3

:: وسام الحياة لِمَـا بَعد الممات – أزرار 841 ::

   
 

التاريخ : 26/04/2014

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 1191

 


 

 

 

       أَبْعدُ من حضور رئيسَي كولومبيا والمكسيك معاً مأْتَـمَ الكاتب العالـمي غبريـال غارسيا غوميز، تكمن الظاهرة في الـمُقاربة.

       من الطبيعي أَن يتحرّك رئيس الدولة إِلى وداع مبدعٍ كبيرٍ من بلاده (حسني مبارك قطع زيارة رسمية في الخارج ليمشي في جنازة عبدالوهاب). لكنّ الأَهَمَّ من الـمُبادرة: مقاربةُ الحاكم مبدعاً على حياته قبل أَن يضمَّه نعش فيُرسل إِليه ممثلاً عنه ووساماً على النعش.

       في 23/11/1996 كان جمع يسير وراء رفات أَندريه مالرو من ضريحه الموَقّت إِلى الـﭙـانتيون وفي مقدِّمة الجمع جاك شيراك رئيس الجمهورية الذي صدرَت الـ"فيغارو" صباحئذٍ وعلى صفحتها الأُولى حديث معه أَجاب فيه عن سؤال "لماذا مالرو إِلى الـﭙـانتيون": لأَن "مالرو مناضلٌ في سبيل الحرية، مدافعٌ عن العدل، كاشفُ فنون فرنسا، كاتبٌ كبير، منشئُ وزارة الثقافة، رفيقُ الجنرال ديغول، وخصوصاً لأَنه جعل ملايين الفرنسيين يحلُمون بخدمة فرنسا في اعتزاز الـمُواطنية". وفي الـﭙـانتيون أَلقى الرئيس كلمةً شدّد فيها على وهج مالرو في مجد فرنسا. مبادرتُه إِذاً لم تكن تعزيةً في مأْتم ولا مشياً في جنازة: كانت اعترافاً بقيمة رجلٍ أَعطى بلاده على حياته ما حفظَتْه له بلاده بعد غيابه.

       في 12/6/2007 دعا ﭬـلاديمير ﭘـوتين مبدعين من بلاده إِلى الكْرملِن لتكريمهم بــ"جائزة الدولة للإِبداع". حضروا جميعاً إِلا سولجينيتسين بسبب مرضه. فور انتهاء الاحتفال حمل ﭘـوتين المداليةَ وذهب شخصياً إِلى بيت سولجينتسين ينحني عند سريره ويقدّمها له. وفي 4 آب 2008 كان التلـﭭـزيون الروسي ينقل مباشرةً وقائع مأْتم سولجينيتسين فشاهد الملايين رجلاً يجثو أَمام الضريح ويضع عليه باقة ورد. كان ذاك الرجل ﭬـلاديمير ﭘـوتين.

       إِنها إِذاً مُقاربة الحاكم قيمةَ المبدع أَكثر مما هي مُبادرة حُسْن نية أَو لفتة تقدير.

       نهار الأَحد 1/6/1885 مشى مليونا فرنسي وراء نعش ﭬـيكتور هوغو في مأْتم وطني ورسمي يصفُه الـمؤرخون بأَنه "وداعٌ فريد لم يحدُث مثله في تاريخ فرنسا". ويروي مارك بريسّان عن جدّته مادلين قولها: "كنت طفلة في الثامنة وأَذكر يومها قول والدي لي: "تذكّري هذا النهار التاريخي وارويه لأَولادكِ وليروُوه لأَولادهم من بعدهم". وكانت تلك العبارةُ حافزاً له كي يضعَ كتابه "مأْتم فيكتور هوغو" الشاعر الوحيد في العالم يصدر كتابٌ عن جنازته.

       مرةً أُخرى لا أَخيرة: الـمُقاربة هي الأَهمّ لا الـمُبادرة.

الـمُبادرةُ حدَثٌ يَـمضي. الـمُقاربة حالةٌ ترى إِلى المبدعين فئةً من ناسٍ يَـمضون جميعهم وهي تبقى شعلةً تَعبُرُ الزمن من جيل إِلى جيل.

 

يتمّ نشر هذا المقال بالتزامن مع نشره في صحيفة "النهار" بتاريخ 26 نيسان 2014

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.