3

:: الحب والزواج والخيانة يسردها عبيد بوملحة ::

   
 

التاريخ : 07/06/2014

الكاتب : فاطمة المزروعي   عدد القراءات : 1857

 


 

 

 

تعتبر الرواية الأولى للكاتب عبيد بو ملحة ذات بعد اجتماعي، فضلا عن الجرأة التي تناول خلالها المؤلف جملة من القضايا والهموم الحياتية. ورغم أن هذا هو المنجز الأول لـ بو ملحة إلا أنه ــ وكما يظهر ــ بذل جهداً معرفياً وظفه في فصول الرواية التي وصلت إلى نحو 36 عنوانا فرعيا موزعة على 256 صفحة.

 

يحكي بطل الرواية (أحمد) قصته مع ثلاث نساء؛ الأولى: ترنيم، والثانية إيمان، والثالثة ليلى. ترنيم تعرف عليها بعد وصوله إلى الولايات المتحدة الأميركية لإكمال دراسته العليا، وقد أخذت القصة معها نحو نصف الرواية (حتى الصفحة 158)، أما إيمان، فهي زوجته التي اختارتها له أمه واقترن بها بعد عودته مباشرة وفق زواج تقليدي، لدرجة أنه لم يشاهدها قبل الزواج بل رفض حتى رؤية صورتها. أما المرأة الثالثة ليلى، فقد تعلّق بها وأحبها، لسبب بسيط جدا وهو الشبه الشديد بينها وبين ترنيم..

ملاحظات أسلوبية

حاول المؤلف ربط الأحداث بشكل موضوعي، وكان ميله واضحاً لترك بعض الأحداث ليستشفّ القارئ نتيجتها دون التوقّف عندها، لكنه في غير مرة كان يسهب في الحديث والشرح والتعليل، وكأنه في مهمة لإفهام القارئ أو إقناعه، وفي مقطع آخر من الرواية يفاجئك بأنه مارس اختصاراً مخلاً وقدّم سرداً سريعاً لأحداث كانت تستحق تمهيداً ومزيداً من الحكي.. أخذت الرواية الجزء الأكبر للتمهيد ولطبيعة العلاقة مع ترنيم، ودون الدخول في تلك التفاصيل فإن بطل الرواية ارتكب خطأ جسيماً برفضه الاعتراف لترنيم بحبه لها رغم أنها بادرت واعترفت بأنها تحبه، وقد تسبّبت ردّة فعله وبروده بصدمة لها. انقطعت علاقتهما وتعرّضت ترنيم لحادثة اعتداء فقدت حياتها إثره. حَملَ احمد حبه وبات يستجدي الزمن أن ينسيه حبيبته التي كانت أكثر شجاعة منه وعبرت عن حبها.

