتب داني لا فـيريــير (دخَل الأَكاديميا الفرنسية في نهاية 2013 أَولَ كاتب كندي) كلمةً جاء فيها: "هنا النورُ يوحي، والأَناقةُ تُغري بالقراءة. هذه مكتبةٌ جديرةٌ بالزيارة والاكتشاف: مكانٌ مفتوح على الهواء الرحب في الداخل، وعلى الأَشجار الخضراء في الخارج نتأَمّلها من مقعدنا فتتسرّب إِلينا نسماتُ هدوءٍ وصفاءٍ تجعل القراءة مغمورةً بالهدوء ومُحاطةً بالصفاء".

هذه المقدِّمة تقودُنا إِلى أَهمية موقع المكتبة العامة الخارجيّ وجَوِّها الداخلي، لتكون واحةً ثقافيةَ المضمون فنيةَ الشكل ذاتَ وظيفيةٍ ثقافيةٍ ورؤْيةٍ فنيةٍ يتكامل فيهما الجذْب إِلى ارتيادها ونَهْل الثقافة من كنوزها.

المكتبةُ العامة ليسَت كَدْساً من الكُتُب ولا مستودَعاً لـمؤَلّفات الأُدباء، بل هي حاجةٌ رئيسةٌ في الحياة اليومية إِلى الدّرس أَو القراءة أَو البحث، في إِطارٍ داخليّ وخارجيّ هادئٍ قد لا يوفِّره مكانٌ آخر حتى المنزل أَو المدرسة أَو الجامعة.

المكتبة العامة واحةٌ لذاكرة المستقبل الـجَماعية من إِرثِ الحاضر والماضي، لذا وجَبَ تصميمُها بذاكرةٍ ثقافية وتراثية وفنية هي في ذاتها طريقةُ حياةٍ مستوحاةٌ من بيئتها التراثية الأَصلية متزاوجة مع تراث هندسي إِبداعي محافظ أَو حديث، فتغدو صَرحاً ثقافياً ومَعْلَماً سياحياً للمدينة ولمضمونها الفكري والأَدبي.

بلداتُنا وبلدياتُنا مدعوّةٌ إِلى التعرُّف على أَنماط هندسيةٍ حديثة للمكتبة العامة، نابعةٍ من التراث البيئيّ والطبيعي والجمالي، فلا تُمسي قاعةُ المطالعة مهجورةً أَو مسكونةً بأَشباح الكتّاب، بل تظلُّ واحةً مفتوحةً على الحياة في محيط بيئي وطبيعي واجتماعي ووطني.

 

يتمّ نشر هذا المقال بالتزامن مع نشره في صحيفة "النهار" بتاريخ 5 تموز 2014

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.