هنا، يقتنص المؤلف ردّة فعل بطل الرواية ليرجعها لطبيعة التربية الصارمة والعادات والتقاليد، والجميل أنه فعل ذلك بعفوية بعيداً عن التقريرية والإقحام، وقد نجح في أن يعطينا صورة واضحة.. إلا أن نجاحه في هذا المواقف لم يستمر إذ نجده في عدة قصص متنوعة يفرض رأيه على القارئ ولا يترك له مساحة للاستنتاج. في محاولات بطل الرواية نسيان حب ترنيم وعقدة الذنب التي رافقته، وافق على الزواج بإيمان الفتاة التي اختارتها والدته، والتي كانت جميلة وتتمتع بكامل مواصفات المرأة، فهي طباخة ماهرة ومطيعة ومؤدبة وتجيد إدارة منزلها، وهي نظرة تقليدية يمررها الكاتب للقارئ كأنه يبلغ القارئ أن هذه هي وظيفة المرأة وأن هذه هي المواصفات العالية والمهمة في الزوجة!. هذا الزواج لم يداو جراح الفقد التي يعانيها احمد، حيث وقع مباشرة ومع أول ظهور لامرأة تشبه ترنيم، فتحول ذلك البطل الذي يتمتع بتربية قويمة وأدب خلاب وجميع الصفات النبيلة، التي منعته أن يبوح ويعترف لترنيم بحبه لها، اختفت جميعها في مشهد مطاردته للفتاة الثالثة ليلى، فقد طاردها بالسيارة وتسابق مع مجموعة من سيارات الشباب الآخرين، وقد تغلّب عليهم وفاز بلفت أنظار ليلى لتبدأ علاقة بالبلاك بيري، ثم تحولت لمحادثات هاتفية، لكن ليلى لا تشبه ترنيم، هكذا اكتشف احمد قبل نهاية الرواية فقد فوجئ وصدم بأنها صاخبة ملفتة ولا تقيم وزنا لحبه.. جاءت هذه الأحداث على لسان البطل، وكأنه اعتراف، وهو بالتأكيد كان اعترافا عميقا، ذلك أن هذا القصة جاءت وهو ينام على السرير الأبيض في المستشفى إثر حادث مروري أفقده قدرة السير على قدميه مرة أخرى، ولم تقف معه إلا زوجته إيمان في بوح عميق عبر البطل عن اشتياقه لطفليه وخاصة ابنته التي اسماها ترنيم. تنتهي الرواية بأن البطل بات مشلولا وعلى كرسي متحرك، وغني عن القول إن المؤلف أراد أن يوضح بعداً إنسانياً يحدث دوما وهو أننا نغفل وننسى ما بين أيدينا من النعيم وأسباب السعادة، فقد ألقى البطل بنفسه بين يدي ليلى العابثة ونسي زوجته المحبة المتسامحة.

غياب التشويق

جانب آخر يعتري هذه الرواية وهو أنه على الرغم أن عنوان الرواية جاء متماهياً مع طبيعة حدثها الرئيسي، إلا أنه واجه معضلتين: الأولى أنه ساهم بطريقة أو أخرى في كشف ملامح النص وبالتالي فإن القارئ كان على علم وإدراك أن الرواية ستجمع ثلاث نساء وهذا لم يخدم الرواية وطبيعة التشويق، وأخشى أن هناك من سيقول وهو يتصفح أوراقها بأنها قصة أحد الشباب مع ثلاث نساء لا أكثر، أما المعضلة الأخرى التي اعترت العنوان، فتتعلق بأنه مطروح في أكثر من نص قصصي بل وفي عمل روائي مشابه وقريب، وهذا يثير لنا الكثير من التساؤلات حول نص روائي ثري ومفعم بالقضايا الاجتماعية والقيم والكثير من التفاصيل الحياتية ولم يجد مؤلفه من بين مئات الكلمات عنوانا أكثر ثراء وفائدة وتشويقاً وجذباً. يبقى أن مؤلف هذه الرواية - عبيد بو ملحة – قد نجح في الإعلان عن نفسه كروائي يسعى لهذه الغاية بهدوء وإدراك تام لمشروع التأليف والكتابة، وقد وظّف مخزونه الفضي بل واستدعى جملاً تراثية معروفة وزجّ بها في نصّه، وإن كانت تحسب له اليوم وفي هذا النص تحديدا فإن الاعتياد عليها قد يكون معضلة، فمن يعلم فقد يعتبرها البعض محل نقد لكونه مقتبسا لا مبتكرا..

في الصفحة الأخيرة من الرواية يقول بطلها احمد: «أدركت بأن حياتي كانت بين حب ثلاث نساء.. الأولى ترنيم التي انتهى حبها في المستشفى، وهي تموت. والثانية إيمان التي بدأ حبها في المستشفى بعد وقوع الحادث. والثالثة هي ليلى عندما أنهت حبها في المستشفى! هذا قدري». بقي أن نشير إلى الثلاث نساء ومماثلتهنّ للثالوث الشهير: الحب، الزواج، والخيانة، وبالفعل فإن كل واحدة منهن قد أخذت مكانها في هذا الثالوث الذي حكاه المؤلف بعفوية مع حذر يظهر ويختفي.


 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.